حصيلة ستة أشهر

وعدت برلين بعمل الكثير في الشرق الأوسط حين استلمت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني 2007. فهل حققت الحكومة الألمانية ما وعدت به؟ هذا ما يجيب عنه شتيفان بوخن وهديل قزاز ورودولف القارح.

​​وعدت برلين بعمل الكثير في الشرق الأوسط حين استلمت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني 2007. فهل حققت الحكومة الألمانية ما وعدت به؟ هذا ما يجيب عنه شتيفان بوخن، الصحافي في القناة الأولى في التلفزيون الألماني وهديل قزاز مديرة البرامج في مؤسسة هانريش بول برام الله ورودولف القارح المتخصص في العلاقات الأوروبية العربية.

أستاذ بوخن، ألمانيا وعدت، قبل ترؤسها للاتحاد الأوروبي، بعمل الكثير في ملف السلام المجمد في الشرق الأوسط. وها قد مضت الأشهر الستة واستلمت البرتغال الرئاسة الدورية للاتحاد، فهل حققت الحكومة الألمانية ما وعدت به؟

شتيفان بوخن: ممنوع أن نوهم أنفسنا؛ فالشرق الأوسط لا يحتل هذه المنزلة المهمة في السياسة الخارجية الألمانية وهذا الأمر يسري أيضا على الفترة التي ترأست فيها ألمانيا الاتحاد الاوربي. فبالرغم من الزيارات المتعددة لوزير الخارجية والمستشارة الألمانية لمنطقة الشرق الاوسط وبعض الدول العربية، فإن منطقة الشرق الأوسط والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي لا يحتلان أولوية في السياسة الخارجية الألمانية. والملفات التي شغلت الرئاسة الألمانية الدورية للاتحاد كانت، في الحقيقة، التغييرات المناخية والمعاهدة البديلة للدستور والعلاقات مع الولايات المتحدة.

لكن الحكومة الألمانية، وعلى لسان المستشارة ووزير خارجيتها، وعدت بإنعاش عملية السلام في الشرق الأوسط في فترة توليها رئاسة الاتحاد؟

بوخن: نعم، الحكومة وعدت لكنها لم تف بوعودها. أعرف أن المستشارة أنجيلا ميركل صرحت في بداية الرئاسة الألمانية للاتحاد بأن هناك إمكانية للسير قدما في عملية السلام في الشرق الأوسط، ولكن فيما بعد انتبهت السيدة ميركل إلى أن ذلك التصريح كان ساذجا وبأن هذه الإمكانية غير موجودة. لذلك لاحظنا أن ميركل ووزير خارجيتها شتاينماير ركزا على مواضيع أخرى.

إذا سألتك عن أهم إنجاز لألمانيا في الأشهر الستة الماضية في الشرق الأوسط، ماذا تقول؟

بوخن: أنا لا أرى أي إنجاز في ألماني في هذا الملف. ورأينا كيف أن قمة شرم الشيخ الأخيرة لم تنجح في إخفاء فشل السياسة الأوروبية في محاولة إنعاش عملية السلام في الشرق الاوسط. ما أريد قوله هو أن ألمانيا، ومعها أوروبا، لم تعد عنصرا فعالا في هذا الموضوع.

فدور الاتحاد الأوروبي يقتصر على رد الفعل على ما يحدث في الشرق الأوسط وليس الفعل. فحين سيطرت حماس على قطاع غزة كان هناك رد فعل من الاتحاد الأوروبي وعندما تنفذ عملية ارهابية في جنوب لبنان نسمع ردا أوروبيا. خلاصة القول لم تكن ألمانيا وأوروبا أصحاب مبادرة في هذه المنطقة.

دكتورة هديل قزاز أنت في رام الله، في قلب النزاع، وسمعت الأستاذ بوخن يقول ليست هناك إنجازات وأوروبا لا تسطيع أن تفعل شيئا. كيف تنظرين أنت الى هذا الأمر على ضوء وعود الحكومة الألمانية؟

قزاز: أنا اتفق مع السيد بوخن على أنه لا توجد إنجازات و ليس هناك أثر ملموس لرئاسة ألمانيا للاتحاد الاوربي في المنطقة لسببين رئيسين: أحدهما عدم وجود خبرة كافية لدى الحكومة الألمانية الحالية بملف النزاع العربي الإسرائيلي، وهنا أؤكد على الفارق الكبير بين موقف هذه الحكومة والحكومة السابقة ووزير خارجيتها يوشكا فيشر الذي انخرط بشكل جدي وفعلي في النزاع.

والسبب الآخر موضوعي له علاقة بما يحدث على الأرض ولا يترك مجالا للتدخل. فالواقع السياسي في المنطقة واقع مشلول كما أن فوز حزب راديكالي إسلامي في الانتخابات ترفض ألمانيا وغيرها من الحكومات الأوروبية التعامل معه عقد الوضع أكثر وحدّ من القيام بدور فعال.

تقصدين حماس بالطبع؟

قزاز: نعم. فبرأيهم ليس هناك شريك في الجانب الفلسطيني يمكن التحاور معه. هذا التبرير تم استخدامه لعدم القيام بعمل شيء جدي. لكن أنت سألت هل هناك أي تغيير؟ نعم هناك تغيير بسيط لكنه جدي وملموس وقد تجلى في كثرة الزيارات وهي في حد ذاتها عملية تعلم حقيقية لواقع النزاع في المنطقة ومعرفة واقع الأطراف المختلفة.

دكتور رودولف القارح أنت باحث وجامعي عربي متابع جيد للعلاقات الأوروبية العربية. كيف تقّوم أنت الاشهر الست للرئاسة الألمانية للاتحاد الاوربي؟

رودولف القارح: لنكن صرحين، فقد تم تحميل الرئاسة الألمانية أكثر بكثير مما قد تحتمله في مجال السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما أن هناك أجندات مختلفة في المنطقة وخصوصا الأجندة الأمريكية التي تحدد، بوضعها الهجومي في المنطقة، وخصوصا في العراق، أدوار اللاعبين الآخرين. أنا لا أجاري السيد بوخن فيما قاله لأن تحميل الرئاسة الألمانية أكثر من طاقتها أمر لا يجوز.

أعتقد أن السياسة الاوربية تتراوح حاليا بين الكسل السياسي وانعدام في الرؤية تجاه هذه المنطقة .كانت الرئاسة الألمانية منهمكة في الشؤون الدستورية الاوربية أساسا وكان هدفها إعادة إطلاق عجلة المؤسسات الأوروبية وتباين المصالح والأهداف أضعف السياسة الخارجية الأوروبية. صحيح أن الوزير شتاينماير قال مرارا أمام البرلمان الأوروبي بأنه كان يود أن تطرح أوروبا تصورا مستقلا نسبيا للوضع في الشرق الأوسط لكن التباينات داخل الأسرة الأوروبية لم تسمح بذلك.

العالم العربي يراهن على دور أوروبي مستقل عن الاستراتيجية الأمريكية، لكن هناك انقسام في الاتحاد حول هذا الموضوع، إذ تصر أطراف أوروبية فاعلة على ضرورة التنسيق مع واشنطن، هل لعب هذا دورا في أن تكون حصيلة الرئاسة الألمانية لأوروبا أقل من المتوقع؟

القارح: المشكلة أن العرب أيضا منقسمون على أنفسهم في هذا الملف ولا توجد سياسة عربية موحدة حول الأزمة في الشرق الأوسط وحول المطلوب من أوروبا. أما فيما يخص الاتحاد فإن الوضع السياسي داخله لا يسمح لأوروبا بانتهاج سياسة خارجية متماسكة ومستقلة نسبيا عن السياسة الأطلسية.

أستاذ بوخن هل ضعف دور الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط يعود لاعتماده على الاستراتيجية الأمريكية أم أنه ضعف بنيوي خاص بتركيبة الاتحاد؟

بوخن: لا أظن أن أوروبا تحب أن تعتمد على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط؛ ورأينا ذلك عام ألفين وثلاثة عندما عارضت الحكومتان الألمانية والفرنسية الحرب على العراق. ومن المعروف أنه توجد انتقادات عديدة في أوروبا لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط ونظرتها للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

ولكن أوروبا نفسها تشعر بالضعف لذلك تحاول أن تضع أولوياتها السياسية في مواضيع أخرى. وقد رأينا كيف أن المستشارة قضت وقتا أطول في دول الخليج أثناء زياراتها للمنطقة. فألمانيا بشكل خاص، وأوروبا عموما، تريد أن تشغل نفسها بالمواضيع الاقتصادية وعقد اتفاقات تجارية مع دول المنطقة. أعتقد أن أوروبا اقتنعت بأن إيجاد حل نهائي لمشكلة الشرق الأوسط بات أمرا شبه مستحيل لذلك نراها تكتفي بتطويق المشكلة وليس البحث عن حلول جذرية لها.

شبه مستحيل أم أنه بيد واشنطن لأن أوروبا لا تستطيع أن تمارس ضغوطا على الأطراف، وخصوصا إسرائيل؟

بوخن: لا يهم. أعطيك مثالا؛ فحين حاولت أوروبا أن تتدخل ووضعت حرسا للحدود بين قطاع غزة ومصر لمنع تهريب الأسلحة ماذا حدث؟ استمر تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة. إذن ما الفائدة؟ المثال الثاني هو انتشار البحرية الألمانية أمام الساحل اللبناني الذي لم يقدم شيئا حتى الآن، إذ لم نسمع بأنها (البحرية الألمانية) منعت أية محاولة لتهريب الأسلحة إلى لبنان.

ربما لا يوجد تهريب أسلحة إلى لبنان عبر البحر؟

بوخن: ممكن. لكن ما أريد قوله هو أن كل هذه الإجراءات رمزية حتى الآن ولا توجد لها نتيجة. أوروبا تبحث عن مصالحها الاقتصادية قبل كل شيء وهذا يخص العالم العربي أيضا. هي تجنبت الانخراط في العراق، خصوصا فرنسا وألمانيا، وهي تتجنب أيضا الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، هي تركز أولوياتها على مواضيع أخرى.

دكتورة قزاز هل المطلوب من الاتحاد الأوروبي انتهاج سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة أم أنها عاجزة وعليها بالتالي الاعتماد على واشنطن لأها الحليف الأساسي لاسرائيل؟

قزاز: أعتقد أن المطلوب من أوروبا انتهاج دور مستقل، ولكن للاسف حتى الآن لا يوجد مثل هذا الدور المستقل. العكس تماما هو السائد. فقد اقترب الاتحاد الاوربي، برئاسة ألمانيا، أكثر فأكثر من السياسة الامريكية في كثير من القضايا.

وفيما يتعلق بالملف الفلسطي فقد تماهى الاتحاد الاوربي تماما مع الشروط التي فرضتها واشنطن على الجانب الفلسطيني وخصوصا فيما يتعلق بنتائج الانتخابات التشريعية ما جعل الوضع كارثيا. في الوقت نفسه تسارع ألمانيا إلى دعم طرف فلسطيني على حساب طرف آخر، وهذا لا يعني أني أشجع ما حصل في غزة، لكني أعتقد أن تدخلا أوروبيا أكثر جدية سيخفف الحصار المفروض على الفلسطينيين.

دكتور القارح هل اختيار السيد طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، ممثلا للجنة الرباعية في الشرق الاوسط، يخدم الاستراتجية الأمريكية أم أنه يقوي الدور الأوروبي في هذه المنطقة الحساسة؟

القارح: كيف تريد أن يقوي دور الاتحاد الأوروبي عندما تعرف أن بلير هو بالفعل الطرف الأوروبي الذي أمن التغطية لغزو العراق والانحراف الامريكي في الشرق الاوسط والذي ندفع ثمنه وتدفع أوروبا أيضا ثمنه حاليا.

ثم كيف يلعب من يمكن أن نطلق عليه "بمضرم النار" دور الإطفائي؟

القارح: تعيين طوني بلير لم يكن رغبة أوروبية بل تم بتوصية من الرئيس الامريكي جورج بوش وقوبل بامتعاض من خافيير سولانا وغوردن براون. وهو تم عندما قامت بولونيا بعمل خبيث جدا لإضعاف القدرة الاوربية على بلورة سياسة خارجية. لا أعتقد أن تسمية طوني بلير أمر جيد للشرق الأوسط أو لانتهاج سياسة أوروبية مستقلة نوعا عن واشنطن. هذا لا يعني أن المطلوب من أوروبا مواجهة واشنطن، لا أبدا، عليها فقط أن تتميز عنها وتعيين بلير لا يخدم هذا الاتجاه إطلاقا.

أستاذ بوخن ما رأيك أنت في اختيار السيد طوني بلير ممثلا للجنة الرباعية في الشرق الأوسط؟

بوخن: هذا التعيين يضعف الرباعية والاتحاد الاوربي على السواء، لأنه تم دون معرفة الدول الكبرى في أوروبا كألمانيا وفرنسا. وهو تم بتواطئ بين الولايات المتحدة وروسيا وإنكلترا.

دكتورة قزاز تباين موقف الجانب الفلسطيني من اختيار بلير ممثلا للجنة الرباعية؛ فالرئيس محمود عباس رحب بتعيين بلير بينما رفضت حركة حماس هذا الأمر، كيف تنظرين أنت إلى هذه القضية؟

قزاز: أعتقد أن من رحب بتعيينه لم يكن يملك خيارا آخر. فإذا كانت بعض الدول الأوروبية الفاعلة لم تكن على علم بذلك فما بالك بالطرف الفلسطيني، الطرف الاضعف في كل المعادلة السياسية. تعيين شخص بهذا القرب من سياسة بوش والمحافظين الجدد في الادارة الامريكية لن يكون إلا لصالح القوة المهيمنة على اللجنة الرباعية ولن يؤدي بالتاكيد إلى عمل جدي على مسار السلام.

وحين استلمت ألمانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي كان الحديث يجري عن خطة خارطة الطريق الآن يعترف الجميع بأن الخارطة انتهت وأن ما يحدث هو أخطر من كل ما سبق. وبالتالي لا يشكل تعيين بلير سوى إضافة جديدة سيئة للمعادلة التي هي أصلا لا تتحرك.

أدار الحوار أحمد حسو
حقوق الطبع دويتشه فيله 2007