فيلم الشكوك والتساؤلات
غالباً ما تتجلى روح المعارضة الفرنسية في صالات السينما أيضاً، ولذلك يحدث ألاّ يحتل فيلم أمريكي قائمة الأفلام الأكثر رواجاً بالرغم من اكتساحه صالات السينما في كافة أنحاء العالم، لأن الفرنسيين يكونون مشغولين بفيلم يوافق بالأحرى ذوقهم. هذا ما حدث في عام 2008 عندما احتل الفيلم الفرنسي الكوميدي Bienvenue chez les Ch’tis (أو "مرحبا عند الشتي") صدارة اهتمام المشاهد الفرنسي طوال أسابيع.
كان ذلك أمراً غريباً، ولكنه لا يثير الدهشة مثلما هو الحال حالياً: في الثامن من سبتمبر (أيلول) بدأ عرض فيلم "من الناس والآلهة" في الصالات الفرنسية، وهو فيلم حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي الدولي هذا العام، ويدور حول مجموعة من الرهبان الفرنسيين كانوا يعيشون في الجزائر إلى أن لقوا حتفهم على يد الإرهابيين الإسلامويين في عام 1996. في أحد مشاهد الفيلم الرائعة يرى المتفرج الرهبان وهم يجلسون معاً يتناولون عشاءهم الأخير ويصغون إلى موسيقى "بحيرة البجع" ... مشهد لا يوحي على الإطلاق بفيلم "أكشن" مثير.
تصدر لائحة الأفلام
رغم ذلك أطاح "الناس والآلهة" بفيلم الإثارة Salt "ملح" بطولة أنجلينا جولي، وأزاحه من عرش الأفلام الأكثر رواجاً. وبذلك يحتل الفيلم المركز الأول في أسبوعه الثالث، ووصل عدد مشاهديه إلى 1,4 مليون مشاهد. ولنتذكر، على سبيل المقارنة فقط، أن الفيلم الأمريكي Inception لم يستطع أن يتربع على القمة مدة أطول من ذلك.
ويعود ذلك إلى موقف الفرنسيين من السينما والذي يختلف عن المشاهدين في بلاد أخرى: الفرنسي لا يشاهد الأفلام لمجرد تزجية وقت الفراغ أو لتشتيت الذهن، فالسينما تحتل لديه نفس مكانة المسرح. "الناس والآلهة"، هذا شيء مؤكد، سيكون هو الفيلم الذي سترشحه فرنسا لنيل جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، غير أن السؤال بالطبع هو: هل ستقدر الأكاديمية الأمريكية الجمال الهادئ في الفيلم الذي أخرجه كزافيه بوفوا؟
قصة المبشرين
إن قصة رهبان قرية تبحرين قصة حقيقية. في تلك القرية الجزائرية عاش الرهبان في انسجام ووئام مع سكان القرية المسلمين. لم يقم الرهبان بالتبشير، لكنهم كانوا يهتمون بأمر السكان من ذوي العقيدة المغايرة ويوزعون الملابس عليهم، كما كان أحدهم – ويمثل دوره الممثل ميشيل لونسدال – يقوم بمهمة طبيب القرية.
وفي الفيلم يأخذ المخرج المشاهد ليعايش، لفترة، حياة الرهبان المتواضعة، وببطء يصور الخطر الخارجي الذي يهدد هذا الوجود المثالي الفقير، إذ أن شوكة الإسلامويين في الجزائر تقوى، ويبدأون في بث الرعب في نفوس سكان القرية وفي نفوس الرهبان. يأبى الرهبان أن يعودوا إلى فرنسا، فيكون مصيرهم الاختطاف والقتل. حتى اليوم ما زالت الشائعات تقول بأن الحكومة الجزائرية متورطة في الحادث.
كيف يمكن لقصة كهذه أن تحقق نجاحاً مدوياً في شباك التذاكر؟ ليس المخرج كزافيه بوفوا شخصاً مثل تيلو زاراتسين، إن ما يهمه في فيلم "الناس والآلهة" هي القيم المسيحية الأصيلة، دون أي حقد أو كراهية.
سر النجاح
يتناول "الناس والآلهة" موضوعاً دينياً، غير أنه ليس فيلماً دينياً، ليس موعظة. بوفوا يواصل في هذا الفيلم مسيرة كارل تيودور درايفوس في فيلم "جان دارك". ولكن ذلك ليس بالتأكيد السبب الوحيد لنجاح الفيلم. إن سبب النجاح يرجع بالأحرى إلى أن الجمهور يجد نفسه في مواجهة مخاوف وهموم مختلفة أشد الاختلاف، إذ أن فيلم "الناس والآلهة" يضم مجموعة هائلة من الشكوك، سواء المتعلقة بمجتمع الاستهلاك أو بالتبشير أو بالإمبريالية أو الإسلاموية.
ويعد الفيلم لقاءً بين المسيحية والإسلام، غير أن الرهبان يسلكون سلوكاً مخالفاً للساسة. لا يقوم الرهبان بتصدير قيّمهم؛ إنهم يقدمونها فحسب، ويقاومون الإسلامويين والجيش الجزائري، ويبقون على صلابتهم، ولا يرضخون. إنهم يشعرون بأن الدير هو وطنهم، وأن الاعتناء بشؤون أهل القرية هو معنى وجودهم. في الحقيقة فإن هؤلاء الرهبان هم الأبطال الكلاسيكيون للسينما، أبطال لا يذعنون لقوانين الواقع حتى لو دفعوا ثمن ذلك بحياتهم. هذه بالطبع وصفة ناجحة للذين يريدون أن يذرفوا الدموع في صالات السينما حزناً على وضع العالم.
سوزان فاهابزاده
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
صحيفة فرانكفورتر ألغماينه/ قنطرة 2010
قنطرة
أفلام حول الجزائر في مهرجان كان السينمائي:
أفلام مثيرة للجدل والخلافات
أثار عرض بعض الأفلام حول الجزائر والتاريخ الاستعماري الفرنسي للجزائر جدلا في مهرجان كان السينمائي في دورته الثالثة والستين. حميد سكيف يستعرض الأفلام التي أشعلت بعض الخلافات السياسية بين فرنسا والجزائر وانعكاساتها على العلاقات بين البلدين.
العلاقات الفرنسية الجزائرية:
ظلال إرث الاستعمار لا تزال حاضرة
أدَّى مؤخرًا طرح مشروع قانون جزائي في البرلمان الجزائري، من المفترض من خلاله ملاحقة جرائم الحرب التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في السابق ومعاقبة مرتكبيها، إلى إثارة توتّرات جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية التي تعتبر على كلِّ حال متوتِّر. برنهارد شميد يستعرض تطوّر العلاقات بين البلدين في ظل تاريخ مُثقل بالتوترات.
حوار مع الروائي الجزائري ياسمينة خضرا:
"أكتب بالفرنسية ولكن برؤيتي الجزائرية"
ياسمينة خضرا هو الاسم المستعار للأديب الجزائري محمد مولسهول الذي عمل سابقا ضابطاً في الجيش الجزائري، حيث تشكل رواياته قراءات في الحالة العربية والإنسانية. في هذا الحوار الذي أجراه معه ريتشارد ماركوس يتحدث الكاتب الذي يعيش في المنفى الفرنسي عن عمله وعن الفوارق بين الثقافة العربية والغربية.