آفة العنصرية لا تقتصر على الغرب
اللغة هي مرآة الحياة اليومية تكشف عن كلِّ تفاصيل المعيشة وبالإمكان العثور في اللغة العربية الفصحى وكذلك في اللهجات والدارجات العامية المختلفة على تعبيرات عنصرية كثيرة تشير إلى الأشخاص ذوي البشرة السمراء الداكنة، وهي تعبيرات مُهينة وغير إنسانية وتؤكِّد على تفوُّق الأشخاص ذوي البشرة البيضاء أو الفاتحة، وبعض هذه التعبيرات تعود إلى زمن كانت لا تزال تمارَس فيه تجارة الرقيق والعبودية في العالم العربي والإسلامي.
وهي تعبيرات استمر وجودها وترسَّخت حتى في التعبيرات المجازية والأمثال المستخدمة يوميًا في العالم العربي، فيُعتبر اللون الأسْوَد في الأمثال شُؤمًا ونذير سوء وكذلك يُستَخدَم اللونان الأسود والأبيض كنقيضين يرمزان إلى السيئ أو الجيِّد ضمن سياق اختيار شركاء الحياة، أو فيما يتعلق بوصف المشاعر والتجارب.
ومع ذلك، توجد مؤشرات تشير إلى التغيير: فقد أثارت حركة "حياة السود مهمة" الكثير من الاهتمام في العالم العربي. إذ كانت توجد من ناحية تغطية إعلامية واسعة في وسائل الإعلام المحلية والخارجية والبرامج الحوارية وخرجت مظاهرات للتضامن وأُطلقت حملات عبر الإنترنت من أجل دعم الاحتجاجات في الولايات المتَّحدة الأمريكية؛ ومن ناحية أخرى، فقد شجَّعت هذه الحركة أكثر على الاهتمام بموضوع العنصرية في المنطقة العربية.
وصول حركة "حياة السود مهمة" إلى العالم العربي
وخير مثال على ذلك زينب مريم كنعان، وهي صحفية لبنانية ولكن أمها من سيراليون. في شهر حزيران/يونيو 2020 وفي ذروة احتجاجات حياة السود مهمة، نشرت على صفحتها على موقع فيسبوك تقريرًا حول تجاربها الخاصة، أعربت فيه عن تضامنها مع احتجاجات السود في الولايات المتَّحدة الأمريكية، ووصفت فيه التمييز، الذي تعرَّضت له منذ طفولتها. وكتبت زينب مريم كنعان أنَّها اندهشت من رؤيتها كيف يعبِّر اللبنانيون عن تعاطفهم مع السود في الولايات المتَّحدة الأمريكية بينما يقفون مكتوفي الأيدي حيال العنصرية في بلدهم.
تصف الشابة زينب مريم كنعان كيف كانت - وما زالت - تتعرَّض للاحتقار والإساءة والقولبة النمطية داخل الأسرة والمدرسة والجامعة وحتى في سيارة الأجرة. استمر تناقل الصور النمطية حتى في مادة التربية الدينية، مثلًا في قصة بلال الحبشي، الذي يعتبر أوَّل مؤذِّن في التاريخ الإسلامي. وهذه الحقيقة يتم استخدامها لإثبات موقف الإسلام المناهض للعنصرية، ولكن يتم في الوقت نفسه وصف بلال بعبارات عنصرية.
وهذه التجارب أدَّت في فترة مراهقتها إلى جعل زينب مريم كنعان تكره ذاتها وتشعر بصعوبة في علاقتها مع والدتها. لكن مع ذلك، تقول زينب مريم كنعان إنَّها بفضل جنسيتها اللبنانية أفضل حالًا من كثيرين ممن يعانون من العنصرية في لبنان، خصوصًا العمَّال المهاجرين من جنوب آسيا. فالعمَّال المهاجرون يخضعون في لبنان لنظام كفالة يخلق هياكل تشبه العبودية. وهذا النظام - المنتشر أيضًا في جميع دول الخليج العربي - يربط العمَّال المهاجرين بكفيل من أبناء البلد، بإمكانه أن يفرض عليهم رواتبهم ويقيِّد حرِّية تنقلهم وظروف العمل من دون أية رقابة.
تصف سناء الفزاني - وهي من المنطقة الجنوبية في ليبيا - تجاربَ تشبه تجارب زينب مريم كنعان من لبنان، وتقول إنَّها لا يتم التعامل معها بشكل جاد أثناء الحديث معها وتتعرَّض للتحرُّش والمضايقات في الجامعة بسبب لون بشرتها. وتضيف أنَّ معظم النُخب في الدولة من البيض.
العنصرية في العالم العربي: انهيار المحظور
يتَّفق الناشطون في المنطقة على أنَّ الناس هنا يميلون إلى ملاحظة العنصرية في الغرب وإدانتها، بينما يسود لديهم تجاهل كبير عندما يتعلق الأمر بهذه الظاهرة في بلادهم أو في المنطقة.
يشير محمد عزمي، وهو مدير المرصد المصري لمناهضة التمييز العنصري، إلى تحقيق تم نشره في عام 2018. وفي هذا التقرير، سلَّط الضوء هو وفريقه على العنصرية في وسائل الإعلام المصرية - سواء في البرامج الإخبارية أو في البرامج الحوارية والأفلام. وبحسب استنتاجاتهم فإنَّ نصف الأفلام المنتجة في مصر بين عامي 2007 و2017 يتم فيها التقليل من قيمة ذوي البشرة السمراء والسخرية منهم بسبب لون بشرتهم أو بسبب لهجتهم المصرية الصعيدية. وكذلك يحصل في الأفلام الأشخاص القادمون من صعيد مصر على أدوار نمطية كبوَّابين في عمارات أو خدم.
وعلاوة على ذلك فقد تم استخدام لغة عنصرية وكلام ينم عن كراهية في نحو ثلث البرامج الحوارية والبرامج الإخبارية، التي تم إنتاجها بين عامي 2011 و2016 وتناولت مواضيع من منطقة صعيد مصر. زد على ذلك أنَّ توظيف الأشخاص من ذوي البشرة السمراء في وسائل الإعلام (المصرية) يعتبر بحسب التقرير ضئيلًا جدًا.
ولذلك يطالب محمد عزمي بمطالب منها التمثيل المناسب لذوي البشرة السمراء في وسائل الإعلام. وهو يريد من وسائل الإعلام بالإضافة إلى ذلك أن تقوم بتطبيق المبادئ الأخلاقية وأن يتم أخيرًا إقرار قانون لمناهضة العنصرية.
أمَّا التعبيرات المجازية والأمثال العربية فتكشف عن ظواهر عنصرية إقليمية ومحلية أخرى داخل الدول العربية. فهي تدور مثلًا حول تحقير البدو والنساء والأكراد مقابل العرب أو بالعكس، وحول التقليل من شأن الأشخاص بناءً على انتماءاتهم الدينية وتوجهاتهم الجنسية وبسبب وجود إعاقة جسدية لديه، والقائمة تطول.
ومع ذلك يوجد بعض التقدُّم الخجول. فقد نشأ في تونس نقاش حاد حول العنصرية منذ الثورة عام 2011 - أتاحت قيامَه حرِّيةُ التعبير عن الرأي والمجتمعُ المدني التونسي المفعم بالحيوية والنشاط. وقد أدَّى ذلك إلى إصدار أوَّل قانون لمناهضة العنصرية في العالم العربي. ففي شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2018، أصدر مجلس نوَّاب الشعب التونسي (البرلمان) قانونًا يُعرِّف العنصرية ويُجرِّم الإدلاء بكلام عنصري والأفعال العنصرية.
ولكن هذا القانون موجود فقط على الورق، مثلما ترى خولة كسيكسي، وهي إحدى مؤسسي جمعية "صوت النساء السوداوات التونسيات"، وذلك - مثلما تقول - لأنَّ ضحايا التمييز والاعتداءات العنصرية لا يملكون الوسائل اللازمة من أجل السير في الطرق القانونية الطويلة والمكلفة. وبحسب رأيها فإنَّ الإرادة السياسية من أجل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية المنصوص عليها في القانون لا تزال غائبة.
وفي هذا الصدد تقول المحامية التونسية خولة كسيكسي إنَّها تحلم برؤية صور لأطفال سود أيضًا في الكتب المدرسية وبحصول التونسيين السود على مناصب رفيعة في الدولة والمحاكم.
منى نجار
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: مجلة التنمية والتعاون / موقع قنطرة 2021
منى نجار صحفية مستقلة تقيم في بيروت.