ضحكة من أَفغانستان
يوجد في هذه الحجرة الصغيرة في كابول خريطة لأَلمانيا، يقف بجانبها رجل في الرابعة والعشرين من عمره، اسمه شير خان. يشير بإصبعه على الخريطة قائلاً: "إنّ معظم الناس في أَلمانيا مسيحيون، ولديهم إله أَيضًا. كذلك يوجد مسلمون في أَلمانيا، لكن عددهم أَقل بكثير من عدد المسلمين لدينا".
تجلس مجموعة من الأَطفال على الأَرض أَمام شير خان، ويصغون باهتمام. يسأل أَحدهم: "ما هي عاصمة أَلمانيا، بونّ أم برلين؟" ويتساءل آخر: "ما هو أشهر مكان في أَلمانيا؟"
أَما شير خان الذي يعمل ممثلاً ويعلِّم هؤلاء الصغار في سيرك الأَطفال خدعًا فنية ومسرحا، فينشر جريدة جدارية كبيرة قام بإعدادها بعض المشرفين على هذا السيرك؛ أُلصقت عيلها صور لغابات ولمباني مبنية بصنعة أَلمانية تقليدية، من قلاع وقصور مثل قصر نويشفانشتاين في بافاريا. وكذلك صور لمدينتي فرانكفورت وبرلين. لقد سمع بعض الأَطفال من قبل شيئًا ما عن جدار برلين، لكن شير خان، هذا الرجل الشاب، لا يستطيع الإجابة على كل أَسئلتهم التي يطرحونها، مثل "لماذا هذا الجدار وكم ارتفاعه وطوله؟"
يقيم الأَطفال في هذه الأَيام في كابول ويتعلمون في كل صباح دروسًا مرتجلة عن أَلمانيا. لقد أَسعد الحظ إثنى عشر طفلاً منهم، وهم سبعة أولاد وأربع بنات تتراوح أَعمارهم بين تسعة أَعوام وستة عشر عامًا. إذ أَنّهم من المجموعة، التي ستقوم بجولة طيلة شهرين عبر أَلمانيا والدنمارك.
وفي الحقيقة تعتبر أَلمانيا بالنسبة لكل من في هذه المجموعة كتابًا مبهمًا ومفعمًا بالأَلغاز، بيد أَنّ الأَطفال الأَفغان يتدربون منذ أَسابيع بنشاط على أناشيد أَلمانية، مرددين: "يا أُوغسطين الحبيب، يا أُوغسطين".
تقول بيريت مولهاوزِن وهي إحدى الشخصيتين الأجنبيتين اللتين أسستا سيرك الأَطفال: "حصل الأَطفال قبل ثلاثة أَيام على نسخة أَصلية لشريط الأَناشيد بالأَلمانية. لقد قمنا بكتابة نص الأنشودة بالحروف الصوتية الفارسية وبعد قليل من التمرين تعلَّموا الأنشودة".
السيرك مرآة تعكس مشاكل أفغانستان
تعتبر جولة سيرك الأَطفال عبر أَلمانيا بمثابة مغامرة كبيرة. "سوف يُقدِّم الأَطفال على المسرح حركات وأَلعابًا بهلوانية، وسيلعبون بدرّاجات ذات عجلة واحدة وسيعرضون عروضًا تهريجية مضحكة" على حد قول ديفيد مازن المشارك في تأسيس هذه الجولة.
وإلى جانب ذلك سوف تُقدِّم المجموعة مقاطع من برامج، قاموا بعرضها في أَفغانستان. على سبيل المثال "الباعوضة الطنّانة". وفي هذا العرض يرمز صبي بزي أَخضر يشمل كل جسده، وجناحين ورقيين باللون الأَحمر مركبين على ظهره، إلى باعوضة المالاريا، بينما يحاول أربعة ممثلين صبيان وجمهور الأَطفال حماية أَنفسهم منها.
تعالج معظم العروض التي تقدَّم في أَفغانستان الآفات الكبرى، التي من الممكن أَنْ تصيب الشباب في منطقة الهندوكوش، مثل الأَلغام المزروعة هناك والإصابة بالإسهال. ويقدِّم السيرك الصغير عروضه في المدارس لأَطفال أَعمارهم مماثلة لأَعمار من يلعبون في السيرك، فعندئذٍ تلج المسرح يد بيضاء إسفنجية كبيرة يختبيء تحتها أَحد الممثلين. ويوضح هذا الممثل في مشاهد قصيرة، كيف يمكن للمرء أَنْ يقي نفسه: بجلب المياه النقية، وغسل الأيدي بالماء والصابون وتنشيفها بعناية، ونفس الشيء بالنسبة للفواكه والطعام.
ثمّة مسرحية أخرى عنوانها "لماذا الأَلغام"، سوف يقدِّمها الأَطفال في أَلمانيا. تكشف لنا بيريت مولهاوزِن قصة المسرحية: "لن نعرض في هذه المسرحية أَمواتًا ولا إصابات مُرَوِّعة. بل سنسيّر قردًا على الخشبة، يكابد آلامًا قاسية".
في الحقيقة يلقى الأَطفال كل يوم في أَفغانستان حتفهم بسبب الأَلغام المُعدّة للانفجار. حيث لا تزال عدة ملايين من هذه الأسلحة الغدَّارة مدفونة تحت سطح الأَرض مباشرة، وسوف تحتاج عملية دفنها في جوف الأَرض بصورة آمنة أو تدميرها حسب التقديرات إلى أَكثر من عشرين عامًا.
صراع من أجل البقاء
يتواجد سيرك الأَطفال منذ عامين، واسمه الكامل هو "سيرك الأَطفال الصغير الجوَّال". وفي الوقت الحالي يتلقى ثمانون طفلاً في السيرك تعليمهم الفني: ابتداءً من الفن السردي ومسرح العرائس إلى الرياضة والصحافة الإذاعية الإبداعية.
كما أَنّهم يقضون نصف يومهم في السيرك والنصف الآخر في المدرسة. "نحن نسعى إلى تشجيع الأَطفال والاستفادة من قدراتهم وفتح الآفاق أمامهم وانتشالهم من الفقر" على حد قول بيريت مولهاوزِن. لقد رسم سيرك الأَطفال الابتسامة على وجوه أَكثر من خمسة وعشرين أَلف طفل وشاب في المدارس في كابول، وذلك من خلال العروض التي قدَّمها العام الماضي؛ حتى أَنْ عدد من شاهدوا عروضهم في كل البلاد بلغ ثلاثمائة أَلف طفل وشاب تقريبًا.
تساهم هذه العروض في مواجهة صدمات الحرب والتشوّهات النفسية الناجمة عنها. يروي ديفيد مازن قائلاً: "عندما يُقدِّم ممثلونا الأَكبر سنًا عروضًا في الأَرياف يتواجد أحيانا بعض رجال الدين أو أَحد أتباع طالبان بين الجمهور. في البداية كانوا يجلسون تعلوهم سيماء الجد وأيديهم مكتوفة، لكن كلما طال وقت البرنامج، كانت تنفرج أَسارير وجوههم، وحتى أَنّ الشيوخ أصبحوا أَخيرًا يصفِّقون ويضحكون".
كثيرًا ما يكون الأَطفال الذين يعملون في هذا السيرك الصغير ممن فقدوا آباءهم أو بعضًا من ذويهم في الحرب، أَو ممن عانوا قساوة التشرّد أَو كان عليهم العمل بالإضافة إلى االذهاب إلى المدرسة والتمارين من أَجل تحصيل قوت عائلاتهم.
كما أَنّ السيرك الصغير مر بتجارب، خاض فيها صراعًا من أَجل البقاء وهو يعكس إلى حد ما صورة عن الواقع في أَفغانستان. إذ أَنّ هذا السيرك في حاجة ماسة إلى المال، فهو يستطيع البقاء من خلال مشاريع قصيرة الأمد ونشاطات خدمية، مثل دورات تعليم تُقدَّم للمعلِّمين، الذين يتعلَّمون هنا كيف يعلِّموا تلاميذهم بأسلوب تربوي خلاّق للغاية.
وبعكس منظمات الإغاثة الكبيرة فإن سيرك الأَطفال لا يمتلك عربة خاصة به. إذ يبدو أَنّ الأُمم المتحدة في كابول لم تعترف بعد بقيمة المشاريع التي تشجّع الأَطفال، مثل هذا السيرك التربوي الذي يمارس عمله هناك منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2003. يقول ديفيد مازن: "هم يعدّون خططًا كبيرة ويكثرون من الكلام، لكننا بدورنا نريد ما هو عملي أَكثر مما هو نظري".
بقلم مارتين غيرنَر
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©
قنطرة
أفغانستان – تقرير منظمة العفو الدولية:
حقوق المرأة، حبرٌ على ورق
مازال وضع المرأة في أفغانستان مرعباً بحسب تقرير منظمة العفو الدولية. وما زالت المساواة، كما أقرها الدستور، بعيدة جدا عن التطبيق. لكن هناك ثمة خطوات صغيرة للأمام. تقرير بترا تابلينغ.
أفغانستان:
إذاعة "صوت المرأة الأفغانية"
ما أن سقط نظام الطالبان في أفغانستان حتى إستطاعت المرأة الأفغانية المشاركة في الحياة الإجتماعية من جديد. حيث أُنشئت محطة إذاعية تُعنى بالنساء منذ أمد قريب. راتبيل شامل كتبت عن ذلك
معلومات عن السيرك في اللغة الإنكليزية