الإيمان والحداثة
أثير في الإعلام الألماني نقاش عن مدى خطورة الإسلام المتطرف. وهكذا وُضِعَ المسلمون الأتراك والعرب وغيرهم في موضع الاشتباه العام. وها هو فيلمك يعرض لنا الآن "متعصبًا دينيًا" لا يعيش بخطورة على الإطلاق، لكن لديه مشاكله على الرغم من ذلك. هل هذا هو الفيلم الأول الذي يتناول مثل هذا الموضوع في تركيا؟
اوزار كيزيلتان: هناك الكثير من الأفلام عن مواضيع إسلامية في السينما التركية، لكن لم يتم التصوير السينمائي ضمن جامع أو زاوية قبل الآن. لقد أنتجت السينما البيضاء White Cinema العديد من أفلام الدعاية الإسلامية. بالدرجة الأولى، كانت هناك أفلام تهاجم الدراويش وتهزأ من الإسلام، مثل فيلم "اضربوا القحباء" "Vurun kahpeyi" على سبيل المثال. نحن أردنا ان نؤسس الفيلم على فكرة مسالمة.
كيف توصلتم إلى قصة الفيلم؟
كيزيلتان: كان والد كاتب السيناريو "أوندار جاكار" ملحدًا حتى الخامسة والخمسين من العمر. بعد ذلك وجد طريقه إلى الإيمان ثانيةً وصار مسلمًا متدينًا للغاية. الفكرة الرئيسة تعود بذلك إلى والده، لكننا عملنا على الفكرة على مدى خمس سنوات تقريبًا، وعدّلنا السيناريو أكثر من عشرين مرة، وكتبنا ست صياغات جديدة. كما نشأت أفكار جديدة في غضون ذلك، وتبلورت شخصيات جديدة، وانضم ممثلون آخرون الينا.
أصبح فيلم "تقوى" مقاربًا للواقع بشكل كبير، فالذِكر مثلا يبدو وكأنه عمل سينمائي توثيقي. إلى أي مدى استخدمتم عناصر وثائقية في الفيلم؟
كيزيلتان: أردنا أن يستند كل شيء إلى واقع حياة الزاوية، وكان هذا نتيجةً لبحثٍ وتقصٍ عميقين بالدرجة الأولى وللكثير من المحادثات. وكان لدينا حقًا في مشهد الذِكر ممثلون وأيضًا دراويش متدينون بالفعل وبعض من أصدقائهم.
ألم يكن هناك من جانب المسؤولين عن الزاوية أي اعتراضٍ على المشروعٍ؟
كيزيلتان: لقد قدم لنا الدراويش مساعدة كبيرة في مجمل مسار نشوء الفيلم، لأن الفيلم يعرض المشاكل الخاصة بهم، ولأنهم استحسنوا سيناريو الفيلم وانشدّوا إليه. أما إيمانهم بأنه لا يوجد في العالم ما يمكنه المساس بهم أو إلحاق الضرر بهم، فجعلهم لا يرون أي إشكال في المشاركة بهذا الفيلم. ووجدوا في الفيلم مواقف ايجابيةً ولم تكن لديهم أية مآخذ عليه.
هل يريد هؤلاء الدراويش تغيير أنفسهم أيضًا، عندما يتقبلون الآن وجود مثل هذه المشاكل والتنازعات الضميرية ؟
كيزيلتان: لا يمكننا أن نسألهم أسئلة من هذا القبيل بشكل مباشر. لكنهم في شكٍ من أمرهم: هل يتوجب عليهم الاستمرار بالحياة الروحانية أم الالتفات أكثر للدنيويات. هذا اشكالٌ حقيقيٌ.
"تقوى" تعني الزهد. والحاجة الجنسية تدفع ببطل الرواية "محرم" تدريجيًا إلى الجنون. هل يتوجب على "محرّم" العيش بتعفف أكثر أم تقبل شهواته؟
كيزيلتان: هناك الكثير من الأسباب التي أدت الى إصابة "محرّم" بالجنون. فهو يريد أن يكون إنسانًا صالحًا، متقربًا من الله، ولكن ثمة مغريات كثيرة، مثل المال والسياسة وابنة الشيخ. إنه لغزٌ معقّدٌ، وقصةٌ مأساويةٌ، والكثيرون من المسلمين يشعرون بالشفقة تجاه "محرّم".
بين الآونة والأخرى نسمع آراء أتراك متنورين، يقولون: "نحن من اسطنبول، وعندنا في محيطنا لا توجد أمور كهذه". هل هم مغتربون إلى هذا الحد عن التقليد الديني للبلد؟
كيزيلتان: ينعكس تاريخ هذه الطرق الصوفية على تاريخ اسطنبول. هناك 2500 زاوية كهذه في اسطنبول، و 25 ألف مقر في كافة أنحاء تركيا، وحتى حكومتنا تنتمي إلى هذه الطريقة. إذًن هم موجودون في كل مكان.
هذا يعني أن الفصل بين الحداثة والدين ليس عميقًا؟
كيزيلتان: أنا شخصيًا ملحد، ولا أؤمن بالله، ورغم ذلك تعاون معي الدراويش والمتدينون. لذا لا أستطيع التعرف على هذا الفصل. الكثير من الملحدين العصريين لهم آباء وأمهات متدينين. نحن غير منفصلين كثيرًا عن بعضنا البعض. وشيخ الجمعية الدينية المعنية شاهد الفيلم للتو وهنأني قبل بضع دقائق.
ما كان من شأن الفيلم أن يكون لولا الممثل الفريد "إركان جان". هل كان من الصعب العثور على ممثل للدور، وما هو سبب نجاحه الكبير في تمثيل هذا الدور؟
كيزيلتان: كان لديه خمس سنوات من الوقت ليحضر نفسه لهذا الدور، ولم يكن لهذا الممثل المهم بديل بالنسبة لنا. كان واضحًا منذ البداية أن "إركان جان" سيشارك في الفيلم. فهو ينتمي لمجموعتنا: "السينمائيون الجدد"، وكان قد شارك من قبل بخمسة أعمال من إنتاجاتي وسيكون مشاركًا أيضًا في مشروعنا الـ 150 أيضًا.
لقد حزت في انطاليا على تسع جوائز، وحققت بعد ذلك نجاحًا مفاجئًا لدى الجمهور التركي. فقد عرض فيلم "تقوى" بعد ذلك في مهرجان البرليناله الدولي للسينما في برلين. كيف تعلل هذا النجاح؟
كيزيلتان: سأجيبك بصراحة. إنني أطرح السؤال ذاته على نفسي.
كيف حصل التعاون مع المخرج "فاتح أكين"، الذي كان منتجًا مشاركًا للفيلم؟
كيزيلتان: تعرفت على فاتح قبل عدة سنوات في مهرجان انطاليا للسينما، ونحن أصدقاء الآن. أفكارنا عن السينما متشابهة إلى حدٍ بعيد، وعندما وجدنا قصة "تقوى"، اتفقنا بسرعة كبيرة. وفي هذا الصدد لا بد من ذكر صديقنا المتوفى اندرياس تيل أيضًا، حيث أراد تحقيق المشروع في كل الأحوال وأن يكون منتجًا مشاركًا.
بالمناسبة، هل تغير شيء فعلي منذ فيلم "في مواجهة الحائط"، في ما يخص التعاون الألماني التركي على سبيل المثال؟
كيزيلتان: هذه الصداقة أقدم بكثير من شريط "في مواجهة الحائط" وتمتد حتى "شريف جوران" الذي قام بالعديد من الإنتاجات المشتركة مع ألمانيا. نعرف الكثير من المخرجين الذين يعيشون في ألمانيا. كما قام "فاتح أكين" بتصوير فيلم جديد في تركيا الآن، حيث قدمنا له العون لإنجاز عمله. يمكننا أن نفعل الكثير، بغض النظر عن المكان الذي نعيش فيه، سواء أكان ذلك المكان ألمانيا أو كندا أو غيرهما.
أجرى الحوار أمين فارزانيفار
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
السينما التركية تستعيد عصرها الذهبي
ثمة ظاهرة بارزة في السينما التركية الحديثة تتعلق بالتنوع والإبتكار، حيث صارت الأفلام السياسية والمواضيع الاجتماعية الحساسة تجد طريقها إلى الإنتاج الإبداعي عند الكثير من المخرجين السينمائيين. تقرير من إعداد أمين فارزانيفار