فيلمي لا يسيء لسمعة مصر!
لماذا اخترتي هذا الموضوع بالذات لتصنعي عنه فيلم؟
تهاني راشد: حماسي للفيلم جاء من حماسي لهؤلاء البنات وكان عندي الكثير من التساؤلات حول حياتهن في الشارع بين أكوام النفايات.فقد اقتربت منهن وتعاطفت معهن وأردت أن اطرح تفاصيل حياتهن المبهجة في لحظات قليلة والقاسية معظم الوقت، حتى البراءة التي بداخلهن رغم قسوة وقهر ومخاطر الحياة التي يعايشنها.
ولأني أقابل هؤلاء البنات في الشارع المصري مثل أي فرد يعيش في شوارع مصر ويراهن، وكنت أريد أن أفك أسرار وشفرات هذا العالم الخاص، وبدأت التحضير للفكرة منذ عام 1997 ثم بدأت تصويره عام 2004 من إنتاج استديو مصر.
وسبق تصوير الفيلم بحث ميداني قمت به مع فريق الإنتاج لمدة ستة شهور مع هؤلاء الفتيات في الشارع لبناء الثقة بيننا، وتوصلت من خلاله إلى الكثير من الجمعيات الأهلية التي تقدم الرعاية والدعم النفسي لأطفال الشوارع ومنها "جمعية الأمل" التي تنتمي إليها "أبلة هند" إحدى عضوات هذه الجمعية والتي ظهرت في الفيلم بشخصيتها المتسامحة التي تشع حبا وإنسانية، وكيف تمثل "أبلة هند" لهؤلاء الفتيات الصديقة والأم البديلة والحب الذي يفتقدنه.
وكان في ذهني دائما أن يكون هدفي الأساسي أن أجعل المتفرج يتفاعل مع الفتيات ويحبهن ويتعاطى مع كونهن مظلومات. فتلك الفتيات يعشن حياة صعبة جدا فهن ضحايا لظروف الأهالي وينتمين إلى عائلات مفككة يهربن منها بمجرد أن تتاح لهن الفرصة.
وبعد ذلك تبدأ سلسلة أخرى من قهر المجتمع لهن وكلنا مسؤولون عنهن، فهن ضحايا لمجتمع يعاني الفقر والحاجة، مجتمع أصبح البحث فيه عن "لقمة عيش" مسألة صعبة وكذلك الحفاظ على الآدمية والكرامة.
ولماذا يتناول الفيلم بنات الشوارع فقط وليس الأولاد أيضا؟
راشد: أنا اخرج أفلام منذ سنوات طويلة وأتضح لي أنني أحب العمل مع النساء والبنات، أحب طريقة تعبيرهن حيث أنهن يحكون بسهولة أكثر عن مشاعرهن على عكس الأولاد أو الرجال عموما.
من خلال معاشرتك لهؤلاء الفتيات فترة طويلة، ما هي الأسباب التي تدفعهن للشارع؟
راشد: لا يوجد سبب واحد ولكن الفقر هو العامل الرئيسي في خروجهن للشارع، فلا يوجد موارد مالية لتربيتهن بالصورة التي يحلمون بها، وهناك حالات طلاق وتفكك أسري، فكل بنت لديها حكايتها الخاصة.
ولكن ما أعجبني فيهن أنهن يرون أن المتوفر في الحياة لهن لا يعجبهن، فهن يريدون حياة أخرى مختلفة، ولقد تأثرت وأعجبت جدا بهذه الرغبة بداخلهن لرفض الواقع والبحث عن شيء آخر ولكنهن يبحثن بالطبع بصورة سيئة لأنهن صغار وتتراوح أعمارهن ما بين 10 و22 عاما، فهن يريدون اللعب واللهو والانطلاق في الحياة بعيدا عن القيود والكبت والفقر. وظهر هذا في مشهد الرقص الجماعي للفتيات بالفيلم، فالرقص هنا معادل للرغبة في التحرر.
هناك اتهام موجه لكثير من السينمائيين المهاجرين ووجه لك أيضا بعد عرض الفيلم بأن عيونكم لا تقع إلا على كل قبيح في المجتمع المصري لإرضاء المهرجانات الغربية وأنكم تسيئون بهذه الأفلام لسمعة مصر. فما تعليقك؟
راشد: سمعة مصر كلمة كبيرة يجب أن لا نستخدمها بشكل مضحك، ففي كل بلاد الدنيا الفقيرة والغنية يوجد أناس يعيشون في الشوارع والأمر ليس مقصورا على مصر. لكن البعض يرى في طرح المشكلة بواقعية صدمة تجعله لا يصدق أنه واقع فعلا، فيبدو كمن يحاول التنصل منه ثم إنني أقدم فئة في المجتمع وليس المجتمع كله.
والمشكلة في أدمغة الناس التي تقول هذا الكلام، فما يضر سمعة مصر حقا هو غرق عبارة منذ شهور وموت الآلاف دون محاسبة الجاني، وعندما تشب النار في مسرح قصر الثقافة بأسيوط ويموت الناس لعدم وجود قوات أمن أو سيارات إسعاف قريبة، هذا ما يضر سمعتها وليس فيلم يطرح قضية بنات الشوارع.
وماذا عن الرأي الذي يقول أن نعرض قضايانا ولكن بأسلوب بعيد عن الألفاظ البذئية التي يمتلئ بها فيلمك ولذلك رفضت الرقابة عرضه بدور السينما. ما رأيك؟
راشد: لا هذا ليس له علاقة بالإبداع، فعندما أصور فيلم وثائقي واقعي لا أستطيع أن أقول للبنات أن تتحدث بألفاظ محددة، فهذه الألفاظ نسمعها في الشارع يوميا، وأنا مقتنعة أن الواقع والحقيقة لابد من عرضهما كما هما دون تحريف أو وضع رؤؤسنا في الرمال. كما أنني سعيدة بعرض الفيلم بمهرجانات ومراكز ثقافية مختلفة في مصر، مما يؤكد وجود منافذ وإمكانيات أخرى للعرض غير العرض التجاري.
يقال أن دور الرعاية لهؤلاء الفتيات هي التي تجعلهن يهربن للشوارع. من خلال بحثك قبل الفيلم كيف تجدين هذه الدور وما ينقصها؟
راشد: بالنسبة لي ينقصها الحب، فالبنات يحتجن للحب والدفء مثل شخصية "أبلة هند" التي لا تحاول تغيير ظروف تلك البنات، وإنما توجيه النصح في إطار الظروف القائمة بالفعل. فلابد لهذه الدور وجمعيات الرعاية المختلفة أن تغير طريقة عملها و لابد من دعمها بكافة الإمكانيات من الحكومة والمجتمع المدني وليس برفع الشعارات فقط، ولابد من مراجعة كل فرد منا في طريقة تعاملنا معهن، فالفيلم صرخة من أجل العمل علي حل هذه المشكلة.
ولدت تهاني راشد في القاهرة عام 1947 وهاجرت إلى كندا عام 1966 وتخرجت في كلية الفنون الجميلة بجامعة مونتريال ومن أفلامها التسجيلية "من أجل التغيير"، "رد لي وطني "، " إمرأة من فلسطين"، و" في المطعم الشعبي".
أجرت الحوار نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
المهرجان العالمي للأفلام الوثائقية والقصيرة في كابول
أقيم في منتصف حزيران/يونيو المهرجان السينمائي الثاني للأفلام الوثائقية والقصيرة في كابول، حيث تمَّ عرض أكثر من أربعين فيلما من أفغانستان، وباكستان، وإيران وطاجيكستان إلى جانب أفلام عدة أنتجتها قناة آرته التلفزيونية الألمانية الفرنسية ARTE. مؤسسة الثقافة الفرنسية ومعهد غوته في كابول أسهما في تخطيط هذا المهرجان بهدف دعم الفيلم الأفغاني الناشئ. تقرير كتبه مارتين غرنر.
بين المطرقة والسندان
يقدم مخرج الأفلام الوثائقية الأميركي جيمس لونغلي، في فيلمه "أم سري" صورة حية لصراع فتى صغير يدعى سري ووالدته للبقاء على قيد الحياة في ظل الارهاب والفقر. تقرير من بيترا تابلينغ