هل الإسلام السياسي معادٍ للدستور الألماني؟
الكتاب الصادر عن دار نشر "هيردر" الألمانية، والذي يحمل عنوان "الإسلام السياسي لا ينتمي إلى ألمانيا"، هو في الحقيقة أشبه بعلبة فارغة خالية من المضمون. فمصطلح "الإسلام السياسي" -الذي زُجّ به زجًّا في عنوان الكتاب ومقدمّته- ليس بالموضوع الرئيس لمجموعة المقالات التي يضمّها هذا المجلّد.
وبالمقابل يحشد الناشران والسياسيّان عن الحزب المسيحيّ الديمقراطي وشقيقه البافاري المسيحي الاجتماعي، كارستن لينمان وفينفريد باوسباك، السيناريوهاتٍ المرعبة المعروفة عن أسلمة ألمانيا: "زيجاتٌ قسريّة وزواج أطفال وفرضٌ صارمٌ لارتداء الحجاب"، وهي أشياء عاديّة بالنسبة "لكلّ من سبق وأن عاش في إحدى البلاد الإسلاميّة "، بحسب كلام الناشرين.
فلا يوجد أثرٌ لتعريفٍ رصينٍ لمصطلح "الإسلام السياسي"، بل كلّ ما يستطيع القارئ رصده هو ما يلي: "لقد أطلقنا مسمّى الإسلام السياسيّ على كل التيّارات المتطّرفة التي تستهدف نمط الحياة الغربيّة أو تلك التي تسعى لاختراق نظامنا القانونيّ الديمقراطيّ الحر". وباستثناء فصلَين من تأليف بسّام طيبي ومروان أبو طعام يتناولان تاريخ مفهوم الإسلام السياسي، يجمع المجلّد بين دفّتيه مقالاتٍ عديدةً تتناول تلك السياقات المعروفة سلفًا.
أحكام تعميميّة عن العالم الإسلامي
يُقَدَّم فحوى جلّ المقالات بأن: معضلة الإسلام السياسي في ألمانيا لا تُؤخذ على محمل الجدّ، ومردّ ذلك بحسب الكتّاب تفشّي فهمٍ مغلوطٍ للتسامح داخل الأوساط السياسيّة والإعلاميّة الألمانيّة.لكن هذا لا ينطبق على غالبيّة المؤلّفين المشاركين في هذا المجلّد: إذ يطلق رود كوبمانس أحكامه التعميميّة على سبيل المثال على "الواقع المؤلم للعالم الإسلامي" محاولًا الاستعانة باستطلاع رأيٍ أُجري سنة 2016 كي يوثّق "البون الشاسع بين منظومتي الفكر اللتين يعيش فيهما كلّ من المسلمين وغير المسلمين".
وتصف الكاتبة نجلاء كيليك الحجاب بأنّه "راية الإسلام السياسي"، وتضيف أنّ المسلمات يرتدينه حصرًا "بدافع الخوف والاحترام وكذا الإجلال للرجال". وفي حين يخبرنا بوريس بالمر، رئيس بلديّة مدينة توبينغن والمعروف بخطابه الفجّ وهو من حزب الخضر، عن واقع الاندماج في مدينته، ولكن دون أن يسهم بأيّ إضافةٍ معرفيّةٍ عن الإسلام السياسي
"الإسلام - عدو أم صديق؟" كتاب ألماني يفند هستيريا عداء الإسلام في الغرب بقوة الحجة والبرهان
هذا في حين أن مشاركة ماركوس كيربر هي مشاركة ثرية بالمعلومات، وهو "الأب الروحيّ" لمؤتمر الإسلام الألماني الأوّل [مؤتمرٌ سنويٌّ ينظّمه وزير الداخليّة الألمانيّ لنقاش مستقبل الإسلام في ألمانيا وعلاقته بالدولة بحضور ضيوف مؤثّرين يمثّلون مختلف فئات المجتمع المسلم]، والذي جرى تكليفه بهذا الملف مجدّدًا كوكيلٍ لوزارة الداخليّة الفيدراليّة. ومن سخرية الأقدار أنّ كيربر نفسه هو من عليه أن يوضّح هنا بأنّ الإسلام السياسيّ بحد ذاته ليس معاديًا للدستور الألماني، بل إنّ الأمر يتعلّق بالأشخاص الفاعلين وبما يتبنّاه هؤلئك من مواقف.
وفي الختام يكتب أحد الناشرَين، السيّد لينمان، في مقالته "أجندةٌ مضادّةٌ للإسلام السياسي" مندّدًا بما يسمّيه "الإعفاء الثقافي" [مصطلح يشير للاستثناءات القانونيّة مثل تخفيض العقوبات للمتهمين بسبب خلفيّتهم الثقافيّة أو الدينيّة]، وهو بحسب الكاتب ما يتمتّع به الدين الإسلامي أمام المحاكم الألمانيّة على سبيل المثال. كما أنه يرى أيضًا في منع النقاب على الطريقة الدنماركيّة وفي قانون الإسلام النمساوي نماذجَ يُقتدى بها في مجال الحراك السياسي وإيصال الرسالة الصحيحة. وفي المحصّلة فإنّ القارئ لم يعد يفاجَأ في هذا النطاق بمثل تلك الأفكار المقتبسة عن حكوماتٍ ذات نزعاتٍ يمينيّةٍ شعبويّةٍ متطرّفة.
لا أحد ينفي حقيقة المخاطر المحتملة
وهناك كتابٌ آخرٌ عن الموضوع بعنوان "في سبيل الله: كيف يغيّر الإسلام السياسيّ من مجتمعنا" للكاتبين هايكو هاينيش ونينا شولتز والصادر عن دار نشر مولدن النمساوية. إذ ينجح الكتاب على الأقل من ناحية المضمون في الإيفاء بوعده. فيتناول الكاتبان الإسلامَ السياسيّ بالبحث ويضعان تصنيفًا تاريخيًّا له وكذلك تعريفًا به.
يقدّم الكتاب لمحةً عامّةً موفّقةً لحدٍّ كبيرٍ عن منظّمات الإسلام السياسيّ في كلٍّ من ألمانيا والنمسا، ولكن الأطروحات التي تتناول مواضيع خارج هذا النطاق مشابهةً لنظيراتها الألمانيّة إلى حد كبير، فنقرأ عن مزاعم حول التهاون في تقدير أخطار الإسلامويّة، وعن توجيه مصطلح الإسلاموفوبيا باستهداف من قِبَل الإسلاميين، وعن النظام الأساسيّ الحرّ للدولة الذي لا يحظى بتحصينٍ كافٍ في وجه أصوليّة إسلاميّة متنامية.
إن الإصرار على المزاعم القائلة بالتساهل مع خطر الإسلاميّين الراديكاليّين لهو أمرٌ مثيرٌ للاستغراب، وذلك بالنظر للنقاش العامّ الدائر في كلٍّ من ألمانيا والنمسا، فعلى أرض الواقع لا أحد ينفي حقيقة تلك المخاطر علانيّةً.
ولكن وفي المقابل فإنّ وصف الإسلاموفوبيا باستمرارٍ على أنّها خطابٌ مدروسٌ تبثّه جمعيّاتٌ إسلاميّةٌ محافظةٌ ترغب بتقمّص دور الضحيّة، كما يتكرّر في الكتابَين المذكورَين، لهو أمرٌ ينمّ عن بلادة الحس، ولا سيّما في ظلّ خطاب الكراهية الصادر عن اليمين الشعبويّ، وبالخصوص مع التصاعد الملموس للاعتداءات الجسديّة والمعنويّة الموجهّة ضدّ المسلمين في ألمانيا وبقيّة دول العالم، وصولًا للمذبحة المؤلمة التي وقعت في نيوزلندا.
رينيه فيلدأنغيل
ترجمة: صهيب زما
لحقوق النشر: موقع قنطرة 2020
رينيه فيلدأنغيل مؤرّخٌ يركّز في كتاباته التي تشمل مواضيع عدّة على شؤون الشرق الأدنى والشرق الأوسط.
كتاب نشره كارستن لينيمان وَ فينفريد باوسباك: "الإسلام السياسي لا ينتمي إلى ألمانيا. كيف علينا أن ندافع عن مجتمعنا الحر". دار نشر هيردر، فرايبورغ 2019. 288 صفحة.
كتاب نينا شولتز وَ هايكو هاينيش: "في سبيل الله. كيف يغيّر الإسلام السياسيّ من مجتمعنا". دار نشر مولدن، فيينا 2019. 176 صفحة.