عقوبات مخففة إلى حد طمس معالمها
ألغى وزراء خارجية الاتِّحاد الأوروبي في لوكسمبورغ القرار القاضي بمنع ثمانية أعضاء في الحكومة الأوزبكية من دخول دول الاتِّحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر. وبذلك يتم وللمرة الثالثة خلال عامين تخفيف العقوبات المفروضة على أوزبكستان الواقعة في وسط آسيا - إلى حد طمس معالمها.
الاتِّحاد الأوروبي كان قد فرض هذه العقوبات في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2005 على أوزبكستان، كردة فعل على قمع الاحتجاجات في مدينة أنديجان بعنف ودموية.
مجزرة أنديجان
في الثالث عشر من شهر أيار/مايو 2005 أطلقت قوات الأمن الأوزبكية النار من داخل العربات المصفحة على جموع من آلاف المتظاهرين. أسفرت هذه المذبحة بحسب التقارير عن مصرع أكثر من خمسمائة شخص من بينهم نساء وأطفال.
السلطات الأوزبكية كانت قد أنكرت هذه المجزرة وتحدّثت عن قمع محاولة انقلاب قام بها إرهابيون إسلامويون والولايات المتّحدة الأمريكية بالإضافة إلى صحفيين غربيين ومنظمات غير حكومية.
شنَّت السلطات الأوزبكية بعد مجزرة أنديجان حملة قمعية. إذ تم اعتقال مدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين أو إبعادهم خارج البلاد، بالإضافة إلى إبعاد بعض المنظمات غير الحكومية والصحفيين الأجانب. كما اعترف من خلال محاكمات صورية المعتقلون الذين كانت تظهر عليهم آثار التعذيب بالرواية الرسمية لأحداث أنديجان.
مصالح ألمانية
ارتبطت العقوبات التي تم إقرارها في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2005 بالدعوة إلى إجراء تحقيق دولي في أحداث أنديجان - هذه العقوبات التي نصّت على تعطيل اتفاقية الشراكة الأوروبية مع أوزبكستان وحظر تصدير السلاح إليها ومنع إثني عشر موظّفًا رفيع المستوى في الحكومة الأوزبكية من دخول الاتِّحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى ذلك كان من المفترض أن تعمل الحكومة الأوزبكية على تحسين أوضاع حقوق الإنسان، في الوقت الذي لم تقم طشقند حتى الآن بتحقيق أيٍّ من هذه المطالب.
الديبلوماسية الألمانية لها يد في ذلك. إذ أنَّ برلين كانت تخاف على القاعدة العسكرية الألمانية في مدينة ترمذ الأوزبكية، بالإضافة إلى أنَّ ألمانيا كانت تريد في ظل رئاسة الاتِّحاد الأوروبي في النصف الأول من العام إنجاح إستراتيجية آسيا الوسطى، التي تقرَّر فيها بوضوح أن تكون أوزبكستان شريكة للاتِّحاد الأوروبي.
راهنت السياسة الخارجية الألمانية على إستراتيجية مزدوجة. قام الطرف الألماني من ناحية بفعل كلِّ شيء من أجل جعل العقوبات محتملة بقدر الإمكان بالنسبة لأوزبكستان. حيث صرّح في نفس الوقت سياسيون ألمان بأنَّ عقوبات الاتِّحاد الأوروبي لم تؤدِّي إلى نجاح.
وهكذا تحققت المساعي. إذ أُعيد العمل باتفاقية الشراكة الأوروبية مع أوزبكستان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2006، وفي شهر أيار/مايو 2007 تم خفض عدد الأشخاص الإثني عشر الممنوعين من دخول الاتِّحاد الأوروبي إلى ثمانية أشخاص. يبقى فقط حظر تصدير السلاح إلى أوزبكستان ساري المفعول لمدة عام، مع العلم أنَّه لم يكن هناك قط تصدير أسلحة يستحق الذكر من الاتِّحاد الأوروبي إلى أوزبكستان.
"خطوات أولى"
بينيتا فيريرو فالدنر مفوَّضة العلاقات الخارجية وسياسة الجوار الأوروبية بررت تخفيف العقوبات من جديد بوجود "خطوات أولى" من قبل أوزبكستان، من بين هذه الخطوات إصلاح قوانين الجنايات وإلغاء عقوبة الإعدام والإفراج عن بعض المدافعين عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى إجراء ندوتين حول أنديجان والبدء بندوة حول حقوق الإنسان. صحيح أنَّ هذه خطوات، لكنّها لا تحرز تقدمًا.
تم الاتفاق على إجراء محادثات الخبراء بخصوص أندريجان بعدما قام وزير الخارجية الأوزبكي فلاديمير نوروف في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2006 بزيارة إلى بروكسل. ونتيجة لذلك سافرت مجموعة من خبراء الاتِّحاد الأوروبي مرتين إلى أوزبكستان، ليستمعوا فقط إلى دعاية أوزبكية، حيث قُدِّمت لهم أوراق التحقيقات التي أجرتها السلطات هناك وسُمح لهم الحديث مع بعض من المعتقلين، الذين أعادو في السجن سرد الرواية الرسمية.
يعتبر إلغاء عقوبة الإعدام مع بدء العام 2008 بمثابة النجاح الحقيقي الوحيد، غير أنَّ الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف وعد منذ سنين - وحتى قبل مجزرة أنديجان - بإلغاء عقوبة الإعدام وأجَّل القيام بذلك مرارًا وتكرارًا.
لا كشف عن ملابسات المجزرة
أما الإصلاحات الخاصة بقوانين الجنايات فلا يوجد لها عمليًا أيَّة آثار على الواقع الأوزبكي. لا يزال التعذيب موجودًا في السجون والمعتقلات الأوزبكية. فقد كان الصحفي أولوغبيك حيدروف، الذي أُفرج عنه بعد زيارة وزير الخارجية الألماني شتاينماير إلى أوزبكستان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2006، لا يكاد يستطيع المشي على ساقيه، بسبب تعرضه لضرب مبرح على قدميه.
يربط الاتِّحاد الأوروبي إلغاء منع مسؤولين أوزبكيين من دخول الاتِّحاد الأوروبي بالمطالبة بالسماح في الستة أشهر القادمة لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" والصليب الأحمر الدولي بالعمل في أوزبكستان والإفراج عن المعتقلين من المدافعين عن حقوق الإنسان. صرّح شخص ديبلوماسي في راديو أوروبا الحرة Radio Free Europa قائلاً: يجب وقوع مجزرة أخرى من أجل إعادة تشديد العقوبات.
كما لم يعد هناك ذكر للكشف عن ملابسات مجزرة أنديجان في قرار الاتِّحاد الأوروبي الجديد الخاص بأوزبكستان. فأوروبا دفنت قتلى مجزرة أنديجان سياسيًا وإلى الأبد أيضًا.
بقلم ماركوس بينسمان
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
استراتيجية أوروبية جديدة تجاه آسيا الوسطى
استأثرت آسيا الوسطى بعد انهيار الآتحاد السوفييتي باهتمام خاص من قبل الإتحاد الأوروبي بسبب احتياطيها الهائل من النفط في بحر قزوين. هذا هو ما دفع ألمانيا الى إطلاق مبادرة إستراتيجية لتقوية العلاقات مع دول المنطقة. بقلم ماركوس بينسمان.