"هجرة على أسس الاختيار لا المعاناة"
ليس كل المهاجرين أشخاصا غير مرغوب فيهم، بل إن بعضهم وعلى وجه خاص من كانوا من أصحاب "الطاقات العالية" موضع إغراء كبير للقدوم. هذا ما تضمنته على سبيل المثال بصورة صريحة بينة مسودة ساركوزي الخاصة بقانون الأجانب الجديد الذي أضيفت عليه تعديلات اتسمت بالقسوة في العديد من الجوانب وسيجري النقاش حوله في الجمعية العامة الفرنسية في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. تشير المسودة إلى الأشخاص "المهيئين بصورة متميزة " للإسهام على نحو هام ومستديم في تنمية الاقتصاد الفرنسي وفي إعطاء صورة ساطعة في العالم عن فرنسا".
من قبيل الحرص على هذه المجموعة من الأفراد تقرر إدخال بند جديد من بنود حق الإقامة يتضمن منح أذون الإقامة للأشخاص "ذوي الاختصاص والمواهب".
قبل أعوام قليلة مضت وتحديدا عندما تعلّق الأمر بتقييد حق اللجوء السياسي المنصوص عليه في الدساتير الوطنية كما كان الحال عليه في ألمانيا (مايو/ أيار 1993) وفي فرنسا (أغسطس/ آب 1993) عمد المسؤولون السياسيون الرسميون إلى التحذير مما سمي "سلب الأدمغة"، بحجة أن الضرورة تقتضي تفادي فقدان الدول الضعيفة اقتصاديا والتابعة لما يسمى بالعالم الثالث لنخبها المتعلمة الضعيفة وزنا في الأصل من خلال هجرتها إلى الدول الغنية.
وقيل في هذا السياق إن منع مثل هؤلاء المواطنين من الدخول إلى الدول الصناعية أو منعها في جميع الحالات من الإقامة فيها أمر يقع في مصلحة الدول النامية التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد.
جذب مقصود لذوي الكفاءات العالية
لم يعد هذا هو الخطاب السائد اليوم، بل أصبح الهم منصبا على تنظيم هجرة النخب بل وإغرائها على ترك المناصب التي تحتلها آنيا. أما المجموعة الأخرى من المهاجرين الذين ينظر إليهم على أنهم "دون قيمة ومفعول" بالنسبة لسوق العمل فالأفضلية حسمت لإبعادهم عن البلاد.
إبعاد المهاجرين أصبح يشكل هدفا مطلقا بل تصورا ثابتا لدى صانعي السياسة الأوروبية الرسمية حيال عدد كبير من الدول النامية. هذا يسري خاصة على حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا حيث تستغل كبرى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي علاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف بغرض تتبع هذا الهدف المرسوم من أرضية الأولوية كما أنها تسعى إلى جعل شركائها التفاوضيين في الدول النامية المذكورة يلتزمون بتكريس هذا الهدف.
فيما يتعلق بالتعامل في هذا الصدد مع الدول الأفريقية هناك توجهات لاحتواء الهجرة غير المبرمجة في مواقع بعيدة عن الدول الأوروبية المنشودة. يتم ذلك من خلال إنشاء برامج اقتصادية في المناطق التي يكون سكانها "مؤهلين" للقيام بالهجرة أو، وهو ما هو سائد اليوم، من خلال استخدام آليات الشرطة والتجهيزات العسكرية.
كان لقاء وزاري جرى في شهر ديسمبر/كانون الأول 2005 في بماكو، عاصمة دولة مالي الواقعة في غرب أفريقيا، قد تطرق إلى هذا الملف كما تقرر إجراء مؤتمر متابعة لهذا اللقاء يقتصر فيه البحث في شؤون السياسة الخاصة بالهجرة.
"إفراط" في صد موجات الهجرة
في مدينة بماكو جرى أيضا، وذلك في نهاية يناير/ كانون الثاني 2006، لقاء للفرع الأفريقي للمنبر الاجتماعي العالمي. هذا اللقاء الدولي الذي ضم ناشطين ينشدون تكريس "عالم آخر" عقد في غضون العام الجاري في ثلاثة مواقع هي كاراكاس وبماكو وسوف يجري لقاء ثالث أواخر شهر مارس/ آذار في كاراتشي، بمعنى أن هذا اللقاء يتوزع بين قارات ثلاث.
في مدينة بماكو شكلت سياسة الهجرة التي تمارسها الدول الصناعية الغنية وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي صلب المواضيع التي تناولها البحث، لكن في هذه المرة كان نقاد هذه السياسة هم المحور، على سبيل المثال في سياق مناقشة موضوع وارد في جدول أعمال اللقاء حول "تجريم الهجرة". فقد انتقدت على سبيل المثال لوسيل داما الناشطة في فرع المغرب لمنظمة "أتاك" بشدة سياسة الهجرة الأوروبية ووصمتها بالنفاق والرياء.
ذكرت لوسيل داما بأن أوروبا تقوم من جهة ما بإبرام الاتفاقيات بشأن إلغاء إجراءات الحماية التجارية المتعلقة باقتصاديات الجنوب والهادفة إلى إملاء مصالح الاقتصاديات القومية القوية في ميدان التجارة الحرة، مضيفة بأن تلك الاتفاقيات تتضمن من الناحية البلاغية البحتة تأكيدا على روح التعاون النابعة من المصالح المتبادلة كما أنها تعطي في بنود كثيرة الانطباع بكون تلك الاتفاقيات تخدم فقط مصالح دول الجنوب و"تنميتها".
من الناحية الأخرى سرعان ما تتلاشى هذه البلاغة اللغوية على حد قول لوسيل داما طالما جاء الأمر مرتبطا بموضوع "حماية" أوروبا من مهاجرين غير مرغوب فيهم للتحول بكل معنى الكلمة إلى حد "الإفراط" في اتخاذ إجراءات صد الهجرة.
وقد مشت عدة دول كالمغرب وتونس وليبيا ومصرفي ركب هذه السياسة التي رسمها الاتحاد الأوروبي على قاعدة صد الهجرة أو اللجوء إلى سياسة قوامها انتقاء المهاجرين المناسبين، وذلك من مواقع كائنة في أعماق الدول المجاورة لأوروبا.
معسطرات لتجميع اللاجئين
لنأخذ المثال الليبي: تشرف إيطاليا داخل هذه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا منذ سنتين على معسكرات لتجميع المهاجرين واللاجئين غير المرغوب في اجتيازهم الحدود باتجاه أوروبا. في عام 2004 وحده وفي الأسابيع الأولى من عام 2005 تم إبعاد أكثر من 40000 مهاجر من إيطاليا إلى ليبيا عبر جسر جوي.
في غضون العامين الماضيين اتضح وجود إصرار لدى المسؤولين السياسيين في كل من إيطاليا وألمانيا خاصة على تنفيذ فكرة إنشاء معسكرات تجميع للاجئين وللأشخاص الراغبين في الهجرة من المناطق الواقعة جنوبي البحر المتوسط. وقد سبق لإيطاليا أن مدّت جارتها الجنوبية ومستعمرتها في السابق ليبيا بأجهزة الرادار والطائرات المروحية والقوارب وعربات الجيب اللازمة لمراقبة الحدود سواء على امتداد شواطئ البحر المتوسط أو داخل المناطق الصحراوية.
وعمد وزير داخلية ألمانيا السابق أوتو شيلي في أواخر سنين ولايته إلى اتخاذ نفس الخط تقريبا الذي سلكه نظيره الإيطالي جوسيبي بيزانو على المستوى الأوروبي.
أما مرشح الحكومة الإيطالية اليمينية السابق لمنصب المفوض الأوروبي لشؤون العدل، روكو بوتيليوني، فقد صدرت عنه أثناء استجوابه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 فلتة لسان مذهلة الوقع، إذ أنه استخدم خطأ تعبير إنشاء "معسكرات الاعتقال النازية" في شمال أفريقيا بدلا من عبارة "معسكرات تجميع المهاجرين" غير المرغوب فيهم.
عارضت على مستوى الاتحاد الأوروبي كل من فرنسا وأسبانيا فكرة معسكرات التجميع في بادىء الأمر بحجة أنهما رأتا بأن منع خروج الراغبين في الهجرة من بلادهم يشكل مكافحة أكثر فاعلية لتدفق "موجات الهجرة" من جعلهم يصبحون بقرب الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي.
وهكذا عارض ممثلا حكومتي أسبانيا وفرنسا في مؤتمر وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي الذي عقد في مدينة فلورنس في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2004 برنامج إنشاء معسكرات لتجميع في شمال أفريقيا الذي تبناه على نحو خاص وزراء داخلية ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا.
تمويل أوربي
يتسم الخط الفرنسي الأسباني المشترك بصفة إيجابية لكونه يعترف من الوهلة الأولى ولو شكليا بوجود إشكالية للأسباب التي تدفع الأشخاص إلى الهجرة مما يحتم ضرورة "مكافحة أسباب الهروب". أما من الوهلة الثانية فالملاحظ أن هاتين الدولتين تمارسان سياسة هجرة ذات طابع أكثر تقييدا من دول أخرى نظرا لأنهما تربطان مصير الراغبين في الهجرة على نحو مكثف ببلادهم الأصلية وتجبرهم على البقاء فيها رغما عن إرادتهم.
لكن كلا هذين الموقفين يتفقان في المقام الأول إزاء الرغبة في منع دخول أكبر عدد ممكن من الأشخاص غير المرغوب فيهم إلى أراضي الاتحاد الأوروبي. وفي هذه الأثناء نجح الطرفان الألماني والإيطالي إلى حد كبير في فرض تصوراتهما في هذا السياق حيث بدأ الاتحاد الأوروبي يموّل مشاريع نموذجية متعلقة بمعسكرات التجميع حتى في دول بعيدة للغاية عن أوروبا مثل تنزانيا (تمت الموافقة على صرف أربعة ملايين يورو خصيصا لهذا الغرض) أو باكستان بل حتى على امتداد الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي مثل بيلوروسيا ومولدا فيا.
بيرنهارد شميد
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006
اللاجئون الأفارقة في ليبيا
يقيم مئات الآلاف من الأفارقة بشكل غير شرعي في ليبيا، وتعتبر العلاقة بينهم وبين الليبيين متناقضة، فالليبيون يعتبرونهم المسؤولين عن الإجرام ومرض الإيدز من ناحية، ومن ناحية أخرى يُفضلونهم كأيدي عاملة في كثير من الحرف.
لاجئون أفارقة في اليمن
عشرات الآلاف من اللاجئين، لا سيما من الصومال، يتوافدون سنويا إلى اليمن عن طريق البحر. وعلى الرغم من استقبالهم وإيوائهم هناك، إلا أن غالبيتهم تريد السفر إلى أوروبا.
"يجب معاملة اللاجئين كبشر"
كثيرا ما يقع اللاجئون الذين يحاولون التسلل إلى أوربا عبر سبتة ومليلة ضحية لعنف الشرطة المغربية والإسبانية، وهذا ما يثبته تقرير منظمة "أطباء بلا حدود" التي تقدم رعاية طبية للاجئين.