خيبة أمل عراقية في مؤتمر طوكيو

انتهى المؤتمر الرابع للمانحين في العاصمة اليابانية والذي أظهر في الدرجة الأولى عدم ثقة الراغبيين في مساعدة العراق بالوضع القائم. تعليق بيتر فيليب

اصحاب المبادرة في عقد مؤتمرات المانحين للعراق تصوروا الامر ابسط بكثير مما هو عليه في الواقع. فبعد انتهاء الجزء العسكري الخاص بإسقاط صدام حسين، تصوروا أن تتم مساعدة العراق ليقف على قدميه كي يعود الى احضان المجتمع الدولي. ومن الطبيعي أنهم وضعوا في حسبانهم ايضا المساعدات الاقتصادية السخية التي ستقدم الى العراق.

فالعراق ليس قادرا على النهوض من جديد بالاعتماد على قواه الذاتية خاصة بعد سنوات الديكتاتورية، التي شملت سنوات الحرب العراقية الايرانية العجاف، وحرب الكويت وسنوات االحصار الاقتصادي.

والان بعد الغزو الامريكي للبلاد من الطبيعي أن يرحب المجتمع الدولي بعودة العراق ،مهد الحضارات القديمة، الى احضانه مجددا، بل اكثر من ذلك: لأن ترابه يختزن ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم، فإن دول العالم تجد في العراق شريكا جذابا وواعدا في المستقبل القريب. كما ان النهوض الاقتصادي في العراق يعطي الدول المانحة الفرصة في استرجاع ملياراتها، التي اسثمرتها في العراق، رغم ديكتاتورية صدام حسين.

لكن هذه النظرية الجميلة لم تتحقق وذلك لان التطورات في العراق سارت على عكس ما كان متوقعا. فبعد النصر العسكري في العراق بدأت حروب ارهابية صغيرة وشبه عسكرية، لايمكن الآن التكهن بموعد لنهايتها. حروب يهدف الواقفون ورائها الى عرقلة وتخريب أية محاولة لتطبيع الحياة في العراق.

ومن ابرز اهداف هذه الحرب تدمير ما تم اعادة بناءه، وتفجير انابيب النفط وتخريب وسرقة محطات توليد الطاقة الكهربائية، وهي امثلة وليست حصرا. اضافة الى ذلك يتم تهديد القوى الاجنبية التي جاءت لتقديم المساعدة بالخطف والقتل من قبل خاطفين وقتلة.

العراق ، وهو بلد غني، يعيش اليوم وضعا اسوأ مما كان عليه في عهد صدام حسين، على الاقل على المستوى الاقتصادي، ان لم يكن على مستويات اخرى ايضا. ولعل المرء يتساءل ما نفع الحرية دون وجود الامن؟ او ماهو مصير حلم الديمقراطية، اذا كانت التجربة الاولى لها غير مضمونة لحد الان؟

المقصود هنا، الانتخابات البرلمانية والرئاسية المرتقبة في نهاية كانون الثاني/ يناير المقبل. فلاعجب اذن ان لايفتح المؤتمر الرابع للمانحين، والذي انتهى لتوه في طوكيو، افاقا جديدة بهذا الخصوص. والعكس هو الصحيح فالمؤتمر اوضح عدم ثقة الراغبيين في مساعدة العراق بالوضع القائم. وهو امر حوّل وعود المساعدة المعلنة الى دفعات صغيرة.

ولنأخذ على سبيل المثال مؤتمر مدريد للمانحين والذي قطع وعدا بتقديم مساعدات الى العراق بمقدار 14 مليار دولار، فقد تم صرف مبلغ مليار واحد فقط منها. اما المليارت 13 التي وعدت بها الولايات المتحدة، فقد تم صرف جزء بسيط منها اما الجزء الاخر، بمقدار 3 مليارت، فقد تم تحويله الى تغطية تكاليف الملف الامني.

وهنا لابد من الاشارة الى أن وعود تقديم المساعدة للعراق ترتبط بالمصالح الاقتصادية للمانحين، فهي لاتنبع عن نكران ذات. ولهذا لا يحول احد من المانحين امواله الى الحكومة العراقية المؤقتة، كما ترغب الاخيرة في ذلك، بل يسعى الى معرفة اوجه صرف هذه الاموال وبشكل دقيق. وللتاكد من ذلك لابد ان يكون لكل دولة مانحة ممثل لها في العراق لمراقبة اوجه صرف الاموال، دون ذلك تكون الرقابة شبه مستحيلة. من هذا المنطلق يمكن القول إن الوعود المعلنة في مؤتمرات المانحين تبقى على الغالب حبرا على ورق .

بقلم بيتر فيليب، دويتشه فيلله 2004
ترجمة حسن حسين