معارضة من ضواحي المدن الفرنسية
لقد كان من المتوقع في الانتخابات الفرنسية فوز حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الذي يتزعمه الرئيس ساركوزي بالأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية. ذلك لأن "المد الأزرق" (نسبة إلى لون حزب الإتحاد) بدا من الأمور المتوقعة التي لا محالة فيها بعد فوز ساركوزي في انتخابات الرئاسة أول مايو/أيار. كيف يتعامل مهاجري فرنسا من مسلمين وغيرهم مع هذا الواقع السياسي؟ في بداية الأمر كان يبدو أن كثيرا منهم غير راضين عن ساركوزي.
حسب الإحصائيات التي أُعلن عنها في التلفاز الفرنسي عشية الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة نهاية أبريل/نيسان فإن واحدا بالمائة من المسلمين الفرنسيين صوّتوا لحساب المرشح المحافظ. في حين أن 62 بالمائة من أصوات المسلمين الفرنسيين ذهبت إلى منافسة نيكولا ساركوزي سيغولين رويال.
"مغاربة" فرنسا ضد ساركوزي
مثل هذه الإحصائيات ينبغي على المرء دائما أن يتعامل معها بحذر، إذ أنها تعتمد على بيانات اختيارية ونظرات شخصية لأن استطلاعات الرأي المبنية على مبادئ مذهبية و"عرقية" ممنوعة رسميا في فرنسا.
أما بالنسبة للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة والانتخابات التشريعية فليست هناك حتى الآن بيانات تفصيلية عن سلوكيات الناخبين من المهاجرين المسلمين. إلا أن كثيرا من العائلات المهاجرة أظهروا عدم ارتياحهم الكبير من انتخاب نيكولا ساركوزي كرئيس لفرنسا.
وقد أوضح المعهد الفرنسي لاستطلاع الرأي العام في استطلاع أجراه في فبراير/شباط الماضي أن 23,4 بالمائة من المسلمين في فرنسا متجاوبين مع حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الحاكم. وفي المقابل يفضل 55 بالمائة منهم – حسب نتيجة الإستطلاع على الأقل - أكبر الأحزاب البرلمانية المعارضة، أي الإشتراكيين الفرنسيين.
وعلى وجه الخصوص في ضواحي المدن الفرنسية - حيث يقيم العديد من العائلات المهاجرة لأسباب اجتماعية واقتصادية – قام كثير من الناخبين أثناء انتخابات الرئاسة "بالتصويت ضد ساركوزي".
لقد كانت التعبئة ضد ساركوزي في ضواحي المدن الفرنسية فكانت أثناء انتخابات الرئاسة قوية للغاية، إلا أنها ضعفت أثناء الإنتخابات التشريعية الحديثة بشكل واضح. وكان ذلك أكثر وضوحا في ضاحية "كليشي سو بوا" التي تبعد عشرة كيلومترات شرق باريس والتي اندلعت منها أعمال الشغب في الضواحي التي استمرت لعدة أسابيع في أكتوبر/تشرين الأول 2005.
ففي انتخابات الرئاسة ذهب 82 بالمائة من الناخبين المسجلين في قوائم الإنتخاب هناك إلى صناديق الإقتراع، في حين أن نسبتهم كانت فقط 46 بالمائة في الجولة الأولى من الإنتخابات التشريعية.
تدرج وظيفي تحت ساركوزي؟ رشيدة داتي أحد الأمثلة
ينال نيكولا ساركوزي والمجموعة السياسية من حوله أيضا مساندة من عائلات المسلمين المهاجرين. حتى أن بعضهم استطاع بفضل ساركوزي أن يتدرج في السلك السياسي. مثال على ذلك وزيرة العدل الجديدة السيدة رشيدة داتي ذات الواحد وأربعون عاما، والتي تولت أحد منصبي المتحدث الرسمي باسم المرشح ساركوزي خلال المعركة الإنتخابية للرئاسة.
تنتمي رشيدة داتي إلى أسرة مغربية جزائرية كثيرة الأولاد فقيرة الأحوال مما اضطرها إلى الكفاح لترقى بمستواها. وقد عملت كمدعي عام في وزارة العدل برئاسة الوزير السابق ألبين شالاندون. وشغلت هذا المنصب لمدة ستة أعوام حتى تولت منصب الوزير الحالي. وهذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة فرنسية "من أصل عربي" حقيبة وزارية مهمة في الحكومة الفرنسية.
من الممكن أن تُقارن رشيدة داتي في القريب مرارا بكوندوليزا رايس وبدورها في حكومة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش. ومما لا شك فيه أنها سوف تكون قوية الشكيمة في الشهور الأولى من تقلدها المنصب حتى تثبت قوة شخصيتها لحكومة اليمين، الشيء الذي أعلنته في برنامجها لمكافحة الجنح بين الأحداث والشباب. وعدد غير قليل من هؤلاء الشباب ينتمي إلى عائلات مهاجرة لأن كثيرا من هذه العائلات أسفل الهرم الاجتماعي ويقيمون في الضواحي ذات "الطبقات الإجتماعية الصعبة".
في الماضي تم تجميع المهاجرين والطبقات الفقيرة من "الأهالي الأصليين" في مثل هذه البؤر الإجتماعية. لهذا فإن التخطيط لتشديد العقوبة سوف يؤثر في المقام الأول على الشباب المهاجر من المغرب العربي ومن بلاد إفريقيا الأخرى.
بين تشويه صورة المهاجرين ودعمهم
يعد مشروع القانون الجنائي الخاص بالأحداث أحد المشروعات الأولى التي سوف تُُشغل السيدة داتي في الأسابيع القادمة والذي سوف يُصادق عليه في جلسة البرلمان الصيفية الطارئة في شهر يوليو/تموز. فبناء على هذا القانون يحاكم الشباب ما بين السادسة عشر والسابعة عشر من العمر - الذين ارتكبوا جريمة ضد القانون عدة مرات – في المستقبل طبقا للقانون الجنائي الخاص بالبالغين سن الرشد. وإذا رأى القاضي غير ذلك فعليه أن يدعم حكمه بحجج مكتوبة.
يبدو أن ساركوزي أدرك أنه لا بد أن يستفيد من قدرات ومواهب أبناء المهاجرين ذات الكفاءات العالية، ورشيدة داتي تعتبر أحد رموز هذه الكفاءات. ولكن وزير الداخلية السابق ورئيس الجمهورية الحالي لم يتهيب من تشويه صورة أبناء العائلات المهاجرة ذوي المشاكل الإجتماعية.
اتهم لاعب كرة القدم ليليان تورام، الفرنسي المولد والذي ينتمي إلى أصول زنجية من جزيرة غواديلوبي التابعة لجزر الأنتيل، ساركوزي عدة مرات قبل انتخابه بأنه يساعد على نشر العنصرية في المجتمع. فحسبما قال تورام أن ساركوزي قال له في مقابلة خاصة أن الزنوج والعرب هم المسؤولين عن مشاكل الضواحي.
مقال برنارد شميد
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2007
قنطرة
لا وجود لصوت إسلامي موحد!
"اذهبوا إلى صناديق الإقتراع" - بهذا النداء توجه ممثلو المنظمات الإسلامية في الأيام الأخيرة قبل الجولة الأولى من إنتخابات الرئاسة إلى المواطنين المسلمين في فرنسا. على الرغم من ذلك لم يستطع أحد المرشحين الإثنى عشر كسب ودّ المنظمات الإسلامية الكبيرة. مقال بقلم غوتس نوردبروخ