مسلمون أولاً ومثليون ثانياً
ولد بارفيز شارما وترعرع في الهند ويعرف نفسه على أنه مِثليّ الجنس ومسلم على حد سواء. قَدِمَ في عام 2000 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه شعر بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر بالحاجة "للإعلان" عن أنه مسلم. ويقول بهذا الصدد: "بذلك تغيّرت الأمور بشكل أو بآخر، فقد غدا الإسلام في داخلي فجأة جليًا للغاية". لكن شارما كان في الوقت ذاته محبطًا من صورة الإسلام السلبية المنتشرة في الغرب. وقد أتاح له العمل على فيلم "جهاد من أجل الحب" عرض قصة الإسلام من خلال أعين رواته الأكثر غرابةً، ألا وهم المِثليون المسلمون والسحاقيات المسلمات".
تعكس شخصيات بارفيز شارما الرئيسة عوالم مختلفةً تمامًا في الإسلام من تيارات السنة والشيعة والتقليديين والمحدِّثين وشديدي التديّن وذوي التوجهات الدينية والدنيوية الأخرى. نشاهد في الفيلم إمامًا في جنوب أفريقيا كان قد أعلن جهارًا عن ميوله المِثليّة ونرى مصريًا كان قد اعتُقِلَ وعُذِبَ قبل هربه إلى فرنسا وسحاقيتين في تركيا وأربعة شبان فروا من إيران ويعيشون اليوم في كندا.
أما العامل المشترك بين كل هذه الشخصيات فهو إخلاصهم وولاؤهم الشديد لدينهم. وعلى الرغم من كل المحن التي تعرضوا لها لم يتنازل أيٌّ منهم عن معتقده. صرف بارفيز شارما وقتًا طويلاً في بناء علاقة ثقة مع الأشخاص الذين صوّرهم، الأمر الذي أتاح لهم أن يكونوا صريحين معه إلى حدٍّ بعيد وأن يطلعوه على تجاربهم الأكثر خصوصيةً المتعلقة بالإيمان وبحياتهم الجنسية. هذا الانفتاح الروحي كان له الأثر البالغ على بارفيز شارما نفسه.
دروس في الإيمان
ويقول بارفيز شارما عن هذا الأثر: "لقد قطعت دربًا طويلاً لكي أستعيد الإيمان والإسلام لنفسي من جديد، مستعينًا بهذا الفيلم. أشعر نفسي وكأنّي قمت برحلةٍ في عوالم الإسلام الكثيرة وقد أحسست بالآلام التي عانتها شخصياتي الرئيسة، وبذلك اقتربت يومًا بعد يوم من الإيمان".
التأويل التقليدي للقرآن يدين المِثليَّة الجنسية بوصفها معصيةً كبرى ويعتبرها من المحرمات. ويجد هذا انعكاسًا له في قوانين معظم البلدان الإسلامية، حيث تعتبر الممارسات المِثليَّة فيها جرمًا يُعقاقبُ عليه القانون. ولأن بارفيز شارما كان يعرف أنه لن يحصل على ترخيصٍ بتصوير فيلمٍ يتناول موضوعًا محرّمًا كهذا من حكومات البلدان التي صوَّر فيها فيلمه، فقد أنجز جزءًا كبيرًا من فيلمه بشكلٍ سرّي. ويوضح الأمر بقوله: "قدمت نفسي باعتباري سائحًا، الأمر الذي مكنني الذهاب بحرية إلى أي مكان أريد، لا سيما وأن ملامحي تشبه ملامح الناس في تلك البلدان".
هوية بارفيز شارما الدينية مكَّنته من أن يصنع فيلمه من موقع المنتمي والمطلع، وقد فعل ذلك بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام لإيمان الشخصيات التي وردت فيه. ويقول بارفيز شارما بهذا الصدد: "أتاح لي انتمائي الديني في نواحي كثيرة أن أصوّر الفيلم "بعدسةٍ إسلاميةٍ" وبتفهُّمٍ عميقٍ للإيمان". ويضيف قائلاً: "كان من الأسهل أن أصنع فيلمًا نقديًا عن الإسلام. لكني وضعت جلّ جهدي بالاشتراك مع شخصيات الفيلم لعرض جمالية الإيمان باستقامةٍ وإخلاصٍ كبيرين. الأيمان الذي ترى هذه الشخصيات فيه أهميةً قصوى لها".
الجهاد باعتباره جدالاً داخليًا روحيًا
تقصد بارفيز شارما أن يختار عنوان الفيلم "جهاد من أجل الحب"؛ ففي الغرب يرتبط اسم الجهاد غالبًا "بالحرب المقدسة". بينما يُفهَمُ الجهاد في التقليد الإسلامي بوصفه جدالاً داخليًا روحيًا أيضًا. وهكذا يشرح بارفيز شارما: "نحن نعترض بهذا على مفهوم مصطلحٍ بات الآن من أكثر المصطلحات الخلافية والفاصلة في لغتنا، وندَّعي أن طريقة فهمه من قبل أقليةٍ صغيرةٍ تدعو للعنف لا تتوافق بالتأكيد مع المفهوم الذي قصده النبي محمد لأن الرسول كان قد تكلم بالفعل عن الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفس".
هذا هو الجهاد الذي يتعاطاه الناس في فيلم بارفيز شارما، إنه جدالٌ روحيٌ شخصيٌ من أجل الاعتراف بهم ومن أجل الحب. هناك بصيصٌ من الأمل دائمًا، وعلى الرغم من آلامهم الروحية التي تُبيِّنها قصصهم، إلا أنهم يفلحون في بناء علاقة شخصية جديدة مع الإسلام، عبر سعيهم للتوفيق بين إيمانهم الذاتي وسريرتِهم. هكذا يقدِّمون للمسلمين ولغير المسلمين على السواء منظورًا جديدًا ورؤيةً جديدةً تتجاوز حدود الأديان وتتجه نحو إنسانية وحيدة غير قابلة للتقسيم.
إدخال التغيير إلى المساجد والمجتمعات
لقد أحدث فيلم "جهاد من أجل الحب" صدى هائلاً لدى المشاهدين في المهرجانات السينمائية في كلٍّ من كندا والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وبريطانيا. وبالرغم من أن القسط الأكبر من الآراء كان إيجابيًا، إلا أن بارفيز شارما يُقرّ بأن هناك من ثارت حفيظته، وأنه تلقى بريدًا إلكترونيًا يتضمن التهديدات. لكن هذا أيضًا لن يثبط عزمه على عرض فيلمه أمام جمهورٍ إسلامي في بلدٍ إسلامي ذات يوم.
يقول بارفيز شارما: "عندما رأيت ردة فعل الحاضرين على الفيلم وكيفية تلقي الناس له، غدت إمكانية أن تنشأ عن الفيلم حركةٌ بأكملها في غضون سنواتٍ قليلة واضحةً لي. نحن نسعى بواسطة هذا الفيلم إلى بدء مشروع حوار إسلامي يمكن أن يخلق حراكًا وأن يؤدي لحدوث تغيُّرٍ فعلي. سوف أعرض الفيلم في مكانه الصحيح، أي في المساجد وفي مجتمعات المسلمين".
إذا استطعت أن أخرِج رجلاً واحدًا في طهران أو امرأة في القاهرة من عزلتها أو حتى إبعادهما عن التفكير بالانتحار (...) وإذا استطعت أن أعطيهما بصيص أمل لكي لا يتخليا عن ميولهما الجنسية ولكي يبقيا ملتزمين بإيمانهما (...) وإذا تغيّرت حياة إنسان واحد بشكل إيجابي من خلال هذا الفيلم يكون هذا بالنسبة لي بمثابة نجاح".
ماريانا إيفنشتاين
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق الطبع: قنطرة 2008
تم تصوير وإنتاج فيلم "جهاد من أجل الحب" من قبل بارفيز شارما، وشارك في الإنتاج ساندي بوفوسكي (مخرج ومنتج فيلم "Trembling Before G-d" الحائز على جوائز عدة)، وبالتعاون مع قناة (ZDF-Arte) و (Channel4) و (LOGO) و (SBS-Australia) و (The Sundance Documentary Fund) و (Katahdin Foundation) وقد تم عرض الفيلم ضمن برنامج بانوراما للأفلام الوثائقية في مهرجان برلين السينمائي "برلينالة".
قنطرة
حب طيّ الكتمان: حياة المثليّين الجنسيين والسحاقيات في الشرق الأوسط"
تحريم ديني وإقصاء اجتماعي
يعاني المثليون في العالم العربي من قوانين قمعية، تحريم ديني، جهل وإقصاء اجتماعي ما هي المشاكل التي يواجهها المثليون في لبنان ومصر والسعودية؟ كتاب صدر أخيرا لبريان ويتاكر، محرر جريدة الغارديان البريطانية يتناول هذا الموضوع. آن فرنسواز فيبر قرأت الكتاب وتقدمه لنا.
الغرب في السينما المصرية:
معالجات فردية وأحكام مسبقة محكومة بنظرية المؤامرة
عرض "الآخر" في السينما المصرية ظاهرة نادرة. يقوم الباحث علاء الحمارنة بتحليل أربعة أفلام مصرية تدور قصصها في دول أوربية مختلفة وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يبرز من خلالها الاختلاف الكبير في عرض أوروبا وأمريكا.
إنزال" الكاتبات السعوديات في بيروت والمملكة:
الواقع بأسماء مستعارة!
شهدت السنوات الماضية صدور العديد من الأعمال الإبداعية بقلم كاتبات من المملكة العربية السعودية اللواتي يتناولن بجرأة كبيرة موضوعي الجنس والدين. ماهر شرف الدين يلقي نظرة نقدية على هذه الظاهرة.