الخوف في كل مكان
هُجِّرَ ما يزيد عن تسعمائة ألف نسمة من جراء الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وتعترف نائلة معوض وزيرة الشؤون الاجتماعية بأن إحصاء المُهجّرين أمرٌ صعب، لأن ما يقارب ثلثيّهم قد وجدوا ملاذًا لهم عند أقاربهم أو معارفهم، أو اتخذوا من الكنائس والجوامع أو البيوت المهجورة ملاجئ لهم، وتوزع آخرون على قرابة ثمانمائة مدرسة في طول البلاد وعرضها –ويبلغ عدد هؤلاء لوحدهم مائة وخمس وأربعين ألف إنسان تقريبًا.
وكانت مجمل مدارس بيروت قد شرَّعت أبوابها أمام الهاربين من جنوب لبنان أو من ضاحية بيروت الجنوبية. وتم إيواء النازحين حتى في مخيمات الفلسطينيين المحيطة بمدينة صيدا، حيث يسود فقر مدقع.
إنشاء هيئة حكومية
هكذا، على الأقل، حصل أكثرهم على سقف يقيهم. بيد أن توفير احتياجاتهم الأساسية ظل صعبا، لاسيما وأن احتياجات مئات من البشر إلى الماء في مبنى مدرسي تفيض عن إمكانات هذه المرفق العام.
وقد أخذت في كثير من الحالات أحزاب ومجموعات سياسية مسؤولية إدارة المدارس بشكل غير رسمي، حيث يهتم هؤلاء أما لوحدهم، أو بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية وفرق الإغاثة التي نشأت تلقائيًا، بتأمين المواد الغذائية، والملابس والفراش، ومواد التنظيف للنازحين.
وشكلت الحكومة اللبنانية من جهتها هيئة حكومية لتنظيم المعونات وتوزيع المساعدات، سمتها "هيئة الإغاثة العليا". بينما وجَّهت المنظمات غير الحكومية النقد لعمل هذه الهيئة باعتبارها ثقيلة وبطيئة الحركة.
إلا أنّ غابي قطيني أحد مسؤولي "هيئة الإغاثة العليا" ينفي ذلك قائلاً أنّ مهمة وزارة الشؤون الاجتماعية بقيادة نائلة معوض هي تنسيق عمل المنظمات غير الحكومية، وذلك بدءً بالاشتغال على استمارات موحدة بغية جمع البيانات عن أوضاع واحتياجات اللاجئين. بيد أن العمل على هذه الاستمارة لم ينتهي سوى قبل بضعة أيام.
مشكلة أخرى تواجهها الهيئة تكمن في سعي أحزاب ومنظمات سياسية لتوزيع المساعدات التي تقدمها الدولة اللبنانية على أنها هبة من هذه الأحزاب والتنظيمات للنازحين، حيث تم استبدال الأوراق الملصقة على العلب التي تحمل اسم الجهة المغيثة.
هكذا تبدو الدولة أقل نشاطا عن ما هي عليه بالفعل. علاوة على ذلك، اختفت بعض المواد الإغاثية لتظهر من جديد في الأسواق. ويقول غابي قطيني بهذا الصدد. "لا نستطيع أن نشكل لجنة تحقيق خاصة بوزارتنا للبحث في هذا الأمر".
يبقى من الصعب حتى الآن تقدير عدد النازحين القادرين على العودة إلى منازلهم وبيوتهم بعد انتهاء الاشتباكات. وقد يكون نصفهم فقط قادرًا على ذلك. فالكثير من المنازل، والمباني، والقرى قد دُمِرت بأكملها من جراء القصف الجوي ومن جراء المعارك، وحتى وإن كانت بعض المنازل لا تزال صالحةً فلن يكون هنالك إمكانية لإيصال وتأمين الكهرباء والماء والمواد التموينية إلى جميع المناطق. علاوة على ذلك، فإن تدمير المصانع، وحرق الحقول الزراعية، وهدم البنية التحتية قد أودى بالكثير من مواقع العمل في المناطق.
التحدث في السياسة
تعمل "هيئة الإغاثة العليا" في الوقت الحاضر على وضع خطة لإيواء النازحين المتبقين في أماكن أخرى، عند حلول العام الدراسي في أيلول/سبتمبر القادم. وعبَّر غابي قطيني عن ذلك بقوله:
"المخيمات ليست حلاً، فنحن اللبنانيون لدينا مشكلة نفسية معها، إذ أنها تذكرنا كثيرًا بأوضاع الفلسطينيين". ويأمل غابي قطيني بأن يتم بناء مساكن جديدة دائمة بجوار المناطق المتضررة بعد أن تهدأ الأوضاع نهائيًا في جنوب لبنان.
بيد أن الناقدين يتساءلون عما إذا كانت الدولة قادرةً على تأمين المساعدات الكافية للعائدين؟ وإذا ما كانت المنظمات الإغاثية القائمة والتابعة لحزب الله ستأخذ على عاتقها حصة الأسد في إعادة إعمار جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت لتضمن بذلك الحصول على تأييد الكثيرين؟ لاسيما وأن معظم المُهجَّّرين هم من الشيعة الذين ليس لهم ممثل حقيقي سوى حزب الله. وهم يعتبرون قضية أسر الجنديين الإسرائيليين التي أشعلت فتيل الحرب أمرًا مشروعًا.
غالبًا ما يوجه النقد للدولة اللبنانية بسبب تقصيرها في توفير احتياجات المواطنين، بينما لا نلحظ في المقابل نقدًا لحزب الله من قبل النازحين. ومن لا يدعوا بالنصر لحزب الله، ولأن يحفظ الله أمينه العام حسن نصر الله يقول في أفضل الحالات أنه لا يريد التحدث في السياسة، وأنه ببساطة يريد العودة إلى بيته بسلام.
آن فرنسواز فيبير
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
السعي إلى تفادي كارثة إنسانية
تسعى منظمات إنسانية ألمانية وتلك التي تضم نشطاء لبنانين إلى تقديم مساعدات شتى في أنحاء مختلفة من لبنان. مارتينا صبرا تحدثت مع بعض الناشطين.
الحل السياسي الشامل بدل المغامرات العسكرية
مرة أخرى تشتعل الحرب في منطقة تعاني من الكثير من الأزمات، حيث تشن الطائرات الإسرائيلية الغارة بعد الأخرى، فيما يقصف حزب الله المدن الإسرائيلية بالصواريخ. ما هو الحل؟ موريل أسبورغ تقدم تحليلا للأزمة وتطرح جدولا من الحلول الضرورية