جسور التواصل رغم الحواجز

يعد المعرض الفني المشترك لفنانين من ألمانيا وإسرائيل وفلسطين والذي تستضيفه مدينة أم الفحم العربية في إسرائيل علامة ثقافية متميزة رغم كل الصعوبات والحواجز التي تفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كورنيليا رابيتس تعرفنا بهذا المعرض الذي أقيم برعاية معهد غوته.

لقد أصبح كل شيء على ما يُرام، ووصلت تماثيل الفنان أوليفر فان دن برغ، المقيم في برلين، إلى أم الفحم في الموعد المحدد، الشيء الذي يُعدّ معجزة صغيرة بسبب الظروف الجارية. ذلك لأن أم الفحم عبارة عن مدينة عربية تقع في شرق إسرائيل وتبعد فقط حوالي 90 كيلو مترا من تل أبيب، ولكنها عالم آخر. فالناس فيها فقراء والشوارع وسخة والحدود التي تفصل بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل قريبة.

فن وحركة

على الرغم من أن الناس في أم الفحم لديهم اهتمامات أخرى سوى الفن إلا أنه يوجد بها "معرض للفن" أسسته إحدى عائلات المدينة بمالها الخاص. ومع أن مؤسس ومدير المعرض، سعيد أبو شقرة، على علم بأن الناس في مدينته منشغلون في المقام الأول بالعمل والأجر ولقمة العيش لأولادهم فقد استطاع أن يجعل المعرض مركزا هاما للفن الحديث، لدرجة أن المهتمين بالفن من تل أبيب يحجون إليه. والسبب في ذلك أن سعيد أبو شقرة وفريق عمله يؤدون شيئا غير عاديا، ألا وهو خلق مجال لتحرّك الفنانين الإسرائيليين والعرب والفلسطينيين.

عبر الحدود

الآن وبعد عامين من الإعداد، وبمساندة معهد جوته، تمكنوا من إقامة معرض مع فنانين ونحّاتين ألمان. هذا المعرض المسمى "29 كيلومتر" يصف بالضبط المسافة التي يقطعها الفلسطينيون في المناطق المحتلة دون أن يمروا على حواجز تفتيش أو تحصينات حدودية. و"بينما تسقط الحدود في أوروبا ويُفتح المجال لحرية الحركة، تُفرض قيود على حرية حركة الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة أكثر وأكثر، تتجلى في الرقابة على حركة الأفراد والحدود والموارد والتبعية" على حد قول أمينة المعرض، السيدة شلوميت باومان. والمعرض يدور حول هذه المشكلة.

البحث الجماعي

قام الفنانون الثلاثة عشر باستعدادات قوية، وحول ذلك يقول الفنان سفين كالدن البرليني الذي شارك في فكرة المعرض: "لم نُرِد عرض أي أشياء ولكننا تعرفنا فبل البدء على الوضع في البلد". وقد أدت احدى الندوات التي أُقيمت في خريف عام 2008 إلى قيام المشاركين من إسرائيل ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني بالتعرف الجماعي على ممارسات التقييد. وبعدها اندلعت حرب غزة. فاللوحات والصور والفيديوهات والأعمال الفنية المعروضة حاليا في أم الفحم كلها تتحدث عن العنف والحرب والبؤس والحواجز التي لا تُخترق.

أطفال غزة

تقول الفنانة الشابة من أم الفحم، نسرين أبو بكر: "لقد حزنت جدا بسبب حرب غزة لدرجة أني فكرت في ترك الفن والإقلاع عنه". ولأنها لا تستطيع نسيان صور الأطفال الجرحى أو القتلى قامت بتخصيص عملها الفني "أطفال" لضحايا غزة الصغار. أما زميلها الإسرائيلي، دافيد غوس، فيعتبر نفسه فنانا سياسيا في المقام الأول وينتقد حكومة بلده. والعمل الذي يعرضه عبارة عن جدار باللون الرمادي البني، أما الصورتان اللتان يعرضهما فلونهما مخلوط بمواد البناء الخرسانية، الشيء الذي يُشبه سياسة إسرائيل، على حد قوله.

ذاكرة تاريخية

أما سفين كالدن، الذي أتي من برلين بجهاز عرض فيديو، فيقول: "مشروعي اسمه 'احتلال متحف رام الله'، وهو عبارة عن تصميم لمجموعة متاحف، حيث لا يوجد في رام الله مكان لتوثيق تاريخ الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي". والفنان الفلسطيني شريف سرحان اضطر إلى إرسال الفيديو عبر الإنترنت لأنه مُنع هو وزملاؤه من رام الله من السفر إلى إسرائيل لحضور افتتاحية المعرض. ويعرض فيلمه "قِفْ أنت من غزة" سيارة مسرعة جدا تقف فجأة عند حاجز من قضبان معدنية. والفنانة إينيس تشابر وجدت في مكتبة الكونجرس في واشنطن صورة تعود لعام 1944 تُظهر "اتحاد المرأة العربية" في القدس. وتبحث الفنانة الألمانية عن معلومات أكثر عن هذه الحركة، وشعارها في هذا المعرض هو تقفي الآثار والذاكرة التاريخية. وتريد أن تضع هذه الصورة رهن إشارة أي معرض في المنطقة.

عملية استفزازية

ويركز جورج كلاين في عمله الفني "زيارات رام الله" على الوهم والبلبلة والسخرية اللاذعة. في هذا العمل يقف تاكسي ذو لون أصفر فاقع في وسط مدينة أم الفحم، مثل مئات التاكسيات التي تقف على حواجز التفتيش في المناطق الفلسطينية. ويزعم أن المرء يمكنه أن يحجز رحلات عبر الانترنت إلى رام الله. وهذا نوع من الاستفزاز لأن الحدود لا يمكن أن يجتازها لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون.

وبالنسبة لمدير معهد جوته بتل أبيب فلا يُعتبر المعرض نجاحا كبيرا فقط، بل أيضا درسا تعليميا تبادليا لكل المشاركين، ويعبر عن ذلك قائلا: "هنا يؤدي الفن ما ينبغي أن يؤديه، وهو الأمل والإشارة إلى عالم جديد". كما يحاول معرض الفن في أم الفحم إثارة هذه المسألة التعليمية لدى الصغار عن طريق ورش عمل مع الأطفال، وهذه تعد بمثابة "مغامرة" جريئة إذا ما وضع المرء العلاقات المتناقضة بين الثقافة الإسلامية والفن التشكيلي في الحسبان، بحسب جورج بلوخمان، المعجب جدا بهذه المبادرة. والأطفال لم يهتموا بموضوع الجدار الفاصل والحدود إلا حاليا ومن وقت قريب، وبدأوا يلوّنون الحجارة، ويساندهم معهد جوته في ذلك. وهذه الحجارة موضوعة الآن فوق سطح المعرض.

وعلى الرغم من هذا كله يصعب على مدير المعرض أن يظل متفائلا، ويعبر عن ذلك بقوله: "إننا نود إقامة جسر تواصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، لكن هذا يعتبر من المستحيلات، فـ"بدلا من إقامة الجسر أقمنا حدودا وحارب بعضنا بعضا". ورغم كل ذلك فإن سعيد أبو شقرة وفريق عمله سوف يتابعون محاولة بناء هذا الجسر.

كورنيليا رابيتس
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

حوار مع الفنانة الفلسطينية سلوى المقدادي:
بينالي البندقية - من أجل حرية الفن الفلسطيني
تشارك فلسطين هذا العام للمرة الأولى في بينالي البندقية للفن المعاصر بتقديم معرض مثير للغاية تحت عنوان "فلسطين بواسطة البندقية". رمغارد برنر تحدثت إلى الفلسطينية سلوى المقدادي، مديرة المعرض والمتخصصة في تاريخ الفن، حول الفن الفلسطيني.

دانييل بارنبيوم: ديوان شرق غرب في رام الله
الموسيقى تقهر زمجرة الدبابات
موسيقيون عرب وإسرائيليون يعزفون في مدينة رام الله مقطوعات موسيقية تهدف إلى تدعيم أواصر السلام وفتح قنوات الحوار. الموسيقى التي لحنها المايسترو بارينبويم تحل محل زمجرة الدبابات وأصوات الرصاص. تقرير علاء الدين جمعة.

الموسيقار الفلسطيني عادل سلامة:
الحوار هو روح الفن!
عادل سلامة ملحن وعازف عود فلسطيني يقيم في أوروبا منذ عام 1990، أصدرعددا من الأعمال الموسيقية. ينتمي سلامة إلى الموسيقيين العرب الذين يتخذون من أوروبا مكانا لإيصال موسيقاهم إلى المتلقي العربي وغيره.عادل سلامة أيضا داعية فعال للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. صالح دياب أجرى معه الحوار التالي.