إنتفاضة ضد الملالي
تعتبر الجهود التي تبذلها الحكومة الإيرانية من أجل برنامجها النووي محط الاهتمام العام، بينما تغطي هذه الجهود على نوايا إيران الأخرى، التي لا تقل إثارة للريبة والشك. فهكذا يكاد لا يعرف شيء عن عمليات التهجير الضخمة لمئات الألوف من المواطنين الإيرانيين من ذوي الأصول العربية.
كان المواطنون ذوي الأصول العربية يعيشون حتى فترة لم يمضِ عليها بضع سنين بشكل متجانس عرقيًا إلى أبعد حد في منطقة الجنوب الغربي من إيران - خاصة في الشطر الجنوبي من إقليم خوزستان الغني بالنفط. يبلغ عدد المواطنين الإيراينيين ذوي الأصول العربية حوالي أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، أي ما ينيف عن 5 بالمائة تقريبًا من المواطنين الإيرايين، الذين يبلغ عددهم الإجمالي 69 مليون نسمة.
صحيح أنَّ أبناء الأقليات العرقية الأخرى مثل البلوتش والأكراد والتركمان بالإضافة إلى الأقلية الأزرية يعانون أيضًا من التمييز والاضطهاد الثقافي وعمليات الترحيل المنظمة، لكن يبدو أنَّ المواطنين الإيرانيين ذوي الأصول العربية هم أكثر المتضررين حتى الآن.
"فرض الطابع الإيراني على ذوي الأصول العربية"
إذ تم منذ العام 1999 ولكن بشكل أقوى في السنين الأخيرة ترحيل أكثر من مليون نسمة منهم ترحيلاً قسريًا من إقليم خوزستان، الذي تعتبر مدينة الأحواز عاصمته، وتم توزيعهم على مختلف الأقاليم والمحافظات الإيرانية.
من الواضح أنَّ ترحيل السكان ذوي الأصول العربية يعتبر جزءً من مشروع شامل، يهدف إلى فرض الطابع الإيراني على هذه المجموعة من المواطنين بشكل قسري وكذلك إلى إعادة الطابع الإيراني إلى منطقة سكناهم الرئيسية التي يستقرون فيها حتى الآن. لا يتم من أجل هذا الغرض اتخاذ إجراءات ضدّ التركيز الديموغرافي المحلي لهذه الأقلية فقط.
وأكثر من ذلك توطِّن الحكومة الإيراينية بشكل منظّم في مناطق العرب المرحلين مواطنين إيراينيين ذوي أصول فارسية، يأمل أصحاب السلطة في ولائهم الكبير - إذ أنَّ إقليم خوزستان يشكّل بالنسبة لهم أهمية إستراتيجية خاصة على مستوى الاقتصاد الوطني، حيث يوجد فيه أكثر من 80 بالمائة من النفط الإيراني.
يذكر ناشطون عرب يعملون في هذه المنطقة من أجل حقوق الإنسان - يطلق السكان ذوي الأصول العربية على أنفسهم بصورة عامة اسم أحوازيين - في هذا الصدد أنَّ حوالي مليون ونصف المليون مستوطن جديد غالبيتهم من الإيراينيين الفرس قد حلّوا فيما بين محل الأحوازيين المهجرين.
أوضاع الأحوازيين مأساوية
وصف قبل بضعة أيام كبير المدافعين الأحوازيين عن حقوق الإنسان الدكتور كريم عبديان الإجراءات القمعية التي ترتبط بهذا المشروع وتتّخذ بحق الأحوازيين، في حوار أجراه معه موقع "إيلاف" على الانترنت.
أوضح من وجهة نظره أنَّ أوضاع العرب في الأحواز مأساوية. أُعدم أكثر من 130 ناشطًا من الأحوازيين في العام الماضي فقط، وتم اعتقال عدة آلاف منهم - حتى أنَّ بعض العوائل اعتقلت بكاملها مع النساء الحوامل والأطفال. يقول كريم عبديان إنَّ مصادرة الأراضي مدرجة على جدول أعمال الحكومة الإيرانية.
فهكذا يُحرم العرب من المقوِّمات المعيشية الاقتصادية وكذلك من مكان سكناهم، لهذا السبب يجد الكثرون أنفسهم مجبرين على ترك المنطقة. هناك أيضًا تمييز ثقافي يرتبط مع التمييز المادي الذي ألقى بمجموعات كبيرة من الأحوازيين إلى البطالة عن العمل والفقر.
في خوزستان تحديدًا، حيث نشأ الكثير من العرب مع لغتين ولكن كذلك جزئيًا في مناطق سكناهم الجديدة، صار ممنوعًا على العرب المجاهرة بالحديث باللغة العربية؛ كذلك لا يجوز لهم تدريس اللغة العربية.
لهذا السبب توجد صعوبة في المدارس لدى الأطفال ذوي الأصول العربية الذين لا يتقنون اللغة الفارسية بصورة جيدة، الأمر الذي يجعلهم يتركون المدرسة في وقت مبكر. تبلغ نسبة الذين يصلون منهم على الإطلاق إلى المرحلة الثانوية فقط حوالي 30 بالمائة.
ساهمت هذه السياسة في نشوء مقاومة فعّالة في السنين الماضية. إلى جانب المظاهرات السلمية التي قمعت من قبل الشرطة الإيرانية، لجأت "حركة التحرير الوطني الأحوازي"، التي تأسست في السنين الأخيرة، أيضًا إلى استخدام عمليات إرهابية، من أجل لفت الأنظار إلى مصير الأحوازيين؛ استهدفت هذه العمليات مرارًا وتكرارًا المنشآت النفطية، بغية إصابة عصب رئيسي في الاقتصاد الإيراني وبذلك أيضًا إصابة نظام الملالي.
دعاية رسمية تتهم الأحوازيين
يحاول من خلال العديد من المواقع والبوابات على الانترنت ناشطو حركة التحرير الأحوازية، التي تعتبر في الحقية مقسمة في مجموعات سياسية عديدة، إسماع صوتهم عالميًا. وفي ذلك يضطرون حاليًا بصورة خاصة إلى الدفاع عن أنفسهم تجاه اتهامهم من قبل الدعاية الرسمية الإيرانية، التي تدعي أنَّ بريطانيا العظمى تقوم بتدريب إرهابيين أحوازيين على الأراضي الأردنية.
يزعم النظام الإيراني أنَّ المملكة العربية السعودية تدعم أيضًا الانفصاليين الأحوازيين، الأمر الذي يهدف إلى خلق انطباع بوجود حرب طائفية سُنيّة شيعية: تتحدّث طهران في هذا السياق عن "وهابيين" معادين للدولة.
من الممكن في موقع يطلق عليه اسم "عربستان" من بين المواقع المعنية بهذا الصدد على الإنترنت، التي يرعاها بعض من سكان إيران ذوي الأصول العربية، ملاحظة تكوّن روح شعبية ذات صبغة قومية دينية من خلال تكريم القتلى من ناشطي المقاومة الأحوازية بوصفهم بصفة "شهداء الانتفاضة على إيران".
تدّعي المجلة التابعة لحركة التحرير الأحوازية التي يطلق عليها اسم "عيلام" - الذي كان يطلق على هذه المنطقة في العصور القديمة - باسم "الشعب الأحوازي" أنَّها تمثّل أبناء وأحفاد السكان الأصليين لهذه المنطقة.
وهنا تظهر عوامل مشتركة مع مقاومة الفلسطينيين، الذين يعتبرون أنفسهم في بعض الأحيان أحفاد الكنعانيين، أي سكان فلسطين الأصليين - على نقيض المفهوم الذاتي الخاص بالمحتلين الإسرائيليين والمؤسَّس على أساس توراتي. كذلك تذكّر الصورة في مجلة عيلام، التي يظهر عليها ناشط ملثّم رافعًا يده بعلامة النصر، بالمثال الفلسطيني.
كذلك توصف هنا الإنتفاضة بصفة "المباركة" والباسلة. من الممكن أن ينضوي ذلك على الأمل في إثارة تعاطف كبير مع مصير الأحوازيين من خلال هذه الاستعارات المعنوية والبصرية ليس فقط في العالم العربي.
بقلم يوسف كرواتورو
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة/يوسف كرواتورو 2007
قنطرة
الأقلية اليهودية في إيران
منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية 1979 هاجر أكثر من نصف اليهود الإيرانيين إلى الخارج. أما البقية ممن اختاروا البقاء في إيران فقد ظلوا يمارسون طقوسهم الدينية، لكنهم أصبحوا يشعرون بالقلق بسبب التصريحات المعادية للسامية للرئيس أحمدي نجاد.