شواطئ سيدني الجميلة مسرح لأعمال شغب
في الـ11 من كانون الأَول/ديسمبر لاحق حشد يقرب من حوالي 5 آلاف من المشاغبين السكارى، وكلهم من الأستراليين البيض في أحد شواطئ سيدني مجموعةً من أشخاص بدت ملامحهم شرق أَوسطية. لقد حدث ذلك بالذات في المدينة الأسترالية الأكبر التي ترعى صورة التعدد الثقافي فيها: ربع المواطنين البالغ عددهم 20 مليون نسمة مولودون في الخارج.
ثمة حوالي ثلاثمائة أَلف مواطن أوسترالي من أَصل لبناني، والشاب شاهين مصري واحد منهم. فهو يمارس رياضة رفع الأَثقال في صالة »كورنَر كلوب« الرياضية المكيفة بهواء منعش - تمامًا على عكس ما هو عليه في الخارج، حيث يتحوَّل الهواء في منتصف الصيف الأوسترالي إلى لظى. تقع هذه الصالة الرياضية التي يتردَّد عليها بشكل رئيسي شبان لبنانيو الأَصل في ضاحية بانكستاون الواقعة في غربي سيدني.
مصادرة الهواتف النقالة
شاهين الذي يبلغ 19 عامًا من العمرغاضب مثل الشبان اللبنانيين الآخرين الذين يتدرَّبون معه في هذه الصالة. فمنذ أَعمال العنف يتم توقيفهم بشكل يومي تقريبًا من قبل دوريات الشرطة التي يضطرون إلى تحمُّل أسئلتها الملحَّة. يقول شاهين: "هم يريدون دائمًا وأَبدًا التحقّق من هاتفي النقَّال؛ ويأخذونه منِّي حتى عندما أَعترض". انهم يبحثون في الهواتف النقَّالة عن رسائل تحريضية.
وبالنسبة لشاهين تعتبر حوادث التمييز جزءً من حياته اليومية: "إنَّهم يشتموننا في الأَماكن العامة كإرهابيين! وقد مزَّقواحجاب شقيقتي. في وقت ما سوف نسأم من كل ذلك. أَشعر أَحيانًا، أَنَّني جالس فوق بركان، مسدود بغطاء من الورق فقط".
يقوم شاهين وأَصدقاؤه مساءً بجولات طويلة، يسافرون فيها بالسيارات إلى الشواطئ الواقعة في الضواحي الشرقية من مدينة سيدني. حيث يعتبر شاطئ كرونولا الذي انطلقت منه أَعمال العنف الأَحيرة المكان المفضًّل للقاء الشبان اللبنانيين. هنا في هذا الشاطئ يسعى الشبان الذين "لهم ملامح شرق أَوسطية" - مثلما يتم وصفهم في وسائل الإعلام بشكل سليم سياسيًا، إلى الاستمتاع بنصيبهم من "طريقة الحياة الأسترالية".
تعتبر الشواطئ في أستراليا، البلد الذي يعيش فيه أَكثر من 80 بالمائة من سكانه في مناطق تبعد أَقل من 50 كيلو مترا عن البحر، بمثابة مقدَّسات. فهنا لا يقتصر التمتّع بالشواطئ على رياضة ركوب الأمواج؛ إذ يذهب الأوستراليون إلى الشاطئ من أَجل الاستجمام ولقضاء أَوقات ممتعة وليجتمعوا ببعضهم.
لكن ومنذ فترة طويلة لم يعد كل سكان سيدني قادرين على ممارسة هذه المتعة بقدر مساوٍ. فأَغلب الأوستراليين البيض الأَثرياء يسكنون على الشاطئ مباشرة في الضواحي الشرقية. بينما يسكن المواطنون الأَقل ثراءً، ولا سيما المهاجرون الكثيرون، الآسيويون وكذلك المهاجرون القادمون من الشرق الأَدنى والأَوسط، في الضواحي الغربية. فكلما ابتعدت المنطقة السكنية عن الشاطئ، كلما انخفض سعر السكن.
إنَّهم يأَتون ويزعجون فتياتنا على حدّ قول رياضي ركوب الأمواج، ذي الشعر الذهبي الطويل، مايك بانتون الذي يبلغ 24 عامًا من العمر والذي يرتدي قميصًا، يظهر عليه العلم الأسترالي. "عدا ذلك فهم لا يحسنون التصرّف. وهذا الشاطئ شاطئنا".
نحن وهم
تُستخدم هاتان الكلمتان الصغيرتان، "نحن" و"هم"، لدى سكان الضواحي الساحلية في سيدني بمعانٍ كبيرة. تقوم حاليًا دوريات شرطة خيَّالة بالحفاظ على الهدوء والسلام، كما تتجوَّل دوريات بدرَّاجات في المتنزَّه الساحلي.
يقول رياضي ركوب الأمواج والبالغ 42 عامًا من العمر، سين كاسيدي، مستنكفًا: "سوف يظل النزاع على الشاطئ قائما، طالما بقيت قادرًا على التفكير. التدرّج موجود على الدوام - هرمون التَستسترون والكحول والحرّ". في الحقيقة يعود تاريخ هذه الجدالات لفترة طويلة.
ففي الستينات حصلت نزاعات في كرونولا ما بين رياضيي ركوب الأمواج المعروفين باسم "سورفيس" من سكان كرونولا المحليين وشباب من غربي المدينة كان يطلق عليهم في تلك الأَيام اسم "روكيس".
لكن الأَوضاع تفاقمت هذه المرَّة في مناطق الشاطئ الأَقل بهجة لتتحوَّل إلى أَشدّ أَعمال العنف العنصرية التي شهدتها أستراليا. وكان السبب شجارا دار بين شبان لبنانيين ومنقذي سباحة. حيث حاول منقذو السباحة العاملون في الشاطئ منع اللبنانيين من لعب كرة القدم على الشاطئ، فقام الشبان اللبنانيون بضرب منقذي السباحة.
ثم دعا بعض السكان الغاضبين إلى إقامة حفل شعبي تضامني، وكان دور المحافظين من مذيعي الإذاعات، كمَنْ يسكب النفط على النار. وهكذا أَخذت المجموعات اليمينية تطهو ولائمها في هذه الأَجواء الساخنة. بالإضافة إلى ذلك انشغلت الأَطراف المعنية بتحريض بعضها البعض، بواسطة رسائل تحريضية يتناقلونها بالهواتف النقَّالة.
أَسفرت أعمال العنف التي استمرَّت طيلة يومين، عن جرح أَكثر من 20 شخص، واعتقال 200 شخص اعتقالاً مؤقتًا وتحطيم أَكثر من مائة سيارة. وفيما بعد اذ أَصبحت الشواطئ تمتلئ بالزوَّار من جديد اتّضح أَنَّ الأَشياء ليست كلّها وردية اللون، مثلما تُعرض - ومن قبل الحكومة أَيضًا.
فقد أنكر رئيس الوزراء الأوسترالي، جون هاورد "وجود تمييز عنصري خفي في هذا البلد". ونتيجة ذلك نظمت صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد، وهي واحدة من أَهم الصحف الأسترالية، استفتاءً عامًا، تبيَّن طبقًا له أَنَّ 75 بالمائة من الشعب الأوسترالي يفكرون بالعكس تمامًا.
بقلم سباستيان كروغر
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006