"الفيصل هو السياق"
ردا على سؤال حول سبب عدم إدانة إسرائيل في قمة مجموعة السبع التي عُقدت في يونيو/ حزيران في إيطاليا بسبب مقتل مدنيين في غزة، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إنه "علينا أن نتذكر مَن بدأ كل هذا، وإسرائيل لم تكن البادئة". كيف تعلّق على تصريحها؟
يجب إدانة الهجوم الإجرامي الذي ارتكبته حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول بشكل لا لبس فيه، ويجب محاسبة المسؤولين لإرتكاب هذه الجرائم. لكن، ومع ضرورة إدانة هذه الجرائم وعقاب مرتكبيها، فمن المهم أيضا الاعتراف بالخبرات المؤلمة التي عاشها الفلسطينيون على مدار عقود.
والمهم هنا هو الاتساق في السياق. ويمكن الانطلاق من التاريخ المأساوي لقرى مثل هوج ونجد وأبو ستة والمجدل والجورة ويبنا وبيت دراس لتقديم مثل هذا السياق. هذه القرى الثلاث الأخيرة، على وجه الخصوص، هي القرى التي طُرد منها مؤسسو حركة حماس وهم أطفال -أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم اليازوري- إلى ما يسمى قطاع غزة. وبالطبع، لا ينبغي أبدا أن يبرر السياق العنف والجرائم التي يرتكبها أي طرف، بل يجب أن يكون بمثابة ترياقا للروايات التبسيطية والادعاءات الأيديولوجية. هناك حقان، وتاريخان متجذران بعمق، وملايين من الصدمات النفسية المختلفة. ومن غير المقبول تبسيط أي منهما.
اقتباس: "هناك حقان، وتاريخان متجذران بعمق، وملايين من الصدمات النفسية المختلفة. ومن غير المقبول تبسيط أي منهما".
تعترف عدة دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، بينما لا تعترف بها دول أخرى. هل تعتقد أن الاعتراف سيزيد من الضغط على إسرائيل لتسهيل إقامة دولة فلسطينية؟ كيف تحلل الوضع الحالي؟
لمثل هذا الاعتراف تأثيرات محدودة، ولا يؤدي إلى تغييرات مباشرة. ومع ذلك، فإن هذا الصراع، من الناحية التاريخية، قد أثرت عليه بشكل كبير أيضا الرموز واللفتات. إن اعتراف عدد متزايد من دول الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين يرسل إشارة واضحة تهدف في المقام الأول إلى التنديد بـ "حالة تاريخية شاذة": لا يوجد سياق آخر على مستوى العالم يعيش فيه ملايين المدنيين منذ أكثر من 50 عامًا بدون دولة وبدون جنسية أي بلد.
اقتباس: "لا يوجد سياق آخر على مستوى العالم يعيش فيه ملايين المدنيين منذ أكثر من 50 عامًا بدون دولة وبدون جنسية أي بلد."
ومن الخطوات الحاسمة اعتراف جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية التي تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، إلى جانب التزام أقوى بـ "أجندة التمايز"، وهي سياسة يتبعها الاتحاد الأوروبي ويميز عبرها بين إسرائيل والأراضي المحتلة منذ يونيو/ حزيران 1967. بالإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة ضد كل الجهات الفاعلة غير الراغبة في الامتثال للإجماع الدولي هي أمور حاسمة نحو السلام والحل الشامل. وفي حين أن هذه الإجراءات وحدها لن تحقق السلام، إلا أنها ضرورية للمضي قدما نحو تحقيقه. ولذلك، ينبغي على الاتحاد الأوروبي، الذي يطمح إلى أن يكون وسيطا ذا مصداقية، أن يدعم ويؤيد الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية من طرف الدول الأعضاء فيه، لا سيما في ظل الاختلال الكبير في موازين القوى على الأرض.
تعتبر السلطات الإسرائيلية الضفة الغربية أرضا متنازعا عليها وليست محتلة بسبب التعقيدات التاريخية والقانونية المحيطة بوضعها. هل يمكنكم تقديم المزيد من التفاصيل حول ذلك؟
تبرر السلطات الإسرائيلية سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحجة "الحق التاريخي في يهودا والسامرة"، وهي أراض عاشت عليها شعوب وحضارات مختلفة عبر التاريخ. ويجادل العديد من السياسيين الإسرائيليين بأن الضفة الغربية "تمثل قلب الوطن اليهودي التاريخي".
لكن إذا كان هذا هو المبرر الرئيسي للاستحواذ على أراضٍ إضافية، فعلى إسرائيل أن تتخلى عن عسقلان وأسدود وذلك الجزء من المنطقة الساحلية الذي لم يكن يوما ضمن أي مملكة قديمة لبني إسرائيل. وقد أكدت عشرات البعثات الأثرية التي أجريت على مر السنين في المناطق المحيطة بعسقلان - وهي واحدة من خمس مدن فلسطينية قديمة، والتي تضم اليوم ما كان حتى عام 1948 قرية المجدل الفلسطينية - أن المنطقة لم تتعرض إلى غزو بني إسرائيل القدماء لها.
وحتى لو افترضنا حدوث غزو، فإن احتلال منطقةٍ ما لبضع سنوات لا يعني أنها كانت تمثل جزءا من "إقليم تكويني". وإلا فإن غارات الفلسطينيين القدماء العديدة واحتلال مدن بني إسرائيل حتى وادي الأردن سيجعل هذه المناطق "أقل" إسرائيلية.
مثال آخر هو قرية أم الرشراش الفلسطينية، إيلات الحالية. فقد احتلت هذه الأخيرة ألوية النقب والجولاني في 10 مارس/ آذار 1949، بعد ثمانية أشهر من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 54 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، ومنع الاستيلاء على أي أراضٍ بعد ذلك.
تستند شرعية إيلات كجزء من دولة إسرائيل اليوم إلى إجماع دولي واسع النطاق. يعارض هذا الإجماع - الذي تؤيده أكثر من 150 دولة - بشكل لا لبس فيه أي ضملأراضٍ، وينزع الشرعية عن المستوطنات التي تمولها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وليس منطقيا التذرع بالإجماع الدولي فيما يتعلق بإيلات ومناطق أخرى، بينما يتم تجاهله فيما يتعلق بالضفة الغربية أو القدس الشرقية أو مرتفعات الجولان. يتجاهل العديد من المراقبين والمحللين الاستخدام الانتقائي لمنطق "الوطن التاريخي"، ويغضون البصر أيضا عن الاستخدام الانتقائي للإجماع الدولي.
هل يمكن أن يُفسَّر الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أنه وسيلة لمكافأة حماس؟
إن سعي الفلسطينيين إلى تقرير المصير يتجاوز حماس بكثير، بل ويسبقها بكثير. هناك مقولة تُنسب إلى الجنرال الإسرائيلي المعروف موشيه ديان: "إذا أردت أن تصنع السلام، فلا تتحدث مع أصدقائك، بل مع أعدائك."
اقتباس: "إذا أردت صنع السلام، فلا تتحدث مع أصدقائك، بل مع أعدائك." [موشيه ديان]
لقد نفذت شخصيات مثلمناحيم بيغن وإسحق شامير اعتداءات مروعة، استهدفت أيضا كُثرا من المدنيين الفلسطينيين. ومع ذلك أصبحوا فيما بعد رؤساء وزراء في دولة إسرائيل. ولا تزال الحكومة الإسرائيلية في نظر الفلسطينيين حتى اليوم يُنظر إليها كمحتل دائم يرفض صراحة حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويرتكب جرائم حرب. ونعود إلى كلمات ديان: لا يمكنك اختيار أعدائك، وهذا ينطبق على الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
هل يمكن لأوروبا أن تقدم مقترحات إيجابية وأفكارا لنظام ما بعد الحرب؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
تُوجه إلى أوروبا اتهامات بازدواجية المعايير، ويتضح ذلك على نحو ساطع عندما تدين روسيا وتعاقبها على الهجمات العشوائية في أوكرانيا، لكنها تتبنى موقفا مختلفا عندما تتعرض غزة إلى هجمات مماثلة، تؤدي إلى عدد كبير غير متناسب من الضحايا، مثلا بين الأطفال. ويزيد من حدة هذا التناقض أن الاتحاد الأوروبي ودوله وهي شريك تجاري مهم مع إسرائيل يقدم دعما كبيرا للجيش الإسرائيلي منذ سنوات في مجال البحث والتطوير. وعلاوة على ذلك، يسلط تقرير حديث - أصدرته 19 منظمة من منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية في يونيو/ حزيران 2024 - الضوءَ على مؤسسات مالية أوروبية كبيرة تستثمر أموالها لدى منتجي الأسلحة الدوليين الذين يزودون إسرائيل بالأسلحة. تؤكد هذه الأمثلة نمطا أوسع نطاقا: فبدلا من التركيز على كيفية ممارسة أوروبا لتأثيرها الإيجابي فحسب، من الضروري الاعتراف بدور أوروبا السلبي تاريخيا في هذا الصراع وكيفية التعامل معه.
اقتباس: "بدلا من التركيز على كيفية ممارسة أوروبا لتأثيرها الإيجابي فحسب، من الضروري الاعتراف بدور أوروبا السلبي تاريخيا في هذا الصراع وكيفية التعامل معه".
إن سؤال: "كيف يمكننا مساعدتهم؟"، هو سؤال معقد في هذا السياق، ويتطلب التواضع، بالنظر إلى مصالح أوروبا وأفعالها السابقة.
بالنظر إلى سيطرة إسرائيل الواسعة على الضفة الغربية، والخسائر الكبيرة في الأرواح، واستمرار استخدام المحاكم العسكرية: ماذا عن بند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل؟
يتم نقل نحو 94% من المواد المنتجة في المحاجر الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى إسرائيل التي تسيطر على الحدود، والهواء، والمياه، والكهرباء، والسجلات السكانية، وحرية الحركة - بما في ذلك الحركة بين الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية - والكثير من الأمور الأخرى في المنطقة كلها. إضافة إلى ذلك، قُتل 6407 فلسطينيا و308 إسرائيليا في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني 2008 والسادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أي قبل يوم واحد من الهجمات الإرهابية التي نفذتها حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية. وأخيرا، لم تُفرض المحاكم العسكرية على آلاف المدنيين في أي سياق آخر غير في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ أكثر من نصف قرن. وعلى الرغم من هذه العناصر وغيرها الكثير، لا يزال بند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مجرد حبر على ورق منذ عقود.
اقتباس: "لم تُفرض المحاكم العسكرية على آلاف المدنيين في أي سياق آخر غير في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ أكثر من نصف قرن. وعلى الرغم من هذه العناصر وغيرها الكثير، لا يزال بند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مجرد حبر على ورق منذ عقود."
في الوقت نفسه يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات كبيرة إلى الفلسطينيين...
إن تكتل الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة هو المانح الرئيسي للمعونات المخصصة للأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، لقد أثبت الخبير الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفر أن "ما لا يقل عن 72 في المائة من المعونات الدولية المخصصة للفلسطينيين ينتهي بها المطاف في الاقتصاد الإسرائيلي". وفي هذا السياق أقترح عليكم قراءة كتابه "الاقتصاد السياسي للاحتلال الإسرائيلي"، وفيه يوضح المؤلف تكاليف الاحتلال والمعونات الخارجية والإغاثة الإنسانية.
لقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه لوقف إطلاق النار الدائم وإطلاق سراح الرهائن. هل هذا كافٍ؟ ما هي الموضوعات الأخرى التي يجب على الاتحاد الأوروبي مقاربتها؟
هناك حاجة ماسة لوقف إطلاق النار، وأكثر من أي وقت مضى، وهو قد يكون أيضا السبيل الوحيد لتحرير الرهائن أحياء. إن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين أولوية، ويجب محاسبة حماس على انتهاكها السافر للقانون الدولي. وفي الوقت نفسه يجب ألا نتجاهل "الاعتقال الإداري" الذي استخدم لأول مرة خلال الحكم الاستعماري البريطاني، ثم ورثته إسرائيل. في الوقت الحالي هناك 5900 فلسطيني، وبينهم أطفال في الثانية عشرة من عمرهم، معتقلون إداريا، دون اتهام أو محاكمة.
اقتباس: " يجب ألا نتجاهل "الاعتقال الإداري" الذي استخدم لأول مرة خلال الحكم الاستعماري البريطاني، ثم ورثته إسرائيل. في الوقت الحالي هناك 5900 فلسطيني، وبينهم أطفال في الثانية عشرة من عمرهم، معتقلون إداريا، دون اتهام أو محاكمة."
وفي أغلب الأحيان لا تعرف عائلاتهم شيئاً عنهم طوال شهور أو سنوات. ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ندد الصليب الأحمر مرارا بمنع أفراده من زيارة العديد من الفلسطينيين في الاعتقال الإداري، وهذا ما حدث أيضا في بعض الحالات قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ماذا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعل على الأرض؟ كيف يمكن لأوروبا أن توازن بين مبادراتها لتعزيز السلام المستدام؟
لدينا هنا رؤى قيمة قدمها سامي عدوان، عالم التربية الفلسطيني والباحث في مجال السلام، ودانييل بار-أون، عالم النفس الإسرائيلي المعروف بعمله في مجال الذاكرة الجمعية والمصالحة. لقد تعاون الاثنان في مشاريع تهدف إلى تعزيز مبادرات بناء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إذا انتشر العنف، فإنه سرعان ما يترسخ ويستهلك أي بديل. وفي هذا المنعطف، يجب على الاتحاد الأوروبي والجهات الفاعلة الخارجية الأخرى أن تتبنى نهجا واقعيا، مع الإقرار بتأكيد سامي عدوان وبار أون أنه "في غياب مبادرات صنع السلام المستمرة من أعلى إلى أسفل، لا يمكن لأنشطة بناء السلام وحدها أن تحقق السلام". ولذلك، ينبغي خفض سقف الأهداف، مع التركيز على الحفاظ على التفاعلات الإيجابية بين بناة السلام (مفهوم "جزر التعقل")، والبدء بمشاريع صغيرة النطاق يمكن أن تتوسع بمجرد أن تتوافق مع المبادرات المستقبلية من أعلى إلى أسفل.
إيران والسعودية ومصر: قائمة الأنظمة الاستبدادية أو الديكتاتورية في الشرق الأوسط طويلة. كيف ينبغي لأوروبا أن تدير علاقاتها مع هذه الأنظمة في المنطقة؟
لقد شهد الإيرانيون العواقب الكارثية للتدخل الغربي في المنطقة، وهم يرفضون ذلك بشدة. وفي الوقت نفسه يريدون تشكيل إيران مختلفة، إيران التي - على حد تعبير الطلاب الإيرانيين المحتجين في جامعة أمير كبير في طهران - "لن ترتمي في أحضان الإمبريالية بسبب خوفها من الاستبداد، وإيران التي لن تضفي الشرعية على الاستبداد باسم المقاومة والقتال ضد الإمبريالية."
باستثناء إيران فإن الرسالة التي تلقتها العديد من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة في السنوات الأخيرة هي أنها في مأمن من العدوان الخارجي، أو تكتيكات تغيير النظام، طالما أنها تتصرف بما يتماشى مع المصالح الأوروبية أو الأمريكية.
اقتباس: "إن الرسالة التي تلقتها العديد من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة في السنوات الأخيرة هي أنها في مأمن من العدوان الخارجي، أو تكتيكات تغيير النظام، طالما أنها تتصرف بما يتماشى مع المصالح الغربية."
بكلمات أخرى: يمكنهم قتل صحفيين وتقطيع أوصالهم في قنصلياتهم في الخارج، كما في حالة خاشقجي، أو استخدام التجويع ضد المدنيين كسلاح، مثلا الوضع في اليمن، أو ارتكاب "انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي وحقوق الإنسان"، كما في مصر، لكن بلدانهم لن تعاني من العقوبات الاقتصادية والتدخلات العسكرية. قد يصبح الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لاعبين أكثر فعالية ومصداقية إذا كانوا قادرين على التصرف والنظر في انتهاكات حقوق الإنسان أيضا عندما ترتكَب هذه الأخيرة من قبل أنظمة تحافظ على المصالح الأوروبية والغربية.
في رأيك، كيف يمكن للدول الأوروبية والولايات المتحدة تشجيع المساءلة وإصلاح الحكم في المنطقة، بدلاً من تعزيز هياكل السلطة القائمة؟
إن ما يسمى البلدان العربية تحكمها أنظمة غير منتخَبة لا تحظى بشعبية مطلقا على المستوى المحلي. ويكمن غياب المساءلة في صميم العديد من المشاكل التي تعاني منها المنطقة. فعندما تكون المساءلة منخفضة جدا، فإن النتيجة هي أن الخدمات المقدمة من الدولة لا تلبي احتياجات المواطنين، وينطبق ذلك بشكل خاص على الشرائح الأكثر فقرا من السكان. إن سوء الحوكمة والفساد مشكلتان رئيسيتان أخريان، تساهمان كثيرا في غياب الديمقراطية، وغياب الدول الفاعلة في الشرق الأوسط.
اقتباس: "إن سوء الحوكمة والفساد مشكلتان رئيسيتان أخريان، تساهمان كثيرا في غياب الديمقراطية، وغياب الدول الفاعلة في الشرق الأوسط."
لكن هنا أيضا تلعب جهات خارجية دورا هاما، لا سيما الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي تعتبر الأنظمة القمعية جزءا من الحل وليس المشكلة. وليس من قبيل المصادفة أن تتضاعف الصادرات المصرية إلى إسرائيل في الوقت الراهن، وأن تتزايد صادرات الإمارات والأردن أيضا. وكما قال أحد الجنرالات الإسرائيليين السابقين في عام 2015 لمايكل أورين، سفير بلاده السابق لدى الولايات المتحدة: "لماذا لا يريد الأمريكيون مواجهة الحقيقة؟ للدفاع عن حرية الغرب، يجب المحافظة على الطغيان في الشرق الأوسط". هذا النوع من المقاربات شائع جدا في منطقتنا. كل هذا يذكّرنا أيضا بأنه من الضروري، اليوم أكثر من أي وقت مضى، تجاوز التفسيرات المنفردة التي تفصل "تاريخنا" عن "تاريخهم"، لتمهيد الطريق لمقاربة أكثر تواضعا تجاه شعوب المنطقة وجراحها.
تقترح في كتابك الأخير طريقة أكثر شمولاً لدراسة التاريخ. كيف يمكن تحقيق ذلك؟
إذا أراد الباحثون مواجهة التحديات القائمة، والتغلب على الهيمنة والقمع وصولا إلى العدالة الإنسانية والبيئية والشمولية، فيجب أن تكون المعارف غير الأوروبية أو غير الغربية جزءا من حوار أكثر استنارة وتنظيما، سواء كان ذلك داخل الأوساط الأكاديمية أو خارجها. وفي حين أن الكِتاب لا يتبنى أو يدعو إلى أي "نهج رائج معادٍ للغرب" - وهو الادعاء الذي أصبح في حد ذاته رائجاً على نحو متزايد - فإنه يقدم عدداً من العناصر والتحليلات الأساسية لمواجهة الميل المستمر إلى استبعاد أو تجنب أولئك الذين يُعتبرون "لا يستحقون ذلك". لقد أردت المساهمة في توضيح استعمارية السلطة في البحث التاريخي.
© Qantara.de/ar 2024
لورنتسو كامل: أستاذ تاريخ العالم وتاريخ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة تورينو. أحدث كتبه بعنوان: History Below the Global (Routledge, 2024).