قانون الهجرة الجديد يُصعِّب اندماج المهاجرين!
"الاندماج" كلمة لها وقع سحري كثيرا ما لجأت إلى استخدامها على وجه خاص جهات عرفت برفضها لتكريس الاندماج. أما نحن المهاجرين فنسعى إلى تحقيق "مشاركة" لنا في ألمانيا في القطاعات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية. لكن صانعي القرار السياسي في هذا البلد يتجاهلون هذه الرغبة بإصرار شديد.
سائقو سيارات بشهادات أكاديمية
كثيرا ما فرض الاندماج المجتمعي على المهاجرين من أعلى إلى أسفل وتحددت أسباب تحقيقه بمعايير المقدرة اللغوية أي تحديدا بمدى إتقانهم للغة الألمانية. لكننا لو شئنا التعرف على الفرص المستقبلية لأبناء المهاجرين في ألمانيا حتى الذين يتقنون منهم اللغة إتقانا جيدا والحائزين على شهادات جامعية لاتضحت لنا الإجابة على ذلك بناء على وجود عدد مرتفع للغاية من سائقي التاكسيات الحائزين على شهادات أكاديمية والمنحدرين من عائلات مهاجرين. كذلك يكاد يبدو الأمر كما لو ان نيل المناصب الرئيسية الهامة في المجالين الاقتصادي والمهني يقتصر على الألمان وحدهم.
ليس هذا من قبيل الاندفاع المزاجي بل أنه أمر يتسم بجدية كبيرة كون المهاجرين والمنظمات التي تتبنى مصالحهم يخالجهم الخوف بأن "مؤتمرات القمة" التي تعقد حول مواضيع الاندماج ليست سوى مظاهر رمزية لا جوهرية يتم فيها استغلال قضاياهم .
مقاطعة قمة الاندماج
بوسعي أن أتفهم تماما الأسباب التي دعت حتى الآن أربع منظمات تركية إلى الامتناع عن المشاركة في قمة الاندماج. إذ لا يمكن الإعلان ببساطة عن تكريس الاندماج من خلال عقد قمة في هذا السياق على المستوى الاتحادي الشامل فيما تتخذ في نفس الوقت تعديلات قانونية تتسم بطابع تمييزي تجاه الأجانب للوصول إلى عكس هذا الهدف المعلن تماما.
تريد الحكومة الألمانية من خلال قانون الهجرة الجديد تطبيق أحكام الاتحاد الأوروبي الخاصة بقوانين الإقامة واللجوء السياسي لكنها تنتهز هذه الفرصة للقيام بتشديد مجموعة من الأحكام والقوانين السائدة.
لا يمكن لما ورد في القانون الجديد من بعض التعديلات الإيجابية (كمنح المواطنين غير التابعين لدول الاتحاد الأوروبي حرية العمل والتنقل بالإضافة إلى التحسينات التي من المقرر أن تطرأ على حق الإقامة الدائمة) أن تجعلنا نغفل النظر عن كون القانون يطلق مؤشرات خطيرة فادحة حيال رؤية مجتمع الأغلبية لموقع المهاجرين في صفوفه.
مما يثير القلق على نحو خاص في هذا السياق البت بقرار ينص على فرض عقوبات في مجال الالتحاق بدورات الاندماج علما بأن تلك العقوبات تصل إلى درجة إنهاء حق الإقامة وتعديل أنظمة جمع شمل العائلات وتقييد الحق في حيازة الجنسية وتهميش القواعد السائدة في قطاع حماية حرمة البيانات والمعلومات الشخصية.
مخالفة دستورية
تتسم بصورة خاصة القيود المقرر فرضها في مجال أحكام الالتحاق بالعائلة بكونها تكاد أن تكون مخالفة للأحكام الدستورية. فإجبار الراغبين في الالتحاق بعائلاتهم على إتقان اللغة الألمانية قبيل مغادرتهم لبلادهم تعني مستقبلا ومن الناحية العملية منعهم من الالتحاق، الأمر الذي يشكل إبطالا لمفعول أحكام الدستور التي تنص على ضمان تقديم الحماية في قطاعي الزواج والعائلة.
هذا والمعروف من الآن على نحو كاف بأن دورات تعلم اللغة الألمانية ليست متوفرة في كافة الدول التي يفد منها المهاجرون. بالإضافة إلى ذلك لا تتوفر بالقرب من مساكن الراغبين في القدوم إلى ألمانيا عروض مناسبة لتعلم الألمانية وحتى في حالة توفر مثل هذه الدورات لا يسمح بالالتحاق بها لكل من شاء ذلك.
هنا يتم بالتالي سن قانون يتسم بالتعامل مع الأفراد وفقا لمعيارين مختلفين. أي أن هناك من ينتمي إلى الدرجة الأولى بحكم كونه قادرا على تحمل تكاليف الالتحاق بدورات اللغة فيما يتعذر ذلك على الغير بسبب عدم توفر القدرات المالية لديهم. هذا يشكل بعبارة أخرى نمطا من أنماط التمييز.
الحيلولة دون حيازة الجنسية
ارتفعت في ألمانيا بعد الوحدة أصوات ذات صبغة قومية قوية، وأدت الهجمات المروعة التي وقعت ضد مهاجرين في كل من مدن روستوك وهويرفيردين ومولن وسولنغن إلى انتشار الأنباء السلبية على صفحات أجهزة الإعلام مما جعل جمهورية ألمانيا الاتحادية تصبح من جديد في محط أنظار واهتمام الرأي العام العالمي.
أصدرت جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1993 بهدف الحيلولة دون تصدع سمعتها الدولية تسوية متعلقة بما سمي معايير توفر الحق في حيازة الجنسية. أما "المهندس المعماري" لتلك التسوية فكان وزير الداخلية الاتحادي سابقا وفي الوقت الحاضر الدكتور فولفغانغ شويبليه.
لم تتقبل أغلبية الفعاليات السياسية الألمانية على الإطلاق وبشكل حقيقي تلك التسوية التي اتخذتها الحكومة على كره منها ولأسباب محض تكتيكية. لهذا فقد حاولت الحكومة إكساب معايير توفر الحق في حيازة الجنسية شروطا مضنية بل عمدت حتى إلى إبطال مفعولها من الناحية العملية (من خلال عدة إجراءات منها رفع مستوى الدورات اللغوية أو في حالة القانون الجديد فرض امتحانات للغة بهدف الحصول على شهادة إجادة اللغة الألمانية أو من خلال إدخال اختبارات هدفها التعرف على الميول والتوجهات الفكرية للأشخاص المعنيين).
لا توجد في إطار إجراءات التشديد المتزايدة هذه سوى حالتين استثنائيتين هامتين هما أولا ما يسمى بجنسية الأطفال وثانيا خفض معدل المدة الزمنية اللازمة للإقامة والمواكبة للأحكام القانونية. هذا وقد صدر كلاهما في فترة عهد الحكومة الائتلافية السابقة التي شكلها الاشتراكيون الديموقراطيون مع حزب الخضر.
مصطلحات قانونية تفتقر إلى الوضوح
كلما عمد القضاء إلى توضيح أحد المفاهيم القانونية المتسمة بالغموض أو إلى تفسيرها لصالح الأفراد المعنيين (على سبيل المثال مصطلح "قدر كاف من الإلمام اللغوي") سارع المشرع أي البرلمان إلى إدخال مصطلح جديد آخر يتسم بالغموض بهدف إعطاء السلطات المختصة بمنح الجنسية تخويلا يجيز لها رفض طلبات الجنسية.
هذا ويسعى المشرع الآن إلى جعل عنصر توفر المعلومات لدى الراغبين في حيازة الجنسية حول "المعطيات الحياتية" في ألمانيا أحد العوامل المطلوبة لحيازة الجنسية. لكن السؤال يطرح نفسه في هذا السياق حول محتوى مفهوم "المعطيات الحياتية" هذا.
إن تشديد الأحكام المتعلقة بشروط التجنيس في حالة الشباب يؤدي في نهاية المطاف إلى الإلغاء العملي التام لما يسمى بالحق في حيازة الجنسية. لكن الأمر يتطلب تسهيل إجراءات التجنيس لا تعقيدها. وقد انخفضت من الآن معدلات منح الجنسية في ألمانيا.
هذا يسري بصورة خاصة على ذوي الفرص الضئيلة في مجالات التعليم والتدريب وسوق العمل وهم في الأغلب شباب تبلغ أعمارهم أقل من 22 عاما. هنا يأتي قرار رفض منحهم الجنسية الألمانية في حالة عدم التحاقهم بآليات التعليم أو التدريب أو عند عدم قدرتهم على كسب سبل عيشهم بأنفسهم بمثابة لكمة تستهدف المساعي الاندماجية نفسها.
المهاجرون عرضة للكشف والشفافية الكاملين
يشكل توسيع مفعول القوانين التي تسمح بالرجوع إلى سجلات الأجانب المركزية وتوسيع الإجراءات الخاصة بتحريات الشرطة الجنائية حول الأشخاص المعنيين تجاوزا خطيرا للحق الذي ضمنه القانون الأساسي (الدستور الألماني) لكل فرد في تقرير ما يسمح بجمع المعلومات عنه.
لا يحق استخدام الجوانب الأمنية حجة لتوسيع حجم القيود المفروضة. كما أنه لا يمكن حماية الديموقراطية من خلال نزع حقوق الحرية الأساسية منها خطوة بعد خطوة. على العكس من ذلك فإن الحفاظ على الأنظمة الأساسية المبنية على تكريس دولة القانون ومبادىء الحرية والديموقراطية هو السبيل الأفضل لمحاربة الإرهاب.
كما أن تهميش التسوية المتعلقة بالإقامة الدائمة لا يشكل حلا حقيقيا للمشاكل التي تواجهها أغلبية اللاجئين المقيمين في ألمانيا. ونتيجة للعدد الكبير من الأسباب المستخدمة في تبرير رفض منح أذون الإقامة فإنه سيتعين على عدد ضئيل فقط من اللاجئين الاستفادة من التسوية مستقبلا. لهذا سيظل السماح الجماعي المرهون زمنيا أمرا واردا في ألمانيا في المستقبل أيضا.
من خلال تشديد أحكام قانون الهجرة تهتز أوصال المصداقية السياسية لجمهورية ألمانيا الاتحادية. وبدلا من النهوض بإدماج المهاجرين في المجتمع الألماني عادت "عقلية التباعد القديمة" التي عرفتها قوانين الأجانب في الماضي تدخل إلى حيز الوجود في قانون الهجرة الجديد.
بقلم محمد كيليتش
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007
محمد كيليتش رئيس المجلس الاستشاري الاتحادي لشؤون الأجانب ومحام يعمل في مدينة هايدلبيرغ وعضو في حزب الخضر.
قنطرة
انتهاك الدستور أم ردود فعل مبالغ فيها
في حين تقاطع بعض الروابط والجمعيَّات التركية "قمة دمج المهاجرين" وتسعى إلى رفع دعوى لدى المحكمة الدستورية الاتِّحادية ضدَّ التشديد في قانون الهجرة، يعتبر بعض السياسيِّين الألمان ردود الفعل هذه تجاوزات بالغة. تقرير بقلم بيتر فيليب
صوت المؤذن يعلو في ألمانيا!
ظهرت حدة جديدة في الجدال حول الاسلام في ألمانيا، وهذا مما يعد خبرا طيبا. إننا خرجنا من عصر الصبر الخاطئ مباشرة إلى الحوار حول مجتمعنا الجديد. والاعتراف الرسمي بالاسلام في ألمانيا لا يعني نهاية الصراع الحضاري ولكنه يعتبر بدايته، حسب رأي يورغ لاو