في رثاء حيدر عبد الشافي

توفي المناضل الوطني الفلسطيني الدكتور حيدر عبد الشافي في غزة عن ثمانية وثمانين عامًا. ترأس حيدر عبد الشافي الوفد الفلسطيني في أول مفاوضات أجراها الفلسطينيون مع إسرائيل في مدريد. تقرير بقلم ألكسندرا زينفت.

كان أصدقاؤه وأنصاره يكنّون له كلّ الاحترام والتقدير، ويطلقون عليه اسم "الدكتور حيدر". ارتبطت حياته تاريخيًا بالتاريخ الفلسطيني في القرن الماضي، منذ نهاية الهيمنة العثمانية على فلسطين حتى فشل محادثات السلام في الشرق الأوسط. ولد الطبيب والسياسي حيدر عبد الشافي في العام 1919 في غزة لأسرة عريقة لها ستة أطفال. كان والده من وجهاء موظفي الأوقاف الإسلامية.

غادر حيدر عبد الشافي وطنه شابًا لبضعة أعوام من أجل دراسة الطب في لبنان والولايات المتحدة الأمريكية. بدأ نشاطه السياسي على أبعد حد منذ بداية الحرب الإسرائيلية العربية، وقد عمل من أجل رعاية مصالح وشؤون الفلسطينيين الصحية والاجتماعية.

كان في العام 1947 بالاضافة إلى ذلك واحدًا من بين القليلين الذين أيَّدوا خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين. إذ أنَّه أدرك أنَّ اليهود سوف يبقون في البلاد وقد قبل بذلك كأمر واقع. كان يبذل إعلاميًا كلَّ ما في وسعه من أجل التعايش السلمي - قبل أن يفكر مجتمعه والمجتمع الإسرائيلي بمثل هذه الخطوة بفترة طويلة.

إدانة العمليات الانتحارية

كان حيدر عبد الشافي يؤمن من ناحية أخرى بأنَّه يجب على الفلسطينيين أن يكافحوا من أجل حقوقهم - بيد أنَّه كان يدين العمليات الانتحارية. كان يُحسب في البدء باعتباره واحدًا من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية على فصائلها اليسارية. كان يقول رأيه في الستينيات بصراحة وقد أبعدته إسرائيل مرتين عن البلاد بسبب مقاومته للاحتلال الإسرائيلي.

أسس في العام 1972 جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التي تعتبر النظير العربي للصليب الأحمر، والتي كان رئيسها حتى فترة قصيرة قبل وفاته. ابتعد حيدر عبد الشافي عن منظمة التحرير الفلسطينية، مفضلاً المحافظة على استقلالية آرائة ومواقفه الخاصة.

البحث عن السلام

لقد فرض حيد عبد الشافي احترامه على الآخرين بموقفه الحازم وبطبيعته غير الهجومية وبصراحته وتسامحه. لكن كذلك لم تكن تنقصه الظرافة وطيبة النفس على الإطلاق.

ظهر في العام 1988 مع حنان عشراوي وصائب عريقات في القناة التلفزيونية الأمريكية أ ب س، من أجل مخاطبة الجماهير الإسرائيلية والغربية وإفهامها ماهية المطالب الفلسطينية.

شهد العام 1991 لحظة مثيرة، وذلك عندما ترأس الوفد الفلسطيني في افتتاح مفاوضات السلام مع إسرائيل في مدريد.

افتتح حينها خطابه التاريخي الذي نقل في كلِّ أرجاء العالم، قائلاً: "نحن نبدأ في مدريد البحث عن السلام". وتابع: "نحن نخاطب الإسرائيليين الذين نتبادل معهم منذ زمن طويل تجارب مؤلمة قائلين لهم: دعونا نأمل بدلاً عن ذلك. نحن مستعدون للعيش معكم جنبًا إلى جنب في هذه البلاد... إلاَّ أنَّ التقسيم يحتاج إلى طرفين مستعدين للتقابل كشركاء على نفس المستوى".

ميزان قوى غير متساوٍ

ترأس حيدر عبد الشافي حتى العام 1993 الوفد الفلسطيني الذي شارك في المفاوضات في واشنطن. ثم تخلى عن هذه المسؤولية: إذ كان من وجهة نظره ميزان القوى ما بين إسرائيل والفلسطينيين غير متساوٍ إلى أبعد حد وقد تم تغييره من خلال الوساطة الأمريكية أكثر مما هو عليه لصالح الطرف الإسرائيلي.

بيد أنَّه كان ينتقد قبل كلِّ شيء استمرار بناء المستوطنات اليهودية فوق الأراضي الفلسطينية بشكل متواصل وبسرعة - معتبرًا هذه المستوطنات انتهاكًا للاتفاقيات المبرمة في المباحثات وأنَّها غير مناسبة لخلق الثقة أو حتى السلام.

انضم حيدر عبد الشافي بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى المجلس التشريعي الفلسطيني - حيث حصل في الانتخابات التشريعية على أصوات تزيد عما حصل عليه أيّ مرشح آخر.

وسيط ما بين الفلسطينيين

تعارك مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بسبب أسلوب القيادة غير الديموقراطي الذي كان ينتهجه ياسر عرفات وبسبب تفشي الفساد في السلطة الفلسطينية وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني والمتاجرة بها.

كان ياسر عرفات - على خلاف تعامله مع الناقدين الآخرين - لا يقدم قطّ على الإيعاز بمعاقبة حيدر عبد الشافي أو حتى على استجوابه أو سجنه. إذ أنَّ حيد عبد الشافي كان محبوبًا من الجماهير. حتى أنَّ الكثيرين يقولون إنَّّه كان باستطاعته ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة بفضل خبرته وحكمته وقدرته على تقدير الأمور.

بعد أن استقال من منصبه في العام 1998 قام بدور الوساطة ما بين التيارات والفصائل الفلسطينية المتعادية، بهدف إيجاد الوحدة الوطنية. كان يحظى باحترام الجميع وكذلك باحترام وتقدير أعضاء وأنصار الكتل والتجمعات الإسلاموية، على الرغم من أنَّه لم يكن متديِّنًا.

لا يوجد مثيل لحيدر عبد الشافي في نضاله من أجل نقل صورة واقع قطاع غزة المعزول وإيصال صوت الفلسطينيين إلى العالم. توفي "مناضل غزة الوطني الكبير" بعد معاناة شديدة مع مرض السرطان، في ليلة الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر الجاري بين أهله وأسرته.

بقلم ألكسندرا زينفت
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007