طائر التم ورياحُ الطفولة: عن السيرة الذاتية للأكاديمي فهمي جدعان
في سيرته الذاتية «طائر التم.. حكايات جنى الخطى والأيام»، التي ستصدر قريبا عن دار الأهلية، يعترف طالب السوربون والأستاذ لاحقاً في الفلسفتين الإسلامية واليونانية، فهمي جدعان، أن السنوات قد أثبتت له أن الخطاب أو السرد الحكائي، أبلغ من الخطاب الفلسفي الذي ألف مفرداته وأبطاله طوال عقود، فالسرد غدا برأيه أكثر قدرة على الكشف عن «الكينونة الإنسانية وعن أغوار الوجود وحيله وتشخصاته في الحياة الفردية والجمعية»، كما أن سردية العقل الذي يتسلح به الفلاسفة لم يعد قادرا على الولوج لعالم الوجد الإنساني العميق، الحي، المتوتر، الشاخص في أحوال وفي مقامات، بينما الأدب، يبقى قريبا من عالم الوجدان، فهو ليس دفعا للملالة كما يرى البعض، بل هو قادر على إنشاء دورة جديدة من الحياة وفسحة الأمل.
لذلك لن نعثر في نص جدعان الحكائي على نكهة رسائل خريف العمر، بل هو نص يعيد من خلاله المؤلف خلق أفكاره، فالذاكرة أحيانا كما تذهب لذلك سيمون دو بوفوار في أحد نصوصها، ليس الهدف منها رواية ما جرى فحسب، بل إعادة خلق أنفسنا، وهذا ما سنراه عندما يعرج جدعان على سيرة مؤلفاته (المحنة، أسس التقدم)، إذ سيعترف أن قراءة التراث والجدال حوله، لم تعد من أولوياته البحثية، وأن الواقع وحساسياته، وتقلباته وقضايانا اليومية قد غدت شغله الشاغل.