العذرية ... عبء على كاهل الفتاة المصرية
تنشأ الفتاة في العائلة المصرية على أن عذريتها هي الهدية التي ستهديها لزوج المستقبل حيث إنها رمز لإخلاص الفتاة لهذا الزوج المنتظر ودليل على قدرتها على حماية نفسها وسمعتها وشرفها حتى ليلة الزفاف.
"غشاء البكارة" هذا الجزء الصغير في جسد الفتاة يمثل حالة خاصة من الوعي والإدراك تصل إلى حد العبء الذي تحمله الفتاة المصرية والعربية على كاهلها منذ بلوغها. إنه العامل الوحيد طبقا للأعراف والتقاليد الاجتماعية الذي يحدد إذا ما كانت الفتاة نقية وتتحلى بالعفة والأخلاق الرفيعة أو ما إذا كانت منحلة الأخلاق في سنوات ما قبل الزواج، فهو الدليل الأوحد على عذرية البنت في مصر ودليل إثبات كونها شريفة لم يمسسها رجلا من قبل.
أساطير وخرافات
فالعذرية في المجتمع المصري تمثل هاجسا وشبحا ينسج حولها الأساطير المتنوعة بدءا من الأحاديث السرية للفتيات المراهقات في المدارس حول خطورة ركوب الدراجة وممارسة الألعاب الرياضية، خوفا من أن تتسبب هذه الحركات العنيفة في خدش غشاء البكارة.
وهذه الأساطير المنسوجة حول غشاء البكارة وعذرية الفتاة تمثل فناء فسيحا للخرافات في مصر والعالم العربي بأكمله. في بعض القرى الريفية المصرية ينتظر أهل العروسين خارج المنزل في ليلة الزفاف ليحصلون على " كسوة السرير الملطخة بالدماء " للتأكد من عذرية ونقاء العروس و فحولة الزوج مما يثير الفخر والتباهي.
وجرائم القتل المعروفة بجرائم الشرف منتشرة في مصر والعالم العربي حيث أنه تقتل سنويا في مصر بسبب الشرف حوالي ألف امرأة طبقا للدراسات التي أعدها مركز قضايا المرأة بالقاهرة، والكثير منهن لمجرد الشك في إنهن فقدوا غشاء البكارة.
شيزوفرينيا أخلاقية
إيمان بيبرس الناشطة من أجل حقوق المرأة ودعمها عبرت لقنطرة عن حالة الشيزوفرينيا أو الانفصام الأخلاقي الذي يعيشه المجتمع المصري والعربي من الربط الأعمى بين الأخلاق وغشاء البكارة.
فطالما وجد الغشاء عند الفتاة يعنى هذا بالضرورة وجود الأخلاق والقيم والعكس صحيح، الأمر الذي يجبر الفتيات في المجتمع العربي على إجراء عمليات تسمى بإعادة غشاء البكارة أو إعادة العذرية التي أصبحت عملية سهلة ورخيصة الثمن.
وأكدت بيبرس أن العائلة المصرية من الأب والأخ والعم والخال هم الذين يتحكمون في جسد المرأة ويمتلكون عذريتها ولذلك يفرطون في حمايتها وتضييق الخناق عليها، مما يصل إلى أنه أحيانا في القرى المصرية وصعيد مصر تقوم الأسرة بإجراء عملية ختان لابنتها فور بلوغها لمنعها من أن يكون لديها أي رغبة جسدية في ممارسة الجنس.
وهذا يعد خلط في المفاهيم بين الدين الإسلامي الحقيقي والتقاليد الغريبة، مشيرة إلى ضرورة فتح الحوار العلني حول معنى الشرف والعذرية. وخاصة أن هذه المشكلة تفتح مخاطر تضر بصحة المرأة العربية من الناحية الجسدية والنفسية مثل عمليات الختان والإجهاض وإعادة البكارة.
عمليات سرية لإعادة العذرية
وتعد عمليات إعادة العذرية منتشرة في مصر ولكن بصورة سرية. فيقوم عدد من الأطباء بإجرائها في عياداتهم أو في بيوت مخصصة لذلك بمنتهى السرية والتحفظ لأنها غير قانونية.
الطبيب إبراهيم الجولي المتخصص في أمراض النساء والولادة أكد لقنطرة أنه يرفض مع عدد كبير من الأطباء إجراء هذه العملية ليس فقط لكونها غير قانونية، بل لأنها أيضا غير أخلاقية و تعد مشاركة من الطبيب مع المرأة في مؤامرة خداع وخاصة أن الزواج لابد وأن يبنى على الصراحة و الوضوح.
والحل من وجهة نظره يتمثل في نشر التوعية والتعليم والمناقشة التي تقنع جميع الأطراف وتزيل رواسب العادات القديمة من جذورها بأننا لسنا في حاجة إلى العملية وغشاء البكارة لمعرفة أخلاق الفتاة و صلاحيتها للزواج، فالجميع معرض للخطأ.
ويشير الجولي إلى أن هذه هي مسؤولية الطبيب الحقيقية تجاه صحة المجتمع ككل وليس المساعدة على المزيد من تخلفه بالستر على عيوبه وترسيخ عادات بالية.
طبيب آخر يجرى هذه العمليات رفض ذكر اسمه قال لقنطرة أنه يؤمن بهذه العملية التي تستطيع أن تنقذ حياة الفتاة المصرية والعربية بشكل عام من الموت المحقق إذا ما خاضت علاقة عاطفية وندمت عليها وتريد أن تبدأ حياة جديدة. فهذه العملية هي الملاذ الوحيد لحمايتها من نظرات المجتمع القاتلة وحماية سمعة عائلتها.
وقال الطبيب إن هذه العملية بسيطة وغير معقدة طبيا ورخيصة الثمن حيث تتكلف في مصر ما بين 600 و 2000 جنيه مصري، مشيرا إلى أنه في العشر سنوات الماضية تسببت عمليات إعادة غشاء البكارة في تقليل نسبة جرائم الشرف إلى 80 في المائة طبقا لدراسة صدرت عن الجورنال الطبي البريطاني.
النفاق والمعايير المزدوجة
ولا يرى هذا الطبيب أن تكون هذه العملية خداعا من جانب المرأة للرجل حيث أن الكثيرين من الرجال هم الذين خدعوا الفتيات اللواتي يؤتين لإجراء العملية لديه بالنفاق والكذب وإدعاءات الزواج حيث أن المشكلة الحقيقية تكمن في الكذب والنفاق والمعايير المزدوجة الذي تعود عليها المجتمع المصري.
و قد صدرت مؤخرا أراء واجتهادات من بعض علماء الدين المسلمين في مصر مازالت تثير الكثير من الجدل بجواز عملية رتق غشاء البكارة في حالة واحدة و هي للفتاة التي فقدتها اغتصابا فقط وليست نتيجة ممارستها البغاء و منطق أرائهم يعتمد على الثقة في من تدعي أنها ضحية اغتصاب و ليست عابثة.
ورأى علماء آخرون جواز العملية حتى في حالة الفتاة العابثة لسترها وعدم فضحها في المجتمع طالما تابت وقررت بدء مرحلة جديدة في حياتها مع ترك نيتها إلى الله.
المستشارة الاجتماعية فيروز عمر أكدت في حوار مع قنطرة انه لابد لوسائل الإعلام المصرية أن تناقش هذه القضية وتساهم في تنوير عقول المصريين بأن غشاء البكارة ليس دليل العفة والأخلاق حيث أن هناك كثيرا من الفتيات العفيفات قد فقدن عذريتهن بلا ذنب أو جريمة مثل تعرضهن للاغتصاب، وأخريات عابثات نجحن في الحفاظ على غشائهن رغم ممارستهن لعلاقات آثمة.
وأشارت إلى أن النقاش حول العذرية في المجتمع المصري يسوده الكثير من الالتباس والمعايير المزدوجة ، فالشاب الذي كان سبب فقدان فتاة ما عذريتها، يكون أول شخص يرفض الزواج من فتاة ليست عذراء.
ضرورة نبذ أفكار الجاهلية
وحتى الفتيات المتعلمات بالجامعات المصرية يعتبرن العذرية هامة للغاية حيث قالت طالبة بجامعة القاهرة في حوار لقنطرة أن الفتيات المصريات لا يتصفن بالسذاجة أو الجهل حيث إنهن يطلعن على ثقافات غربية من خلال محيط دراستهم أو عبر وسائل الإعلام.
ولكنهن يدركن معنى وقيمة العذرية من خلال التقاليد الاجتماعية والحس الديني الذي يطلب من الفتاة أن لا تقيم علاقة جنسية سوى بشكل شرعي داخل إطار الزواج مما يجعلها تحافظ على عذريتها حتى يأتي زوجها.
أما نهى التي قامت بإجراء عملية إعادة العذرية لدخولها علاقة مع شاب كان زميلها في الجامعة ترغب في قيام كل مؤسسات الدولة والمجتمع بإعادة تقييم أفكاره ومعتقداته التي اعتنقها منذ آلاف السنين أثناء عصور الجاهلية والتحرك للأمام من أجل أشياء أكثر أهمية في الحياة والمجتمع المصري.
بقلم نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2005
قنطرة
جرائم الشرف في الأردن
رنا حسيني تُقتل ثلاثون امرأة سنويا في الأردن لأنهن يتهمن بتلطيخ سمعة العائلة. المراسلة في المحاكم الأردنية رنا حسيني تقوم بتوثيق هذه القضايا وتسعى إلى خلق نقاش حول هذه الظاهرة في المجتمع الأردني. بترا تابيلينغ تعرفنا بها
شرف العائلة أهم من الحياة!
بلغت الفتاة اللبنانية فدى 17 عاما. أطلق أبوها عليها الرصاص بحجة أنها لطخت شرف العائلة. هذا الحدث المؤلم كان وراء انطلاق مبادرة متعددة الطوائف لمكافحة العنف الموجه ضد المرأة في لبنان تقرير كريستينا فورش