كنوز فنية في صناديق

في متحف-أفغانستان في سويسرا حُفظت أثناء الحرب الأهلية الأفغانية تحف وكنوز فنية تعود أصولها لمناطق أفغانية مختلفة. يُعاد الآن وضع هذه التحف في صناديق لنقلها قريبا إلى وطنها الأصلي. تقرير من أصلان غسّان

​​بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الحرب في أفغانستان لم يقف الدمار الكلي والضياع فقط عند حدِّ الموروثات الثقافية المادية من مواقع وتحف أثرية، بل أُصيبت كذلك الحياة الثقافية المعتادة والتقاليد بأضرار كبيرة.

لهذا السبب تعتبر عملية الإنقاذ التي قام بها باول بوشرر في عام 2000 في بلدة بوبندورف الواقعة في مقاطعة بازل-لاند السويسرية واحدةً من أكبر عمليَّات إنقاذ التحف الأثرية. لقد سعي مدير متحف-أفغانستان في المنفى إلى حماية وحفظ هذه القطع الأثرية الثقافية من السلب والنهب ومن الدمار الذي كان يمكن أن يلحق بها من خلال الحرب الأهلية.

تكوَّنت فكرة إنشاء متحف-أفغانستان في المنفى في عام 1988. إذ توجَّه حينها المشاركون في الحرب بالحديث إلى باول بوشرر مدير متحف-أفغانستان في بلدة بوبندورف السويسرية:

"كان هناك أشخاص أفغان من الطالبان وكذلك من تحالف الشمال" حسب قول باول بوشرر: "كانت توجد من بين جماعة الطالبان مجموعات كثيرة ذات دوافع مختلفة، من بينها مجموعة كانت تنتهج نهجًا قومويًا. كما أنَّ هؤلاء الأشخاص كانوا على وعي من أنَّ ثقافتهم الخاصة مهدَّدة وقد كانوا يريدون إنقاذها".

تحف فنية من العصور القديمة وحتَّى العصر الحديث

آوى متحف-أفغانستان الذي افتُتح في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر عام 2000 في بلدة بوبندورف الكثير من المكتشفات الأثرية. عُرض في المتحف من بين هذه القطع الأثرية تمثال برونزي لقضيب ذكري يفترض أنَّ الإسكندر الكبير كان قد وضعه مع حجر الأساس عند بناء مدينة آي خانوم الأفغانية.

فضلاً عن ذلك هناك رأس مزراب لصرف الماء على شكل رأس كلب يعتقد أنَّه يمثِّل رأس بيريتا الكلب الوفي الخاص بالإسكندر. عُرضت في المتحف إلى جانب المصنوعات اليدوية التقليدية والقطع التاريخية الكثير من الأدوات التي تستخدم في الحياة اليومية: ملابس تقليدية ونراجيل وأثاث وسجّادة فيها رسم لطائرة عمودية من فترة الاحتلال السوفييتي.

يقول بوشرر إنَّ المتحف كان يجمع عن قصد مثل هذه الأدوات العادية، حتَّى تتمكَّن الأجيال الأفغانية القادمة من الاطِّلاع على تاريخ وطنها. كذلك كان الهدف من وجود هذا المتحف في سويسرا الواقعة في قلب أوروبا أن يكون نافذةً تطل على أفغانستان.

حفظ القطع الأثرية بأيد أمينة

يتحدَّث بوشرر عن آلاف الزوَّار الذين زاروا المتحف وحصلوا من خلال زيارتهم على صورة عن أفغانستان مختلفة اختلافًا تامَّا - صورة عن بلد متحضِّر ومزدهر ثقافيًا، دائمًا ما يرتبط ذكره في الصحافة بالحرب وعدم الاستقرار.

لم يكن يسمح لهذا المتحف شراء قطع أثرية نظرًا للاتفاقيَّات الدولية المبرمة مع اليونسكو فيما يخص القطع والتحف الأثرية. حيث كانت المعروضات التي عرضت في المتحف مجرَّد هبات سُلِّمت للمتحف لكي يتمّ حفظها بأيد أمينة.

من بين المتبرِّعين بهذه التحف كان هناك سيَّاح زاروا فيما مضى أفغانستان؛ بالإضافة إلى علماء وأشخاص كانوا يعملون هناك في مجال المساعدات التنموية وقد حصلوا على التحف إمَّا كهدايا أو قاموا بشرائها في الأسواق.

إعادة التحف إلى المتحف الوطني الأفغاني

​​يعتبر متحف-أفغانستان في المنفى متحفًا خاصًا. لقد عُرض التحف وتمّ جردها في قائمة. أُغلقت أبواب هذا المتحف السويسري منذ شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2006. من المنتظر بعد فترة قريبة حضور وفد من أفغانستان، سيقوم بالتحقّق مما تحتويه القائمة التي جردت فيها التحف. وبعد ذلك ينبغي تسليم هذه المعروضات التي يبلغ عددها حوالي 1300 تحفة وقطعة أثرية إلى المتحف الوطني الأفغاني.

وبذلك سوف تحقِّق المؤسَّسة المسؤولة عن هذا المتحف رغبة الحكومة الأفغانية في كابول. بيد أنَّ باول بوشرر الخبير بالشؤون الأفغانية الذي لم يحسب حسابًا لإعادة التحف بهذه السرعة يترقَّب هذه العملية بمشاعر يشوبها الخوف:

"أنا متأكِّد تمامًا من أنَّ كلَّ العاملين في المتحف الوطني الأفغاني سوف يبذلون قصارى جهدهم من أجل حماية التحف"، حسب تعبير بوشرر: "بيد أنَّ أفغانستان لا تزال تعيش مثل ذي قبل في حالة حرب ولا يستبعد عدم التمكّن من حماية هذه التحف والكنوز في ظلِّ الأوضاع الراهنة".

لكن من ناحية أخرى يقرُّ بوشرر بأنَّ إعادة هذه التحف والكنوز تمثِّل أيضًا وبطبيعة الحال خطوة سياسيةً هامةً، تُظهر أنَّنا واثقين من مستقبل أفغانستان ومن إعادة إعمار هذا البلد. وعلى أيَّة حال سوف يظلّ موجودًا في بلدة بوبندورف أرشيف لأفغانستان مع مصادر ووثائق مصوَّرة وكذلك مكتبة متخصِّصة شاملة.

بقلم أصلان غسّان
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007