كبلان والموقف من المسلمين
غالباً ما يتم الحديث حول هذا الموضوع خلف ابواب موصدة، لكن استطلاعات يعتد بها للرأي تظهر قلقاً متزايداًَ في الأوساط الألمانية من الإسلام، وفي ذلك ما يثير الفزع، لكن الكثير من الألمان ينظرون آلياً لمفردة الإسلام كما لو أنها رديف للتطرف واضطهاد المرأة ومن ثم الإرهاب،الأمر الذي يعني تشويها متكاملاً لسمعة أحد الأديان العالمية.
ولا أرى هنا أن وسائل الإعلام وحدها التي تتحمل المسؤولية عن ذلك، تلك التي لاتميز بوضوح بين العقائد وما يسمى بالجهاد المقدس، بل أن من يتحمل المسؤولية هم المتطرفون المدينيون من نوعية متين كبلان، الذين يعملون في هذا الاتجاه بفاعلية كبيرة في الأوساط العامة رغم كونهم لا يشكلون مع أتباعهم إلا أقلية تكاد لاتذكر.
ومما لاشك فيه أن منظمة دولة الخلافة التي تم حظر نشاطاتها تمارس أدواراً خطيرة وقد حظرت على أساس مواجهتها المثبتة للدستور في المانيا، لكنها من الناحية العملية أشبه ماتكون بالتنظيم العقائدي المفتقر للقاعدة الشعبية.
ومن ثم فإننا نجد أن غالبية الأتراك والمسلمين في هذه البلاد لايقرون صنائع من يطلقون على أنفسهم تعبير الخلافة، والمنظمة الناطقة باسمها التي كانت تنطلق من كولونيا، تماماً كما تفعل غالبية المواطنين الألمان، لكن مع فارق معاناة الأتراك من تكرار نسبة إلصاق صنيع جماعة كبلان بهم، أو اضطرارهم للدفاع عن أنفسهم إزاء مثل هذه الاتهامات.
الإبعاد في صالح سمعة المسلمين
ولعل من المناسب الفراغ الآن من إتمام إبعاد كبلان عن الأراضي الألمانية، رغم توفر الاعتقاد بوجود بعض المناورات والحيل التي أعقبت البعض من الإخفاقات السابقة، بهدف الفراغ نهائياً من هذا الموضوع.
إن ما حدث يخدم في النتيجة سمعة المسلمين المقيمين في المانيا، بعد اختفاء الصورة التي يعرضها كبلان لنفسه في وسائل الإعلام الألمانية كونه أحد المسلمين البارزين، مع أن مثل هذه الخطوة جاءت متأخرة كثيراً لتؤكد قدرة المانيا على صيانة مبادئها الديمقراطية.
ولقد ثبت صحة المسار الذي سلكه قرار الحكم على كبلان وتوافقه مع قرارات حكم سابقة كانت ترى أن من يمارس التحريض ضد اليهود ويعمل على إزالة القيم الديمقراطية ويدعو علناً إلى القتل يكون فقد حقه في البقاء بهذا البلد.
تركيا على المحك
ومع أن من المتعين على دولة القانون ضمان التعامل العادل حتى مع خصومها لكن على دولة القانون في المقابل أن لاتجعل من المؤسسات القضائية وسيلة لتمكين هؤلاء من التجاوز عليها، أو توفر الحماية لهم من الملاحقة القانونية في بلدان أخرى، إذا ماكانت تلك البلدان أكدت تنظيم محاكمة عادلة لمثل هؤلاء.
ونقول إن قضية كبلان وضعت تركيا على المحك، إذ أن عليها الآن إثبات فاعلية أحدث إصلاحات قانونية اتخذتها، وأن القضايا المتعلقة بالخيانة العظمى يمكن تتنظيمها والتعامل معها بطريقة تؤمن العدالة، تماماً كما هو المأمول من دولة مرشحة للانتماء إلى الاتحاد الأوربي، في الوقت الذي لاتساور أوتو شيلي وزير الداخلية الألماني أي شكوك حول توفير مسار قانوني عادل في قضية التخطيط للاعتداء على ضريح أتاتورك.
ونرى أن الواقع يشير إلى استبعاد احتمالية تعريض ميتين كبلان للتعذيب، فتركيا تدرك حق الإدراك أن الأوربيين يتابعون بدقة مسار هذه القضية.
أما الموضوع الحاسم فيبقى متجسداً فيما إذا كان القضاء التركي سيستأنس لدى النظر في قضية كبلان بإفادات أخذت قبل ست سنوات ممن يوصفون بأتباع كبلان، مع أن سلطة القضاء الألماني ترى أن هذه الإفادات انتزعت تحت طائل التعذيب، وما لم يتم معالجة هذه الشبهات والإتيان بأدلة بديلة فقد تتحول قضية كبلان في تركيا إلى رواية لانهائية الأبعاد.
راينر زوليش، دويتشه فيلله 2004