"اضطهاد المثليين المسلمين يبعدهم عن دينهم وعن المساجد"
رهاب المثلية الجنسية بات حقيقة موجودة اليوم، وأضحى منتشراً على نطاق واسع ومتجذراً أيضاً بعمق في الأوساط المسلمة. ومع ذلك لا يتم الحديث عنها إلا نادراً. الآن وبالذات بعد هجوم (مدينة) أورلاندو (الأمريكية الذي استهدف ملهى ليلياً للمثليين وأسفر عن مقتل العشرات)، طُرحت أسئلة، لطالما خلقت نفوراً في الأوساط المسلمة ولكن الآن أصبح ينظر لرهاب المثلية على الأقل كإشكالية.
ولكن ربما لا يستمر هذا النقاش إلا لفترة وجيزة جداً، لأن نقاش مطول حول ملامح وأسباب الخوف من المثلية الجنسية في المجتمعات المسلمة -حتى النقاش داخل هذه المجتمعات- لم يسبق له حقاً أن وُجد. فعندما يراد مناقشة الجوانب اللاهوتية، لا يتناول النقاش أبداً سوء الأحوال الاجتماعية التي تقوض المشاركة الاجتماعية للمثليين المسلمين. أيضا بيننا نحن المسلمين يثار النقاش حول المثلية الجنسية بخجلٍ وتحفظٍ بشكل ممنهج.
وهنا تقع المسؤولية علينا جميعاً: إذا أردنا تغيير المجتمع إلى الأفضل، يجب أن تثار إشكالياته وتطرح للنقاش، ويجب أن يبدأ كل فرد من أفراد المجتمع بنفسه. فقط بعد فظاعة هجوم أورلاندوا،بدأ ينشأ الآن نقاش بعد سباتٍ عميق.
حينما نشهد أحداثاً مشينة، يصبح المسلمون في كثير من الأحيان ملزمين باتخاذ موقف، وذلك سواء بتبني دور الضحية والتعاطف معها، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالجاني وجرمه أو إدانته. ولكن ما يجب أن ينطبق على الجميع، هو ألا أحد لديه الحق في أن يسيء معاملة شخص آخر بسبب ميوله الجنسية أوحتى إقصائه من محيطه ومجتمعه، بغض النظر عن الرأي الشخصي للفرد حول المثلية الجنسية.
في نهاية المطاف يتعلق الأمر بالتعامل السلمي المتسامح، والذي يعد حجر الأساس لأي مجتمع سليم. لاسيما إذا تعلق الأمر بمجتمع يتخذ من النبي نموذجاً وقدوةً له في التسامح والرحمة والرأفة.
المعاملة بازدراء تتعارض مع قيم الإسلام
عندما تطغى منذ البداية لهجة الازدراء على الحوار، فلا يمكن لأحد أن يتوقع من الطرف الآخر التقدم خطوة إلى الأمام. حين تزداد شدة تحريم المثلية الجنسية في الأوساط المسلمة، فهل يوجد سبب للعجب عند ابتعاد المثليين المسلمين عن المساجد، وبالتالي ابتعادهم عن دينهم ومعتقدهم؟ كما أنه لا يجب الاستغراب من الضغينة التي يكنها المثليون الجنسيون غير المسلمين للمسلمين، وذلك بسبب معاملتهم بازدراء.
هنا يكون التضامن في الإسلام هو الحل باعتباره فضيلة أساسية. ويتميز الدين الإسلامي بمراعاة الآخر. وهو دين منفتح ومتاح للجميع، ويضمن لكل فرد بالتساوي الحق في تقرير مصيره، باستقلالية تامة ودون قيود مفروضة. إن القرار في تشكيل الحياة وفق رغبة الفرد -بشرط ألا يتعارض هذا مع حرية الآخرين- متاح وفق المبادئ الإسلامية الأساسية في يد أي فرد ولا يحق لأحد محاكمة أي شخص بسبب قراره الشخصي.
ومع ذلك فقد لوحظ في الأوساط المسلمة وجود درجة عالية من رهاب المثلية الجنسية [الخوف منها]. هذه الكراهية ليست دائما واضحة -و هذا هو لب المشكلة. قد تتبلور في كثير من الأحيان في تصريحات قصيرة، وبلهجات وكلمات غير ملفتة للانتباه، أو قد تظهر فقط في بعض المواقف التي لا ينظر لها كمشاكل تحتاج للطرح والنقاش.
التشهير والقذف تحول إلى لغة دارجة
لا يمكن الاستمرار في تجاهل حقيقة رهاب المثلية الجنسية في الأوساط الشباب المسلم، لهذا ينبغي توعية الشباب المسلم على وجه الخصوص. وقد قام أحد المدونين الشباب، وهو من أصل تركي ومعروف بين أوساط الشباب بنشر فيديو: عبارة عن" مزحة "على قناته الخاصة على يوتيوب: وفي هذا الفيديو مثّل الشاب دور شاب مثلي الجنس يكشف ميوله الجنسية المثلية، وكان هدف المدون الشاب من هذه المزحة هو تصوير وكشف ردة فعل والده تجاه المثلية الجنسية، إلا أن الأب من شدة غضبه كاد يضرب ابنه، في المقابل حاول الشاب استرضاء والده، موضحاً له أن الأمره كله كان مجرد مزحة، كان يجب أن تقابل بالضحك بدلاً من القلق.
في المجتمعات الإسلامية تعد المثلية الجنسية أمراً محرماً. لكن لا يمكن أن ينتظر أي أحد أن يتم التعامل معه بتسامح في حين أنه هو نفسه يقصي الآخرين، لأن التسامح لا يمكن أن يكون فقط من طرف واحد. ومن يرغَب بالتضامن معه فعليه أيضاً أن يعيش التضامن مع الآخرين، كما ترى بشرى ديليكايا في رؤيتها التالية.
وفي كثير من الأحيان يصف الشباب المسلمون ما يرونه غير مألوف بالنسبة لهم بأنه "مُخنَّث" و" لوطي ". ويتحول التشهيروالقذف بمرور الوقت إلى لغة دارجة. إذ يبدأ الأمر عادياً، عندما لا يتحدث أحد عن المشكلة، ولا يبدي أحد اعتراضه، حتى تصبح لغة القذف والتشهير من الأمور العادية والطبيعية و في المقابل يُنظر لأي نقاش مشروع بأنه مرواغة. كما أن تناول الشخص لنقاش مشكلة رهاب المثلية الجنيسة داخل المجتمعات المسلمة، يؤدي إلى تشكيك المجتمع في فهمه الصحيح للإسلام وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى التشكيك في إيمانه. ولهذه المشكلة عواقب وخيمة.
كما أنه من الملفت للنظر أن الرجال المسلمين بالأخص، يُبدُون اشمئزازاً واضحاً تجاه الرجال مثليي الجنس،مما يرجِّح وجود علاقة بين فعل الاشمئزاز وعقدة الذكورة عند الرجال. في كثير من الأحيان يتم إطلاق صفة "مثلي الجنس"، على أي رجل يظهر عليه أي تصرف أو سمة، قد يبدو شبيهاً للصفات الأنثوية. لهذا تقاس درجة الذكورة في الرجل بانعدام أي صفة أنثوية، لأن وجود وانعدام هذه الصفات الأنثوية في المجتمعات العربية والإسلامية له علاقة وطيدة في تحديد قيمة الشخص كرجل. ولذلك من المنطقي أن نقول أن عوامل رهاب المثلية الجنسية قد تتقاطع بلا شك مع الهيمنة السلطوية الذكورية في نقاط محددة.
التضامن لا يكون من طرف واحد
نادراً ما نشهد مشاركة المسلمين في حركات مناهضة للكراهية ولا تعنيهم شخصياً. ولكن لا يمكن أن نتدخل فقط،عندما يتعلق الأمر بالحقوق والمصالح الشخصية. من يطالب بالتضامن، يجب أن يقدِّم التضامن أيضاً. ومن يحرك العداء والكراهية، يجب أن يستطيع التعامل مع العداء والكراهية.
لا يمكننا أن نتحدث فقط عن الإسلاموفوبيا، فإلى جانبها هناك أيضاً رهاب المثلية الجنسية ومعاداة السامية ومعاداة الغجر والعنصرية الثقافية، لأن المسلمين ليسوا الأقلية الوحيدة التي تعاني من الإقصاء اليومي ولا يقتصر كل عداء على الإسلام فقط.
فقط عندما نتوقف عن موازنة التضامن مع التعاطف ونتوقف عن البدء في إيجاد التحيز في أي نقاش، حينئذٍ يمكن أن تنشأ المساواة خارج مجتمعنا أيضاً.
بشرى ديليكايا
ترجمة: إيمان ملوك
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016
بشرى ديليكايا من مواليد عام 1995، تدرس علوم وأدب اللغة الألمانية والتاريخ. وهي كاتبة مستقلة في برلين و تكتب في مدونة بعنوان "خيوط الأفكار ".