عودة المستعمر الأجنبي هو الحل!
عودة المستعمر الأجنبي هو الحل!
لاغوس بعدد سكانها الذي يُقدر بـ 15 مليون نسمة – لا يعرف أحد العدد بالضبط – هي الحاضرة الاقتصادية لنيجيريا، أكثر الدول الأفريقية سكاناً. وهي مدينة كبيرة تعمها الفوضى، وتعد اليوم أكبر المدن الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وسيزيد ازدحامها بالسكان عام 2015 إلى 25 مليون نسمة تبعاً لحسابات الأمم المتحدة، وسوف تصبح وقتها ثالث أكبر مدن العالم. ولا يشغل التساؤل الآن عن كيفية حكم هذه المدينة المهولة عندئذ أبناء لاغوس فقط. التضخم السكاني، البطالة المزمنة، انفجار قطاع العمل غير الرسمي، أزمة المساكن، انتشار أحياء الفقراء ... هي المشاكل التي ترزح لاغوس تحتها، وهي في نفس الوقت المشاكل التي تعاني منها المدن الأفريقية الكبرى. يود معهد غوته تقديم يد العون – إلا أن الإرادة السياسية على الجانب الآخر غير متوفرة. تقرير لودغر شادومسكي من الدويتشه فيلله.
على من يريد فهم لاغوس زيارة أوشودي Oshodi، أكبر الأسواق الأفريقية التي تقام في الهواء الطلق. فهنا يقابل المرء جزءا كبيراً من القبائل التي تعيش في نيجيريا، والبالغ عددها 200 قبيلة. تحظى لاغوس بقوة جذب أكثر من أية مدينة أخرى في غرب أفريقيا. في البداية قدمت قبيلة اليوروبا، ثم تلاها البرتغاليون وبعد ذلك البريطانيون. اكتظت المدينة بالعبيد المحررين وبالمهاجرين بحثاً عن العمل، وبالفارين من ويلات الحرب الأهلية. وأدى الازدهار الناجم عن النفط في السبعينات إلى التوسع السريع في تعمير المدينة. وساهمت دولارات النفط في تمويل مشاريع عملاقة للبنية التحتية.
بدأ التدهور والانحطاط يدب في أوصال المدينة مع مشروع التعديل الهيكلي (SAP) الذي فرضه الدائنون الغربيون. وأدت الخصخصة والإقالات الجماعية على نطاق واسع وتخفيض أعداد موظفي الدولة إلى مضاعفة عدد المواطنين الذين يعيشون تحت مستوى الفقر خلال سنوات قليلة. كذلك كان أثر إجراءات التقشف الشديدة على الحياة الفكرية فتاكاً. يتذكر جامان أنيكولابو Jaman Anikulapo، محرر الشئون الثقافية في صحيفة الغارديان وأكثر النقاد الفنيين نفوذاً في لاغوس، قائلاً: غادرت النخبة البلاد، أساتذة الجامعات، والأطباء، والممرضات، والفنانون. وفجأة أصبح النفوذ الآن لبسطاء القوم. وتدهورت المدارس، والفنون، والمسرح جميعها. ولم تتعافى لاغوس والبلد بأكملها من جراء هذا حتى اليوم."
في هذه الغضون تم اتخاذ قرار بتحويل مدينة ابوجا Abuja إلى عاصمة جديدة للبلاد، فهي مختلطة الأعراق وتمثل بالتالي المجموعات القبلية العديدة في نيجيريا. وهكذا ماتت لاغوس كعاصمة سياسية. صحيح أن لاغوس تنتج اليوم جزءاً كبيراً من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن ارتفاع التكاليف، والأضرار التي تصيب البيئة، والشوارع التالفة مازالت موجودة. ويرتزق نحو 80% من سكان لاغوس عن طريق القطاع غير الرسمي ويزداد عددهم باطراد.
أكبر كنيسة قي إفريقيا
من يمكنه توجيه اللوم لهؤلاء الناس بسبب اندفاعهم المتزايد بمئات الآلاف، وتحت وطأة هذه الظروف، إلى الكنائس العطرة، مكيفة الهواء، التي انتشرت في لاغوس وما حولها في السنوات المنصرمة وكأنها تنبت من الأرض؟ أصبحت تجارة الدين في نيجيريا بالفعل أكبر الصناعات النامية في البلاد. فعلى بعد ساعة بالسيارة من لاغوس توجد أكبر كنيسة في أفريقيا ويطلق عليها "كنيسة الفائزين" Winner's Chapel. هل هناك من لا يريد، في ظل أوضاع البلاد، أن يكون من الفائزين؟ وهكذا يتوجه نحو 50.000 شخص كل يوم أحد إلى كنيسة "الأسقف" ديفيد أويديبو، النجم اللامع بين من نصبوا أنفسهم خطباء للتبشير بالخلاص في لاغوس.
تستمر خطبة الأسقف قصير القامة ثلاث ساعات، ويتم عرض الحدث على شاشات كبيرة، وينقل عبر الإنترنت. أجمل التحيات من أمريكا. ويسمح الرجل، الذي يزعم قدرته على علاج الإيدز، بجمع التبرعات في سلال الغسيل.
مساعدة معهدغوته
وعلى بعد بضعة كيلومترات أخرى يقبع مخطط المدن كوكو كونو مع عامليه على مشكلة كيفية تعمير الأراضي البارة في لاغوس، ويساعدهم في ذلك معهد غوته الألماني الذي وجه الدعوة لأشهر المعماريين ومخططي المدن منذ وقت غير بعيد إلى لاغوس لتبادل الآراء. ويوضح مدير المعهد ميشائيل موللر-فرفاين الهدف من هذه المبادرة قائلاً: " لا يوجد منبر تطرح من خلاله الآراء والأفكار، وهذا من جهة أخرى ما نقوم به كمعهد غوته. لم نكن نقصد العمل على بلورة رأي موحد. اجتمع المعماريون ومنظرو المدن والفلاسفة سوياً من أجل النقاش المشترك، وكان الموضوع في الأصل هو أشكال الحياة المستقبلية في قارة هامة كأفريقيا."
غير أن اجتماع الخبراء لتبادل الأفكار لم يتجاوز عرض الوضع القائم، وغابت الأفكار المحددة حول إعادة تعمير المدينة.
ما هو الحل؟
وهكذا لا يعرف أحد على وجه اليقين ما يجب عمله بشأن لاغوس، المارد الذي يضم 15 مليون نسمة، والقطب المغناطيسي الذي يجذب كل شيء: الفقر، والفارين من ويلات الحرب الأهلية، والدجالين والنصابين. ويطالب البعض بمزيد من الكتل الخرسانية، وبناء طرق دائرية لتخفيف العبء عن الميناء مثلاً.
ويطالب آخرون بحلول أفريقية للمشاكل الأفريقية؛ وضرورة توفير عبّارات على البحيرة، وحافلات عامة بدلاً من الناقلات الخاصة التي يعلوها الصدأ وتنطلق في الشوارع كالصاروخ. وقبل كل شيء: العودة إلى تقاليد البناء المحلية، حيث لا تسمح حضارة اليوروبا مثلاً بالبناء فوق المسطحات العامة أبداً وطمس معالمها.
ولكن لا يتوفر المال اللازم للمشاريع الإبتكارية، ولا تتوفر أيضاً الإرادة السياسية، وبدل ذلك يحاول وزير التخطيط، تولا أنيماشون إظهار التفاؤل الذي لا عائد منه: "إنني متفائل بأن الأمور ستتحسن من الآن فصاعداً. إننا نعيش اليوم في ديمقراطية، وتوجد الآن قواعد يجب اتباعها، ونأمل جميعاً أن يصبح مظهر المدينة في عام 2015 مشابها لشتوتغارت أو برلين."
أما كلمات أحد كبار المديرين النجيريين فتثير الشك في تفاؤل الوزير، الذي يُذكر أنه قال منذ وقت غير بعيد، عندما وجه له سؤال حول حل للمشاكل العديدة التي تعاني منها لاغوس: "يجب أن يعود المستعمر الأجنبي إلينا". إن هذه على الأرجح هي أسوأ شهادة فقر يمكن أن تصدرها مدينة إفريقية كبيرة بعد 40 سنة من احتفالها بالاستقلال.
لودغر شادومسكي، دويتشه فيلله 2003
ترجمة: حسن الشريف