قناة لنقل الثقافة المشرقية
يمكن للصعوبات التي يلاقيها نشر الأدب العربي في البلدان الناطقة باللغة الألمانية أن تكوّن بكائية يشترك فيها الكثير من الناشرين والكتاب والمترجمين العرب. ولم يأت معرض فرنكفورت في شهر أكتوبر 2004 الذي كان محوره الرئيسي "العالم العربي" بتغيير يذكر في هذا المجال. الآثار الإيجابية للأنشطة المتنوعة للمعرض والتظاهرات الثقافية وحصص النقاشات التي دارت هناك سرعان ما خبت جذوتها مباشرة بعد ذلك الحدث.
وفي شهر أكتوبر الماضي كانت هناك مسحة من الفتور والقنوط تسود المعاينات التقييمية في حلقات النقاش بمعرض فرنكفورت بخصوص حظوظ رواج الأدب العربي في ألمانيا. في مثل هذه الظروف تغدو شجاعة والتزام ناشر صغير من بازل جديرة حقا بالتنويه. فبتأسيسه لمجلة للأدب العربي المعاصر قد أصبحت هناك الآن أرضية للدفع قدما بعملية التعريف بالأدب العربي وتوسيع مجال شعبيته داخل البلدان الناطقة بالألمانية.
"لسان" المجلة الأدبية الجديدة التي تصدر نصف سنوية ابتداء من الآن، والتي تحمل اسم دار النشر التي يشرف عليها حسن حمد، ستنضاف إلى صف العدد المتنامي للمؤسسات والمبادرات التي تسعى إلى ترويج الأدب والثقافة العربيين في المحيط الألماني.
فرصة للكتّاب والمترجمين الشبان
غير أن حسن حمد ورفقاءه يطمحون إلى تحقيق إنجازات أكبر. فالعدد الأول من مجلة "لسان" لا يقف عند حدود تقديم نظرة مفيدة على أعمال كتاب وشعراء عرب معروفين من أمثال جمال الغيطاني وإبراهيم أصلان(مصر) أو أمجد ناصر (الأردن). بل هي تبرز في هيأة أنطولوجيا متعددة الألوان لأعمال كتاب معاصرين من الشباب تستهويهم مغامرة التجريب:
يمكن أن نذكر من بينهم نبيلة الزبير من اليمن وسوزان عليوان من لبنان أو مصطفى زكري من مصر، "وأمثالهم كثيرون في كافة أنحاء العالم العربي الفسيح" كما يعلن عن ذلك حسن حمد بحماس في افتتاحية المجلة.
وفي المجمل كان هناك 21 من الكاتبات والكتاب ممن احتوى هذا العدد على مقتطعات نموذجية من أعمالهم وبيوغرافيات موجزة وجرد لمجمل الأعمال الأدبية بالنسبة للبعض منهم، وكل هذا بإخراج بسيط لكنه لطيف ومحبب.
الجدير بالتنوية أيضا هي هذه المحاولة لإعطاء فرصة لترجمة أعمال كتّاب من الشباب بأقلام مترجمين شبان أيضا أكثر من نصفهم من الذين تكوّن اللغة العربية لغتهم الأم إلى جانب دراستهم اللغة والآداب الألمانية، وهو ما يمثل ظاهرة جديدة إيجابية في الأوساط الأدبية العربية داخل البلدان الناطقة باللغة الألمانية.
ومن هذا المنظور تعتبر "لسان" نفسها "ورشة للترجمة الأدبية غايتها تمكين عدد من المترجمين الشبان الذين لم يجدوا منبرا حتى الآن من فرصة للمساهمة بتجاربهم الأولية في هذا المجال." ومما يجدر بالتنويه أيضا هو هذا الاعتبار الذي يمنح للمترجمين عن طريق لقطات بيوغرافية موجزة مخصصة لهم في ملحق المجلة، هم الذين غالبا ما يرون جهودهم لا تحظى بأي ذكر.
تنوع، لكن مع شيء من طغيان الجانب المصري
إلى جانب نصوص الترجمات ونبذات السيرة الذاتية التي تعرّف بالكتّاب والمترجمين قد ازداد العدد ثراء بنص المقاربة التي قدمتها الباحثة المصرية في اللغة والأدب الألماني حول صورة الأنوثة لدى كريستا فولف ورضوى عاشور وكذلك بالقراءة النقدية التي يقدمها منتصر القفاش عن رواية "فاجعة بلا انتظارات" للكاتب الألماني بيتر هندكه. و من كان معنيا بالكيفية التي يتم بها تقبل الأدب الألماني والحكم عليه من الجانب العربي فإنه سيجد ضالته في هذا النص.
أما في ما يتعلق بالطموح المعبر عنه في السعي إلى تقديم نظرة شاملة عن مستجدات وتطورات الساحة الأدبية العربية عن طريق "مقالات موجزة من الصحف ووسائل الإعلام" فلا يبدو أن العدد الأول من المجلة قد أفلح في الإيفاء به.
كما أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من نصوص القراءات في الإصدارات العربية الجديدة، وهو أمر يعد مرغوبا ومرتجى من أجل توسيع مجال الاستعراض وجعل مسألة اختيار الكتّاب أكثر شفافية. ذلك أن أمر اختيار الكتّاب العرب الذين تتم ترجمتهم إلى الألمانية قد ظل إلى حد الآن مرتهنا إلى حد بعيد ببادرات شخصية فردية، كما يقر بذلك صاحب مجلة لسان نفسه.
ولهذا السبب فإن هدف حسن حمد الذي يطمح إليه في المستقبل هو حسب عبارته "إنجاز بيبليوغرافيا للأدب العربي المعاصر أو قائمة لأكثر الكتب مبيعا". نقص يرتجى تجاوزه، ما من شك في ذلك. إلا أن أغلبية الكتّاب الذين تم اختيارهم هنا كانوا من المصريين، كما أن العدد القادم من المجلة باتخاذه موضوع "القاهرة" محورا رئيسيا سيمنح مسبقا أولوية للأدب المصري هو أيضا.
لكن الساحة الثقافية العربية لا تقف عند حدود مصر، وسيكون من المحبذ إذن لو فسحت المجلة مجالا لبروز تركيبة أكثر تنوعا وشمولية لكتّاب من بلدان عربية أخرى كي تفي بحق ذلك التنوع المثير لـ"العالم العربي الفسيح".
نقطة نقدية بناءة أخيرة تفرض نفسها هنا: سيكون من المحبذ أيضا لو أن المترجمين والناشر كلفوا أنفسهم مهمة ذكر مصادر المقتطعات النموذجية التي يقدمونها كيما يتسنى التعرف على أصل النصوص المترجمة. إنه جهد ليس بالجسيم لكنه يقدم بين الحين والآخر خدمة هامة لذوي الاهتمام من القراء.
وفي المجمل فإن هذه المجلة الجديدة للأدب العربي تمثل دون شك مساهمة ناجحة من أجل مزيد من التعارف ومن أجل حوار بين فضائين حضاريين غالبا ما يتقابلان ضمن أجواء تتميز بسوء التفاهم. وبما أن مجلة "لسان" لا تضع نفسها في خدمة الترويج لكليشيهات التمثلات الشرقية المتداولة ولا هي تركز اهتمامها على تيارات الأدب السائد المعروفة لدينا فإنها تعد مبادرة جديرة بالترحيب بصفتها قناة للحوار الثقافي الأصيل ونافذة مفتوحة على الآداب وواقع الحياة في البلاد العربية.
بقلم شتيفان ميليش
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
ملف: التبادل الأدبي الألماني - العربي
يعتبر الأدب دوما أحد الوسائل الرئيسية في حوار الحضارات، وغالبا ما يتمثل هذا في شكل أنشطة صغيرة تعمل في الخفاء، المترجم والناشر مثلا اللذان يعيشان على حافة الكفاف، ويقتاتان من العمل في التعريف بالثقافة الغريبة المحبوبة. ونقدم هنا مبادرات ألمانية وعربية.
غياب التنسيق وعدم احترام الملكية« الفكرية والرقابة:
الترجمة في مجتمع بلا معرفة
تشير الإحصاءات في العالم العربي الى تراجع الكتاب المقروء وإلى وتراجع مستويات الترجمة. في المقال التالي يتناول الكاتب والناشر خالد المعالي المبادرات العربية للترجمة والصعوبات التي يواجهها المترجمين ودور النشر المهتمة بنشر كتب مترجمة إلى العربية.