نعم لنشاط مدني، ولكن بعيدا عن السياسة

ما هو موقف الإسلام من المجتمع المدني؟ إذا ما استمع المرء لبعض أكاديمي جامعة الأزهر، فسيعتقد على الفور أنهم تحولوا إلى أنصار الرئيس مبارك. لينارت ليمان حضر ندوة في برلين نظمتها الأكاديمية الإسلامية وجامعة هومبولد والسفارة المصرية.

جرت العادة على أن يؤكد الفقهاء المسلمون من دون كلل، على أنه لا يمكن في الإسلام فصل الدين عن الدولة. ولكن في حين يطالب ناشطو المجتمع المدني في الشرق الأدنى، بشجاعة متزايدة، أن توضع نهاية لنظام الولاية ويكون هناك شراكة أكثر في الحكم، يتعامل فقهاء الأزهر مع ما يخص المجتمع المدني والسياسة بشكل متحفّظ وملفت للنظر. فهم يقولون نعم لنشاط مدني، ولكنهم يطالبون أن يكون هذا النشاط غير سياسي بقدر الإمكان.

تعميم وعبارات مبتذلة

يُعنى الفقهاء المسلمون المحافظون عن طيب خاطر بعبارات مبتذلة - منها على سبيل المثال: "كل الناس سواسية" و»النساء والرجال متساوون في الحقوق". ولكن تبقى أقوالهم في النهاية منطوية على معانٍ كثيرة.

والمثال الجيد على ذلك نجده لدى الفقيه الدكتور محمد عبد الغني شامة، الذي يقول إنه لا يوجد إكراه في الإسلام. فلو أراد الله أن يجعل كل الناس يؤمنون به، لكان ذلك على هذا النحو. لكن الله يريد التنوّع. لهذا يمكننا أن نفترض، أن الله عظيم، إذن لا بد له أن يكون أراد العالم هكذا، مثلما هو. وبكل ما في العالم من سيئات.

يشير زميل د. شامة في الأزهر، الباحث في الآداب عبد الله محمد عبد الشافي علي أبو حشة، إلى أن "الإسلام يحرّم اليأس". ويستطرد قائلاً فيما يخص عمل المواطنين الذي يفيد المصلحة العامة: "المجتمع الحسن يحارب الفقر".

ويضيف أن "الإسلام يسعى إلى العدل"! يكمن المجتمع المدني حسبما يعتقد قبل كل شيء في: "ما يسد حاجة المجتمع". فالمجتمعات المدنية هي أن تؤسس منظمات وتُبنى المستشفيات ودور رياض الأطفال والمدارس. أي "الناس العاملون من أجل المجتمع".

دعم خليجي

لكننا نود أن نسأل، ماذا يجب أن يُدرَّس في المدارس؟ ومن يحدد هناك الخطاب الاجتماعي؟ يرى أبو حشة في الجمعيات الدينية التي اكتسبت نفوذًا واسعًا في مصر بفضل عملها الخيري الاجتماعي، هذه الجمعيات القائمة على إدارة المدارس القرآنية وإطعام الفقراء، والتي تتلقى الدعم المالي جزئيًا من دول الخليج، "كارثة".

الحركات الاجتماعية آفة تضر بالمجتمع

تمامًا كمركز ابن خلدون الذي يشغل رئاسته الباحث الاجتماعي والمدافع عن حقوق المواطنين د. سعد الدين إبراهيم، أو كذلك حزب الغد بزعامة السياسي أيمن نور: "لم يفعلوا أي شيء للمجتمع، لقد أنتجوا آراءً فقط. هم تجار سياسة وكذّابون" على حد قول أبو حشة.

وهكذا ينكر شيوخ الأزهر على المدنيين العاديين إنتاج الآراء والمشاركة في تحديد خطاب اجتماعي. كما يصنّفون الحركات الاجتماعية التي تسعى للحكم ومن يقوم عليها على أنها خطرة. على سبيل المثال ناشطو حركة "كفاية" والإسلاميون. "يجب الكف عن جعل القرآن إيديولوجيا. فالإيديولوجيا تنكر الواقع".

منطق ساذج

أما السيد الشاهد، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة والعامل في أكاديمية التربية الإسلامية في فيينا، فقد صرّح بأنه لا يريد التطرق إلى السياسة عندما يتحدث عن المجتمع المدني:

"هذا يؤدي بنا إلى جدال حاد". ويستطرد قائلاً: "مكونات الإيمان هي الاعتناق والإجهار والعمل. وحصيلة هذا هي مفردة عمل-تحديد الهوية".

وبعبارة أخرى: الإسلام يدين المنافقين والكذّابين (ومن ذا الذي لا يفعل هذا؟). من يدعو إلى العمل الحسن، يجب أن يعمل بالحسنى أيضًا. "يأمر الإسلام بأن يسعى الكل طلبًا للعمل الحسن". لكن ما هو هذا العمل الحسن؟ من المعروف أن الآراء تتباين في هذا الصدد.

وعلى أية حال، إذا كان الأمر يتعلق بفكرة مجتمع مدني منفتح يشترك أفراده في حل قضاياه، فيجدر بنا أن لا نستشير شيوخ جامعة الأزهر.

بقلم لينَّرت ليمانّ
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©
ترجمة رائد الباش

قنطرة

"خصوصية" المجتمعات العربية ذريعة أعداء الإصلاح
تم أخيرا إعادة افتتاح مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة الذي يديره سعد الدين إبراهيم الناشط في مجال حقوق الإنسان وأستاذ علم الاجتماع بعد أن قضى أكثر من سنة في السجون المصرية. نيللي يوسف تحدثت معه عن الدمقرطة ودور أوربا في العالم العربي

خطابات حول المجتمع المدني في الشرق الأوسط

الإصلاح والمجتمع المدني في العالم العربي
استقطب المنتدى المدني الأول تحت عنوان "هل يسير العالم العربي في طريق الاصلاح الديمقراطي وتعزيز حقوق الانسان". في بيروت 50 منظمة أهلية عربية. وبهذه المناسبة كان هذا اللقاء مع بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لحقوق الانسان، الجهة المنظمة للمؤتمر.