بين المسجد والجامعة والإنترنيت
رئيسة المجالس الإقليمية للدين الإسلامي في منطقة "ليموزين"! إنه لقب مهم تتقلده امرأة جميلة في سن الرابعة والعشرين. تستقبل السيدة حنيفة كراكوس الزوار في محطة قطار "ليموج" وهي في صحبة زوجها مع مرافق يدعى مصطفي غورسال، يعمل كأمين صندوق للمجلس الإقليمي.
ترتدي السيدة حنيفة حجابا أسود ملونا بالأزهار كرمز تعرف به عند أول مقابلة. تبتسم بحياء متروية عند الكلام، حيث لاحظنا ذلك عندما تحدثت عن شهرتها في الإعلام الدولي مع أنها لم تعرف بعد في منطقة "ليموزين"، وتعبر عن ذلك بقولها: "تلقيت في البداية رسائل تهنئة من أناس لا أعرفهم. إن مما يسعدني أن الناس قرأوا في الجريدة أن امرأة ما أصبحت رئيسة. ولكني مازلت غير معروفة لدى العامة في الشارع".
رئيسة ولكن بلا مكتب
لأول مرة.. سيدة تركية تترأس مجلسا إسلاميا إقليميا في فرنسا؛ إنها لثورة! ولكن الحقيقة غير ذلك، فالسيدة كراكوس ليست من الثوار ولا أول امرأة تقود حركة من الحركات. وأنى لها ذلك وهي كأم مشغولة جدا برعاية ابنتها الصغيرة صالحة، ومشغولة أيضا بدراسة الحقوق، وبين الدروس تستغل الوقت للمحادثات.
وهي لا تجري المحادثات في مكتبها (غير الموجود بعد) بل في صالة الإفطار بفندق La Paix الذي لم تدخله من ذي قبل. من المفترض أن يكون للمجلس الإقليمي للدين الإسلامي مقر في "ليموج"، إلا أن ذلك ظل رهن الوعود السياسية. فالسيدة حنيفة كراكوس حقا رئيسة لجمعية بلا مأوى.
تستطرد قائلة: "من الممكن القول بأن مجلس المسلمين الفرنسي تأسس برغبة سياسية من قبل الدولة. أما نحن المجلس الإقليمي في منطقة "ليموزين" فليس لنا مقر حتى الآن رغم أننا قدمنا بذلك طلبا إلى المحافظة ومجلس البلدية. ومن هذا المنطلق فنحن إذن بلا مأوى وعنواننا الرسمي هو عنواني الخاص. إننا نحاول تسيير الأمور قدر الإمكان".
ولأنها تدرس الحقوق قامت السيدة كراكوس بترشيح نفسها في يونيو/حزيران لتصبح الممثلة الوحيدة للمنظمات الإسلامية المتناطحة في المنطقة، ولكنها ترى نفسها عاجزة لنقص خبرتها السياسية في هذا المجال، وتقول عن ذلك: "لم أعمل قط من ذي قبل في إحدى المنظمات ولا أدري ما يمكن أن أقدمه. لقد صدمت بعض الشيء من واقع المجلس الإقليمي، إذ أنني اعتقدت في بادئ الأمر أن لدينا إمكانيات أكثر تمكننا من العمل في اختصاصنا. صدمت من قلة الإمكانيات وعدم اكتراث الدولة بنا، وهذه واحدة من الأشياء التي آسف عليها".
جاء دور الأجيال الجديدة
يتم تمويل المجلس الإقليمي الذي ترأسه السيدة كراكوس عن طريق الاشتراكات التي تدفعها الجمعيات الإسلامية الثلاث عشرة في المنطقة، ويبلغ حد هذه الإشتراكات 900 يورو، يذهب نصفها إلى المجلس الوطني لمسلمي فرنسا. وعلى الرغم من قلة المال وانعدام المقر والقدرة على أخذ القرار، فإن السيدة حنيفة كراكوس تعتقد – وتجتهد لأجل ذلك - كرئيسة في إمكانية تحسين حياة المسلمين في المنطقة البالغ عددهم 1200 شخص. وتقول بدون فخر بنفسها:
"لم أقم بذلك بغية أن أقول أنّ على المسلمات فعل أي شيء، لقد أقدمت على هذا الأمر بطواعية لأنني أردت أن أفعل شيئا لعامة المسلمين. ربما توجد ثمة موجة لأن دور الأجيال الجديدة قد حل، فالآباء طعنوا في السن، والأولاد يحاولون المسايرة والإندماج أكثر باذلين ما في وسعهم من أجل فرنسا".
تكافح السيدة كراكوس لحجز مساحات في المقابر الفرنسية، تخصص للمسلمين، وتبعث بسجادات صلاة وأئمة إلى السجون. كما أنها أدانت في بيان لها أعمال الشغب والفوضي في ضواحي باريس، على الرغم من أن منطقتها الريفية "ليموزين" لم تصب بسوء من أعمال الشغب. وإليكم تفاصيل يوم كامل في حياة السيدة حنيفة: "إستيقظنا في السادسة والنصف، كانت عندي محاضرات في الجامعة من الساعة الثامنة حتى العاشرة. أخذ زوجي ابنتنا إلى والدته.
حضر بعد المحاضرات ليأخذني لمشاهدة محل للذبح ومناقشة المسؤولين هناك. فيما بعد ذهبنا إلى البيت، واحتفلنا مع الأسرة. بعد ذلك كان هناك لقاء في المسجد التركي دعونا له بعض رجال السياسة والصحفيين وأناسا من مختلف الثقافات حتى يروا كيف تسير الإحتفالات عند المسلمين. ثم قضينا السهرة مع الأسرة. وهكذا جمعنا بين المجلس الإقليمي والجامعة والأسرة".
السيدة حنيفة كراكوس متعددة الجوانب منذ ميلادها، فقد شبت وترعرعت في مدينة "ميلوز" بمنطقة الإلزاس، وقضت طفولتها هناك أيضا شأنها شأن أي طفل فرنسي، وكانت تصر على ذلك. وهي إحدى خمس بنات لأسرة تركية مهاجرة يعمل والدهن في مصنع للسيارات. وهي تجيد التركية والفرنسية بطلاقة. وفاجأت أهلها عندما قررت لبس الحجاب وهي تدرس الحقوق. تقول:
"إنني فرنسية مسلمة، وكلا الصفتين تتبع الأخرى، ولا يمكن أن أنتسب إلى واحدة دون الأخرى".
تجمع السيدة حنيفة كراكوس في شخصيتها الكثير، تجمع بين الأصالة والحداثة وبين التحرر والتراث وبين الأمومة والاشتغال بالسياسة، مثلما تجمع بين المسجد والإنترنت وبين الوطن والغربة، وهي مسلمة وفرنسية في آن واحد.
وبالمناسبة تعرف عليها زوجها عن طريق الإنترنت، ولحبها له انتقلت إلى "ليموج"؛ وهي الآن تعاني من الحنين إلى الوطن، ولكن ليس إلى تركيا وطن الوالدين، وإنما إلى مسقط رأسها مدينة "ميلوز" الفرنسية.
بقلم زيغفريد فورستر
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006