الحجاب يواكب الموضة

المسلمات دخلن الى عالم الجمال والموضة، والعباءة الاسلامية باتت قادرة على مواكبة الموضة، غربية كانت ام شرقية، حتى انها فقدت من صرامتها ما يكفي لجعلها عباءة "cool" مقال فراس زبيب من بيروت.

​​المرأة المحجبة، التي دخلت الى محل الحلويات برفقة صديقة لها مكشوفة الرأس، بدت كأنها تظهر من جمالها اكثر بكثير مما تستر. كانت جميلة، وكانت تعرف انها جميلة. الحجاب الذي غطّى شعرها لم يغط جمال وجهها ذي البشرة البيضاء والعينين السوداوين. حتى ان حجابها بدا كأنه يضيف الى جمالها شيئا، او كانه يظهره اكثر.

المرأة المحجبة لم تخبئ شيئا تحت حجابها. ونظراتنا اليها، نحن الموجودين في المحل، لم تزعجها. فهي بدت، ليس فقط معتادة على ان ينظر اليها الناس، بل ايضا، بدت مرتاحة لنظراتنا المعجبة، مستدعية اياها.

لم يعد الحجاب الاسلامي عند بعض الفتيات والنساء مرادفا للحشمة، ولا شيء غيرها. هناك في بيروت، في ايامنا هذه، فتيات محجبات يكدن لا يختلفن عن الفتيات الاخريات، الميساوات والمتأثرات بعالم الوضة، بشيء. لم يعد الحجاب يجبر من تضعه على ان تكرس له نفسها بالكامل، وعلى ان تكون مجرد امرأة محجبة، كأن لا شيء فيها الا ما تستره.

بعض المحجبات بتن لا يختلفن عن الفتيات غير المحجبات بلبسهن، وتصرفاتهن. بتن يلبسن ثيابا عصرية، ضيقة، تكاد احيانا تظهر مفاتن اجسامهن. بتن يلبسن الجينز، ويجعلن حجابهن يتناسب، بلونه، مع ثيابهن، كانه هو ايضا جزء من الموضة.

لم تعد المحجبة خارج عالم الموضة. لم تعد تخبئ نفسها تحت حجابها، وتلبس ما يناسب الحجاب من ثياب محتشمة، لتغطي كل اطراف جسدها، ومفاتنه.

كأن الجمال لم يعد محرّما على المحجبات، ولم يعد متناقضا مع ارتدائهن للحجاب الاسلامي. المرأة المحجبة التي دخلت الى محل الحلويات وهي تظهر من جمالها اكثر مما تستر بحجابها، وزعت على الموظفات في المحل بطاقة اعلانية لمحلها الذي افتتحته مؤخرا في شارع مار الياس.

لم توزع البطاقات الا للفتيات الموجودات هناك، لان محلها ليس الا للنساء. محل مخصص لهن، لجمالهن، واجسادهن. امرأة محجبة افتتحت صالونا للتجميل والماكياج. بدى الامر لي غريبا، جديدا، جميلا. فالنساء المحجبات لطالما كن ناكرات لمفاتن الجسد والجمال.

ابتداع طرق جديدة

فتيات يغيرن معنى الحجاب الاسلامي. نراهن على الطرقات، وعلى كورنيش الروشة، وفي محلات الثياب، وفي الجامعات. لم تعد الفتاة المحجبة تبقى مع غيرها من الفتيات المحجبات مثلها، ولا تكلم غيرهن. في الجامعة الاميركية في بيروت، تبدو بعض المحجبات اكثر انفتاحا، وحرية، ومرحا، من بعض الفتيات غير المحجبات. يبدو الحجاب عند هؤلاء، كانه مجرد تفصيل شكلي، لا تأثير فعليا له على حياتهن.

سلوى، الفتاة الاردنية التي تدرس في الجامعة الاميركية، تلبس ثيابا لا تشبه حجابها. او انها لا تشبه الثياب التي اعتدنا رؤيتها على المحجبات. حتى انها ابتدعت طريقة جديدة لوضع الحجاب على رأسها وربطه. تلف به شعرها الطويل (الذي نعرف انه طويل دون ان نراه)، وتربطه من الخلف، تاركة عنقها ظاهرا، ووجهها مكشوفا.

سلوى تلعب مع صديقاتها واصدقائها في حرم الجامعة العابا جسدية، مما لا نعهده بين المحجبات كما نعرفهن. فهي تترك صديقها يحملها على ظهره، ويركض بها حتى يقعان معا على الارض. وهي تضحك بأسنانها كلها، كانها، غير لون شعرها، لا تخفي من جسمها، ولا من شخصها، شيئا.

سلوى، الفتاة الاردنية، تتحدث مع اصدقائها اللغة الانكليزية. تتكلم بلكنة اميركية كالكثير من طلاب جامعتها، وهي تكاد تعيش على نمط حياة الغرب. ثيابها العصرية والضيقة تاتي من موضة الغرب، ومن محلات الثياب التي بنيت على شكل بلاد الغرب، ومن المجلات التي نرى فيها فتيات غربيات يظهرن في اوضاع مثيرة للكاميرات.

بعض تلميذات الجامعة الاميركية، عندهن صديق. يمشيان معه في حرم الجامعة، ماسكين يده، دون تحفظ. حتى ان بعض الفتيات المحجبات يعرفن "ملعب الحب"، كما يسميه الطلاب هناك، وهو مكان يقصده العشاق منهم، ليجلسوا فيه حيث لا تصل اليهم الأنظار، وحيث يستطيعون تبادل الاحاديث الغرامية، والقبل.

لماذا الحجاب؟

فتيات الجامعة المحجبات، لا يعشن لحجابهن. يبدو الحجاب عليهن كانه تفصيل شكلي، لا يكرسن له باقي جسدهن، ولا حياتهن. بعض الطالبات المحجبات هؤلاء، اللواتي يضعن حلقا على انفهن احيانا، او على شفافهن، يجعلنني اتساءل عن معنى الحجاب الاسلامي، وعن سبب ارتدائهن اياه.
هل هن فتيات عاديات، يفضلن الثياب العادية، الضيقة، على الحجاب واللباس الشرعي الاسلامي؟ هل هن محجبات لانهن مجبرات على ذلك، يجبرهن اهلهن، او مجتمعهن؟ ام انهن مؤمنات بحجابهن، ولكن مؤمنات بجمالهن ايضا؟.

في حين يصعب ايجاد جواب واحد على الاسئلة هذه، ما يسهل قوله هو ان طالبات الجامعة المحجبات يشعرن في حرم جامعتهن بحرية لا يشعرن بها خارجه. وهن ان تحررن من لباس الحشمة، وابقين الحجاب، فلانهن مؤمنات بالحجاب وبجمالهن الذي لا يردن اخفاءه.

في احد البرامج التي تبثها احدى القنوات الفضائية نقلا عن محطة اميركية، وهو برنامج عن الجمال وعمليات التجميل، تربح المتسابقات عباءة "cool" من صنع مصمّم ازياء، وذلك بعد الاتصال بالبرنامج.

عباءة من توقيع احد المصممين المختصين بالازياء الاسلامية، والذين يحاولون ملاءمة اللباس الاسلامي مع الموضة. مهنة جديدة لم يكن لها وجود منذ بضعة سنوات، حين كان اللباس الشرعي زيا واحدا لا يتغير. اليوم، بات هناك ازياء اسلامية، تخضع للتنويع والتغيير والالوان، ومصممون لكل واحد منهم موضته، وذوقه.

لم يعد الجمال مفارقا للحجاب، ولا المرح مضادا مع التدين. بتنا نرى، كل يوم، في الشوارع والاماكن العامة، محجبات يجعلن الحجاب يبدو اقل تزمتا مما كان سابقا، واكثر عصرية، وحرية.

نشهد، في ايامنا هذه، تراخي للالتزام الديني الاسلامي، وليونة المعتقدات التي جعلت المرأة تخبئ نفسها وجمالها، لسنوات طويلة.

الحجاب يظهر الجمال

لم تعد المراة المجبة تمتنع عن ابراز جمالها، وعن عرضه. لم تعد تحتفظ به لنفسها فقط، ولزوجها. باتت تتركه يظهر، من حيث كان خبيئا. الفتيات اللواتي نراهن على اليافطات وعلى شاشات التلفزيون، في اعلانات لثياب وازياء اسلامية، هن الفتيات نفسهن، اللواتي نراهن في اعلانات مساحيق التجميل، او الجينز، او القهوة، او الشوكولا. فتيات زرق العيون غالبا، شقراوات، ونحيلات، ومبتسمات نفس الابتسامة، كانهن يتمتعن باللباس الشرعي تمتعهن بطعم الشوكولا.

والمحلات التي تصنع الثياب الاسلامية، وتبيعها للفتيات المسلمات، باتت تغير شكل الحجاب، وطريقة وضعه على الراس. باتت تواكب الموضة، قدر المستطاع، كأن الحجاب لم يعد يرمز الى اخفاء الجمال فقط، او الى غيابه، بل بات يحاول ايضا اظهاره، وصنعه.

تحررت المرأة المحجبة من صرامة معتقداتها الدينية، ونكرانها لجمالها، وذلك دون ان تتخلى عن دينها. تظهر مفاتنها، ولا تنزع حجابها عن راسها. المسلمات دخلن الى عالم الجمال والموضة، والعباءة الاسلامية باتت قادرة على مواكبة الموضة، غربية كانت ام شرقية، حتى انها فقدت من صرامتها ما يكفي لجعلها عباءة "cool".

فراس زبيب
حقوق الطبع بابل ميد نت 2006

قنطرة

ملف: الجدل حول الحجاب
مناقشات حامية تدور حول اللباس الإسلامي للمرأة، ليس في المانيا فقط بل في أوربا والعالم الإسلامي أيضا. نقدم في الملف التالي خلفيات ومواقف مختلفة وأمثلة من دول شتى

www

  • Babelmed