شهادات سردية للتناقضات البنيوية للحالة الفلسطينية
يشعر أحمد قسام، الأخ الأصغر الخجول، بمنتهى السعادة عندما يكون في طريقه وحيدا لالتقاط صور بآلتة التصويرية. أما مجيد، الذي يكبره سنّا، فيحب الظهور أمام الجمهور، ويتمنى أن يصبح مغنّيا وراقصا كبيرا في أوروبا. ليست النزعة الفنية هي العامل المشترك الوحيد الذي يجمع بين الأخوين الفلسطينيين من مخيم في الضفة الغربية لنهر الأردن، ولكنهما أيضا لا يهتمان بالسياسة لدرجة تثير الإعجاب، ويرون أن هناك أشياء أهم من ذلك.
وبينما نجد أحمد يتصادق مع فتاة من احدى المستوطنات اليهودية المجاورة ويعتني بقطته، نجد مجيد يتجادل مع أبيه حول الملابس ذات الطراز الحديث. كان الأب فضل قسام، الذي يعمل أحيانا كصحفي ويملك مكتبة صغيرة لبيع الكتب، يتمنى أن يكون أولاده على درجة من الرجولة ومهتمين بالسياسة وعلى استعداد للكفاح.
إنه يشعر بخيبة الأمل، وبدأ يتشاجر في نفسه مع الأطفال قائلا: "ما هؤلاء الأطفال الذين أحضرناهم إلى هذه الدنيا؟ أليسوا أطفال مخيم عين مُرجان؟ هذا صبي مكبوت يرمقك بطرف عينه ويتكلم باستهزاء ويتلعثم، وهذا آخر أرعن يتباهى بحذائه القديم وهو حريص على أن يكون إيطالي الصنع وغير رخيص. يا للعجب من هؤلاء الثوار! ويا للعجب من هذا القدَر!"
من صاحب خيال إلى ثوري
لكن أحمد ومجيد أصبحا بسرعة "ثوّار" في حين بقي الأب محبطا. ولم تسمح الظروف السياسية أن يدوم التوافق بين الأخوين الهادئين. وكانت ظروف التسييس التي فُرضت عليهم تراجيدية إلى حد ما. فقد تم القبض على أحمد الساذج مثل الأطفال بتهمة الإرهاب عندما ذهب يبحث عن قطته الهاربة في المستوطنة اليهودية المجاورة.
وعندما أُفرج عن أحمد بعد حبسه وتعذيبه عدة شهور أصبح وكأنه شخص آخر. وبدأ يشعر أن عائلته تخشى أن يصبح إرهابيا. لكنه البالغ من العمر أربعة عشر عاما لم يكن لديه طموح أن يضحي بحياته. إلا أنه أصبح يتعجب بعض الشيء وينفعل بسبب تدخل الكثير في حياته الشخصية.
"لقد كان حصارا للأرواح والنفوس. عما يتحدثون؟ من أي شيء يخافون؟ أيخافون أن يتورط في شيء؟ يا لهم من أغبياء! تخطر على باله صور المراهقين الذين نفذوا عمليات انتحارية يبثها التلفاز. إنهم لا يكادوا يكبرونه سنا، إلا أنهم ينفّذون العمليات من صميم قلوبهم ومن أعماق نفوسهم وبكل جرأة وشجاعة. إنهم يستحقون الغبطة". على الرغم من كل هذه الأفكار بقي أحمد بعيدا عن السياسة ولم ينضم إلى حزب من الأحزاب، وبدلا من ذلك أصبح رجل إسعاف.
الظروف جعلته انتحاريا
على العكس من أخيه انضم مجيد، الأكبر سنّا - الذي كان يريد أن يصبح مغنّيا - بين الحين ولآخر إلى الكفاح المسلح السريّ، وإلى الإسلامويين. وفيما بعد انضم إلى منظمة فتح. وعندما قام الجيش الإسرائيلي في ربيع 2002 بحصار مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان مجيدا ممن قاوموا حتى آخر لحظة. لكن هذه المقاومة لم تكن بطولية بهذا القدر، ومن الممكن تقديم ما هو أفضل. فيما بعد أصبح مجيد من ذوي المناصب في منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تعد صديقاته ولا أصدقاؤه في فترة الصبا يعرفونه بعد.
يجسّد الأخوان ذوي التصرفات الغريبة والأب المحبط الفجوة المتزايدة بين الطوائف السياسة والشعب الفلسطيني. وقد كتبت المؤلفة قصتها منذ البداية على شكل رواية عائلية. ولو أنها بقيت على هذا الوضع لتمكنت الكاتبة الفلسطينية الناقدة من كتابة روايات أخرى. لكن سحر خليفة أرادت أن تبين كيف تجعل الظروف من صبي هادئ حالم انتحاريا. كما أنها أرادت أن تقدم رواية مهمة تصور خلفيات الوضع السياسي المتدهور والميئوس منه في فلسطين.
محاسبة الطبقة الفلسطينية الحاكمة
وأخيرا وليس آخرا أرادت سحر خليفة محاسبة رجال السياسة الفلسطينيين من خلال أبطال الرواية. وبالفعل تمكنت بعض الشخصيات في الرواية من دون جهد يُذكر من أن تقوم بدور حقيقي لذوي المناصب السياسية من الفلسطينيين. . وقامت سحر خليفة بالتشهير بأسلوب حُكم المجموعة الصغيرة التي تحتضنها إسرائيل، بدءا بالفساد ومرورا بالاتهام والتآمر وانتهاء بالاغتيال السياسي. وانتقدت انعدام الضمير لدى طبقة القيادة الفلسطينية الضئيلة، التي ترك ممثلوها عقيدتهم السياسية منذ مدة واستبدلوها بامتيازات تافهة.
أدب البوح، وحكاية عائلية، ورواية نفسية ناضجة. إنها رواية "ربيع حار" التي تريد فعل كل شيء في نفس الوقت، إلا أنها لم تنجح في النهاية. محاولات وأفكار واعدة جدا، إلا أنها تضمحل فجأة. بعض المشاهد تم سردها بسرعة وبدون شغف بالتفاصيل والتدقيق في اللحظات التي تجعل الأدب شيقا.
"ربيع حار" رواية ذات هدف جيد، ولكنها ليست تحفة أدبية. وعلى الرغم من ذلك فإن رواية سحر خليفة سوف تحظى بالكثير من القرّاء نظرا لموضوع الساعة والوصف التفصيلي للحياة اليومية والسياسية الفلسطينية.
مارتينا صبرا
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
قنطرة 2008
قنطرة
جولة
استعدادات استعدادات سوق الكتاب الألماني
الإصدارات الحديثة لدور النشر الألمانية والسويسرية هذا الخريف بمناسبة المشاركة العربية في معرض فرانكفورت تتضمن أعمال كتاب عرب معاصرين بالإضافة إلى التراث العربي. شتيفان فايدنر يطلعنا على أهم الكتب الصادرة.
حفلات موسيقية لمجموعة "رم" في ألمانيا:
موسيقي أردنية تتنقل بدون جواز سفر
يسعى مبدعو الموسيقى الأردنيون الآن للوصول إلى الأوساط الموسيقية العالمية ، بعد طغيان الطابع الفولكلوري على توجهاتهم الموسيقية لفترة طويلة من الزمن. عازف البيانو والأكورديون طارق الناصر ومجموعته الموسيقية الغربية-الشرقية "رم" يعتبرون من الممثلين البارزين لهذا التوجّه. مارتينا صبرا تقدم هنا لمحة عن المجموعة بعد أنْ التقت بها في كولونيا.
السيرة الذاتية لساري نسيبة:
"كان لي موطن اسمه فلسطين"
تشكل سيرة "كان لي موطن اسمه فلسطين" لساري نسيبة تعبيرا عن فضاءات حالمة تتنقل بين الذاكرة المكانية والزمانية في فصول من الأحداث السياسية والمحطات التاريخية التي تشكل نقاطا مفصلية في تجسيد الحالة الفلسطينية بكل مدخلاتها وانعطافاتها. أندرياس بفلتش في عرض لهذه السيرة.