نقد الاسلام ونظرة المسلمين

يرى الكاتب ابن الوراق ان النقد الموجه للاسلام يشكل خطرا على موجهيه بسبب عدم وجود التسامح الكافي لدى المسلمين وعدم وجود الحماية اللازمة من قبل الغرب لهؤلاء بسبب تقاطع المصالح الاقتصادية.

لماذا تنشر مؤلفاتك يا سيد ابن وراق تحت اسم مستعار؟

ابن ورّاق: يتحتم علي أن التزم الحذر حيث أن اسمي موضوع في عدة قوائم لأشخاص تقررت تصفيتهم جسديا. كما أنني لا أود إثارة الغضب في نفوس أفراد من عائلتي ينتمون للدين الإسلامي. فهم لا يعرفون بأنني ذلك المؤلف الذي سبق له أن كتب هذا العدد الكبير من الكتب. لكنه سوف يكشف النقاب بطبيعة الحال في يوم من الأيام عن هويتي نظرا لأنني بدأت أظهر مؤخرا على نحو متزايد في
انشطة علنية.

ما أسباب وضعك في قوائم التصفية الجسدية؟

ابن ورّاق: بسبب توجيهي النقد للقرآن ولكوني انتقد الإسلام وطريقة التفسير الحرفي للقرآن. من الأسباب الأخرى لذلك أنني لم أعد اعتنق الدين الإسلامي بل أصبحت ملحدا. المعروف أن عقوبة القتل يمكن فرضها في هذه الحالة على المرتدين عن الإسلام. وقد طبقت هذه العقوبة في السنوات الماضية في كل من السودان وإيران.

لقد أصبحت إذن عرضة للتهديد لهذه الأسباب. هل يعني ذلك بأن هناك عددا كبيرا من المسلمين يفتقدون لروح التسامح؟

ابن ورّاق: هناك أيضا بطبيعة الحال مسلمون معتدلون ويتحلون بروح التسامح. أكثر هؤلاء الناس تسامحا أشخاص لم يحصلوا إلا على قدر ضئيل من التعليم ولا يدركون محتوى القرآن على نحو دقيق جيد وذلك لأنهم لا يفهمون النصوص القرآنية الصعبة الصادرة باللغة العربية. الأشخاص الأقل تسامحا يتمتعون بدرجة أعلى من التعليم أو أنهم على الأقل يملكون المقدرة على قراءة القرآن. لكنهم كثيرا ما عمدوا إلى تفسير النصوص القرآنية على نحو حرفي.

ما الذي تقصده بعبارة "مفهوم حرفي"؟

ابن ورّاق: فيما يتعلق بالتفرقة في معاملة المرأة قياسا بالرجل أو باضطهاد غير المسلمين أو الخلط بين أمور الدين والدولة أو فيما يختص بالتقليل من أهمية حرية التعبير عن الرأي. ففي سياق كافة هذه الأمور يلجأ البعض منهم إلى الاستناد على المصدرين الرئيسيين للإسلام أي القرآن والسنة.

كنت قد التحقت في الماضي بمدارس تلقين القرآن. أليس كذلك؟

ابن ورّاق: لقد حفظت القرآن غيبا في باكستان. لكنني لم أفهمه. بعد ذلك درست علوم الإسلام في إنكلترا، وكان أحد أساتذتي رجلا مسيحيا يتعاطف مع الإسلام على نحو كبير. فقد كان لديه تفهم كبير حتى للتيارات المتشددة داخل الإسلام. هنا بدأت أمعن التفكير في هذا الشأن. وجاء عام 1989 ليصبح نقطة انعطاف نهائية بالنسبة لي. في العام المذكور صدرت الفتوى المعروفة بحق سلمان رشدي بسبب كتابه المسمى "الآيات الشيطانية".

ما الذي تقصده بعبارة "نقطة انعطاف"؟

ابن ورّاق: سلمان رشدي كتب كتابه المذكور بروح الثقة حيال احترام حرية الرأي. وسواء أعجب المرء بهذا الكتاب أم لا فإن لهذا الكاتب الحق في التعبير عن رأيه كتابة. يقول سلمان رشدي "حرية التعبير عن الرأي تعني أيضا الحرية في إثارة الغضب لدى بعض الناس"، وإلا فقدت هذه الحرية مدلولها الحقيقي. إنني أرى بأن حرية التعبير عن الرأي من القيم التي يتعين علينا الدفاع عنها، من القيم التي يتحتم علينا في الغرب الدفاع عنها كالحال بالنسبة لحرية الخطاب وحرية الضمير والتعددية الحقيقية والنظام القانوني السائد في الغرب.

هل اتسم موقف الغرب في ذلك الحين بتسامح يغلب عليه طابع المغالاة؟

ابن ورّاق: نعم تماما. فلو وقف الغرب بجانب سلمان رشدي بدلا من تقديم التنازلات بدافع الذعر الشديد وحرصا منه على مصالحه السياسية والاقتصادية لما تعرضنا لذلك العدد الكبير من المشاكل الراهنة. فالمشاكل تزداد بدلا من أن تنقص كلما لجأنا إلى أسلوب التنازل. لنأخذ رسوم الكاريكاتور مثالا على ذلك أو إيران كمثال آخر. إن إيران تضمر مشاعر الاحتقار تجاه الغرب. وكلما عمد الغرب إلى تكريس حل من حلول الوسط مع إيران فإن هذه الدولة لا تعمد إلى تقديم أية كلمة شكر له بل يزداد لديها الإحساس باحتقاره نظرا لأنها تعتبر تنازل الغرب تجاهها بمثابة نصر للإسلام.

أين ينبغي في نظرك أن يضع الغرب حدا لتسامحه؟

ابن ورّاق: ينبغي على الغرب أن يتمسك بضرورة الفصل التام بين الدين والدولة وبتكريس المساواة في حقوق جميع الناس أمام النظام القانوني. كما يتعين على المسلمين أن يتقبلوا كون الدين يندرج في إطار الأمور الشخصية الخاصة وأن يتخلوا عن الرغبة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. فعندما يتم فصل الدين عن قطاع الدولة يصبح بالإمكان الوصول إلى حلول الوسط. فالسياسة في حد ذاتها تتألف من حلول الوسط أما الدين فهو يطرح مطالب مطلقة في أحكامها وغير قابلة للتفاوض.

يرى الكثيرون من المسلمين بأن ديانتهم الإسلامية ليست محض دين بالمفهوم الضيق بل تتضمن قواعد لكافة مجالات الحياة. فهل يتطلب الأمر هنا إحداث تعديل بالإسلام نفسه؟

ابن ورّاق: نعم وبصورة مطلقة. لكن هذا التحول لا يتحقق طالما أنكر المرء، كالحال لدى العديد من المثقفين الغربيين، وجود إشكالية في هذا السياق. لقد ضجرت في حقيقة الأمر كثيرا حيال ما تنقله أجهزة الإعلام من مشاعر الأسى حول عدم تحقيق الإصلاح داخل الإسلام حتى الآن. علما بأن هذه الأجهزة لا تبخل في نفس الوقت عليّ وعلى ايان هيرزي بالنقد بسبب نقدنا للإسلام. لكنه ليس بالإمكان نشر أفكار التنوير في العالم الإسلامي دون وجود أفراد يمارسون النقد.

لقد تحققت العلمنة في أوروبا بفضل ظهور مجموعة من التيارات التاريخية المختلفة كان أحدها نقد الإنجيل. وقد لعب مفكرون ألمان على نحو خاص دورا بارزا في هذا الصدد. فقد اعتبر ألبيرت شفايتسار على سبيل المثال العهدين القديم والجديد بأنهما نبعا من فكر الإنسان نفسه مما يتطلب تحليلهما على أسس البحث العلمي. أما في حالة الإسلام فإن الكثيرين من المسلمين يتعاملون بروح الهستيرية حيال ما يجري اليوم من دراسات نقدية للقرآن وذلك لكونهم يرفضون تقبل أي نقد يوجه لدينهم. لكن المسألة تتطلب منا على عكس ذلك تشجيع مثل هذه الأبحاث النقدية حول القرآن وتقديم الحماية والدعم للعلماء الذين يبحثون في شؤون القرآن بناء على قواعد علمية. هذا هو الطريق الوحيد نحو النهوض بإصلاح الإسلام وزرع بذور الفكر العلماني في عقول المسلمين.

لما لا يتم طرح هذه المسائل على النحو المذكور؟

ابن ورّاق: بكل بساطة لا يريد الناس أن يزدادوا معرفة بهذا الشأن. كما أن الخوف يحدوهم بأن ذلك قد يثير مشاعر الغضب في نفوس المسلمين. يقولون أيضا بأنهم لا يريد إشاعة تيار العنصرية، هذا مع العلم بأن الإسلام دين لا انتماء عرقي. فالإسلام عقيدة تتنافس مع غيرها من العقائد وترغب في الهيمنة على كل أنحاء العالم. فالإسلام إذن بمثابة أيديولوجية توتاليتارية.

ما هي مصادر ثقافة الإنكار؟

ابن ورّاق: لهذه الثقافة أسباب متعددة. المؤلف بات يئور يرسم معالم أحد هذه الأسباب في كتابه "يورابيا" .فهو يذكر في كتابه بأن الأوروبيين ،وفي المقام الأول فرنسا، أسسوا بعد الحرب العالمية الثانية بفترة ضئيلة محورا أوروبيا عربيا بهدف احتواء نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية. انبثق عن ذلك المحور إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية بين الجانبين. بعد ذلك أنشأ الاتحاد الأوروبي برامج تبادل مع العالم العربي وموّل منظمات عربية غير حكومية أي أنه أوجد شبكات اتصالات قوية بين أوروبا والعالم العربي. بناء على رؤية الاتحاد من شأن توجيه نقد ما للإسلام أن يثير حنق حلفائه العرب ضمن ذلك المحور. من الأسباب الأخرى لذلك التعددية الثقافية.

لماذا؟

ابن ورّاق: كنت أعمل في غضون سبعينيات القرن الماضي مدرسا ابتدائيا في لندن وكنت يومها واقعا بقدر كبير تحت تأثير تلك التعددية الثقافية. طلب منا في ذلك الحين مطلب تقبلته على نحو مطلق دون إدراك الانعكاسات الناجمة عنه، وهو وجوب احترام ثقافات آباء تلاميذنا. نجم عن ذلك على أرض الواقع أننا أصبحنا نقلل من تدريس الثقافة الأوروبية نفسها ونعمل على تهميش دور هذه الثقافة في إطار ثقافات الآباء. كان مسعانا الحيلولة تماما دون إثارة الشعور لدى التلاميذ باحتمال كون أوروبا أو الغرب أكثر تفوقا من ثقافات آبائهم. لكن ما هي النتيجة التي انبثقت عن ذلك بعد كل هذه السنوات؟ لقد بدءوا يتهمون الغرب باستئصال حضاراتهم الأصلية.

ما هي الأسباب التي أدت إلى إخفاق خطاب التعددية الثقافية؟

ابن ورّاق: نظرا لأنه لا يتم شرح العوامل الكفيلة بجعل الغرب منبعا ثقافيا جذابا لهم. كان من الأصح أن يقال لهؤلاء التلاميذ المندرجين في إطار التعددية الثقافية بأن وراء الاستقرار الذي تحقق ووراء التجربة الاقتصادية الناجحة للغرب في غضون السنوات الخمسين الماضية أمران اثنان هما النظام التعليمي والمنهج العلمي السائد في الغرب حيال معالجة المشاكل القائمة. كان علينا أن نقول لهم أيضا إن إصرارهم على تطبيق قوانين معينة خاصة بهم كفيل تماما بتدمير مقاييس ومعطيات جعلتهم يتحسسون في السابق الجاذبية المنبثقة عن الغرب.

لماذا لا يصر الغرب نفسه على تطبيق هذا النمط من التربية والتعليم؟

ابن ورّاق: أود أن ألاحظ وجود نوع من السذاجة في التعامل مع الثقافات الأخرى. أو دعني أسمي ذلك نهج التهدئة والاسترضاء. سبق أن قال تشيرتشيل "يطعم شخص ما تمساحا على أمل أن يكون آخر من يعمد التمساح إلى افتراسه". هذا النوع من التسامح لا محل له. هذا ولا يود المعنيون بالأمر أن يتحملوا الأعباء الناجمة عن الدفاع عن القيم التي يؤمنون بها. إن الغرب منهمك بدلا من ذلك أكثر بكثير في إبرام المعاهدات التجارية والعناية بالعلاقات الاقتصادية وبتأمين الحصول على النفط من الدول المنتجة له. من خلال تبنينا لمثل هذا الموقف نقوم بتقويض أعمدة القيم التي ندين بها. وبوسعنا حتى أن نقول إن مبدأ التنازل بات من القيم الجديدة التي نؤمن بها.

يدور النقاش في الغرب عما إذا كنا نتعامل مع الإسلام بقدر كاف من روح التسامح أم لا. هل يدور بالمثل نقاش داخل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة حول مدى تعاملها بتسامح مع الأديان الأخرى؟

لا على الإطلاق. فسواء في السعودية أو سوريا أو مصر ما زال ينظر إلى الإسلام على أنه أفضل الأديان.

هل يدور هناك جدل حول مسألة التسامح حيال الأقليات غير الإسلامية؟

ابن ورّاق: هناك حالات فردية يتسم أصحابها بالشجاعة من خلال كفاحهم من أجل حقوق الإنسان. يهدف هؤلاء الأشخاص مثلا إلى تكريس المساواة في معاملة غير المسلمين أمام القانون. ينبغي علينا أن ندرك في هذا السياق بأن عدد أفراد الجاليات المسيحية انخفض في منطقة الشرق الأوسط في غضون السنوات الثلاثين الماضية إلى حد كبير. أسباب ذلك تعرضهم للاضطهاد والتمييز في المعاملة. كما أنهم يتعرضون أثناء أعياد الفصح والميلاد لسوء المعاملة بل وللاعتداءات. في مصر على سبيل المثال يتعرض في كل عام بعض المسيحيين الأقباط للقتل. لماذا لا ندافع أيضا عن حقوق المسيحيين في مصر؟

هل يجري النقاش في البلدان الإسلامية حول دور الإسلام في الحياة اليومية ومدى وجود حدود لتأثيره عليها؟

ابن ورّاق: تتسم النساء الباكستانيات بشجاعة فائقة في هذا المضمار. فعندا أدخل الرئيس السابق ضياء الحق أحكام الشريعة في الدستور كانت النساء أكثر المتضررين من ذلك. لهذا فقد تظاهرتن في الشوارع دون أن يحملن سلاحا. وقد تعرضن لهجوم من قبل قوات الشرطة كما تعين عليهن المثول أمام القضاء. لكنهن دافعن عن أنفسهن وما زلن حتى هذا اليوم يدافعن عن حقوقهن. بطبيعة الحال فقد قمن بذلك دون أن يتهجمن على الإسلام.

إذ يتعين عليهن التزام الحذر الشديد حيال كل ما يصدر عنهن من أقوال. من رواد تلك الحركة المحامية عزمة جاهنغير الناشطة في مجال حقوق الإنسان والمدافعة عن حقوق المرأة. كذلك فقد تظاهر في باكستان قبل فترة وجيزة مسلمون يتسمون بنزعة علمانية. كثيرا ما تلقى مكتبي في الولايات المتحدة رسائل إليكترونية يطلب فيها منا تقديم المساعدة في إطار إنشاء منظمات علمانية وإنسانية. هذا يدل على وجود منطلقات جيدة في هذا السياق يتوجب علينا تشجيعها.

أجرى الحوار ديرك شونليبيه
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع مجلة التبادل الثقافي/قنطرة 2007

ولد ابن ورق في الهند عام 1946 والتحق هناك بإحدى مدارس تعليم القرآن. درس بعد ذلك في جامعة ادينبرا وتخلى عن اعتناق الاسلام. وهو يعيش اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يعمل في معهد علمنة المجتمع الإسلامي. وقد نشرت له عدة مؤلفات تحت اسمه المستعار ابن ورّاق:" مثل كتابه الرائج جدا الصادر عام 1994 بعنوان "لماذا لم أعد مسلما. كتاب ابن ورّاق الجديد "الدفاع عن الغرب – نقد كتاب ادوارد سعيد حول الاستشراق" صدر في نيويورك في شهر أغسطس /(آب) 2007.