النشاط الإسرائيلي في العراق تحت المجهر
ذكرت صحيفة هأرتز الإسرائيلية اليومية ان أجهزة الأمن الإسرائيلية تجري تحقيقا حول أنشطة بعض الشركات الإسرائيلية في العراق. وتركز أجهزة الأمن اهتماماتها بالدرجة الأولى على أنشطة "الشركات الأمنية الخاصة" التي تعمل بالذات في المناطق الكردية الواقعة شمال العراق.
ومع انه لم يصدر أي تصريح رسمي يؤكد أو ينفي هذه المعلومات، الا ان الشك يرقى إلى حد اليقين في صحة هذه القصة. فوفقا للمعلومات المتداولة يفترض ان "خبراء" إسرائيليون قاموا ببناء أنظمة الأمن الخاصة بمطار أربيل في كردستان العراق، وان أن شركات الالكترونيات الإسرائيلية، مثل شركة تيديران، شاركت في مشروعات أمنية في شمال العراق.
هذا وتنصب اهتمامات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالدرجة الأولى على أنشطة إحدى الشركات التي يديرها شخص يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية وكان ينتمي لسلاح المظلات سابقا. ويقترض أن هذا المظلي قام بتصدير "تكنولوجيا أمنية حساسة" إلى العراق.
يذكر هنا أن الأنباء عن الوجود الإسرائيلي المباشر في العراق ليست بالجديدة، لكن تل أبيب كانت تنفيها باستمرار. فقد ترددت مزاعم بأن المخابرات الإسرائيلية دعمت الجيش الأمريكي أثناء غزوه للعراق. وبعد انكشاف فضيحة تعذيب معتقلين في سجن أبي غريب، كشفت مسؤولة السجن التي أُطيح بها على خلفية هذه الفضيحة، الجنرال جانيت كاربينسكي، إنها أثناء التحقيقات مع السجناء تعرفت على شخص واحد على الأقل قدم نفسه على انه إسرائيلي.
الاهتمام الإسرائيلي بالعراق أثناء وعقب الحرب انصب بدرجة أساسية على البحث عن الخبراء المتخصصين بالشؤون الإسرائيلية الذين كانوا تابعين للمخابرات العراقية. لكن من غير الواضح ما إذا كان قد عثر على هؤلاء الأشخاص وماذا حدث لهم.
إسرائيل والأكراد: علاقة تعاون تاريخية
ليس مستغربا ان تركز إسرائيل اهتماماتها على أكراد العراق. فقد كان هناك علاقة تعاون تاريخية بين إسرائيل والأكراد. ويعود جذور هذا التعاون بين الجانبين إلى بداية عقد الستينات وذلك بسبب الظلم الواقع على هؤلاء الأكراد من قبل الحكومة العراقية في بغداد. وقد وجدوا ضالتهم في إسرائيل كحليف مثالي ضد نظام صدام حسين المعادي لإسرائيل.
وعلى هذه الأرضية كُثفت الاتصالات بين إسرائيل وأكراد العراق وبالذات مع الزعيم التاريخي الكردي مصطفى البرزاني الذي يُعتقد ان "ميليشيا البشمرجة" التابعة له وكذلك عناصر مخابراته تم تدريبها من قبل خبراء إسرائيليين وإيرانيين، وانه قام بعدة زيارات لإسرائيل. لكن عندما حصل التقاء مؤقت للمصالح بين كل من شاه ايران، الذي كان على كل حال حليف أساسي لإسرائيل، وبين بغداد فيما يتعلق بالمسألة الكردية، خفضت إسرائيل من أنشطتها في العراق.
استراتيجية "تطويق الأعداء بالأصدقاء"
الحرص الإسرائيلي على التواجد في كردستان ينطلق من إستراتيجية إسرائيلية قديمة وضعتها رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير. وتتمثل هذه الإستراتيجية في ضرورة "ضرب طوق من علاقات الصداقة مع الدول والمجموعات المحيطة مباشرة بالأعداء العرب". ولعل أفضل مثال على هذه الإستراتيجية الإسرائيلية علاقات تل أبيب الجيدة مع طهران أثناء حكم الشاه لإيران.
في هذا السياق يأتي ايضا النشاط الإسرائيلي المحموم ومحاولات التغلغل في القارة الأفريقية والذي كان من نتائجه أن استفادت تقريبا جميع دول وأنظمة القارة السوداء بشكل أو بأخر وعلى مدى سنوات من الدعم الإسرائيلي. ولعل أفضل مثال على ذلك الرئيس الأوغندي عيدي أمين الذي تلقي تعليمه العسكري في إسرائيل، فقد حصل أمين على دعم إسرائيل لتنفيذ انقلابه العسكري والوصول إلى السلطة، قبل ان ينقلب هذا الأخير على إسرائيل ليصبح فيما بعد عدوا شرسا لها.
دوافع المصلحة والربح
الدافع الأخر نفعي إلى حد كبير وهو ينطلق بالدرجة الأولى من خلال البحث عن الربح: فمن المعروف ان لجيش الإسرائيلي "ينتج" سنويا كفاءات عالية من الخبراء الذين يسعون بعد تركهم للخدمة في الجيش إلى الاستفادة من خبراتهم وتحقيق الربح. حيث يوجد تقريبا على مستوى العالم "خبراء" إسرائيليين يعملون في "شركات أمنية خاصة".
أضف إلى ذلك براعة التجار الإسرائيليين في مجال تجارة الأسلحة عموما وإقدامهم بجراءة على التعامل حتى مع ألد الأعداء. وخير مثل على ذلك ما عُرف "بفضيحة ايران جيت" في عقد الثمانينات من القرن الماضي، حيث شاركت الحكومة الإسرائيلية إلى جانب الحكومة الأمريكية، في تزويد الحكومة الإيرانية بالسلاح أثناء حربها مع العراق وذلك باستخدام وساطات خاصة.
كما أن "التجار الإسرائيليين" متواجدون في كل مكان: فهم مثلا ينشطون في جنوب السودان منذ سنوات ويستخدمون عمال شاحنات مسجلة في إسرائيل في مشاريع البحث عن الذهب هناك. كما أنهم متواجدون في منطقة الخليج العربي و في لبنان حيث وقع في قبضة حزب الله اللبناني فبل سنوات قليلة احد الإسرائيليين الذي حاول ان يسدد العجز في حسابه البنكي من خلال الإتجار بالسلاح.
ومع الأخذ في الإعتبار كل هذه الدوافع الأمنية والإقتصادية التي كانت ولازالت القوة المحركة للنشطات الإسرائيلية "خلف خطوط العدو"، وفي ظل تداخل وتشابك هذه المصالح والدوافع، يبقى من المشكوك فيه ان يسفر تحقيق الشرطة الإسرائيلية حول أنشطة شركات بلادها في العراق إلى نتيجة واضحة.
بيتر فليب/ إعداد: عبده جميل المخلافي
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2006