معرض "فوق الجمل وبالكاميرا" ... جولات استكشافية لسحر الشرق الماضي
من الصعب تصوّر ذلك، فعلى مر الأجيال تجمَّعت في متحف علم الشعوب في مدينة هامبورغ كمية ضخمة من الصور الفوتوغرافية التاريخية المصوّرة في العالم الإسلامي، ظلت طيلة عقود من الزمن مهملة من قبل موظفي الأرشيف والخبراء العاملين في المتحف. وفقط في العام 2004 بدأت بدعم من مؤسسة تسايت "ZEIT-Stiftung" مجموعة من المختصين أولاً بتبويب هذه المجموعة التي تضم ثمانية عشر ألف صورة فوتوغرافية وترتيبها علميًا ضمن مراحل عمل صغيرة، وبرقمنتها وكذلك تجديدها. والآن تم وضع ثمرة عملهم في كتالوج يضم بين جلدتيه أكثر من سبعمائة صفحة غنية بالصور وقد تم نشره بمناسبة افتتاح المعرض الذي يحمل الاسم نفسه "فوق الجمل وبالكاميرا".
وهذه الصور أتت قبل كلِّ شيء من مسافرين وباحثين أوروبيين أو تم إنتاجها من قبل مصوِّرين محليين من أجل جمهور قادم من أوروبا وأمريكا الشمالية. وطبقًا لذلك فهي توثِّق النظرة الأوروبية إلى ما هو "غريب". ولكن هذه الصور متوفِّرة بكمية كبيرة ومتنوِّعة، تكاد تكون غير موجودة في أي مجموعة أخرى من الصور الفوتوغرافية التاريخية الخاصة بالشرق. والمناطق المصوَّرة فيها تمتد من شمال إفريقيا والشرق الأوسط وحتى أفغانستان وكازاخستان، وكذلك حتى إلى الصين.
صور من الشرق الخرافي
وكذلك تجدر ملاحظة ما تحتويه هذه الصور؛ فمن ناحية توجد بينها صور تجارية تم تصويرها في القرن التاسع عشر من أجل جمهور معظمه من أوروبا وأمريكا الشمالية، كانت تنعكس مخيلاته عن الشرق الخرافي في الصور الفوتوغرافية.
وفي هذا النوع من صور الشرق الفوتوغرافية كانت الصور التي تشاهد فيها نساء شرقيات بتفاصيل إيروتيكية أو نساء محجَّبات مع أطفال عراة تحظى بشعبية واسعة. وكذلك كثيرًا ما تعرض هذه الصور تنسيقات شكلية متناقضة مثل صور نساء يرتدين البرقع الذي يغطي وجوههن ولكن يمكن النظر عميقًا إلى صدورهن. وعلى الرغم من ذلك توجد في هذه المجموعة أيضًا صور فوتوغرافية وثائقية التقطها مسافرون مثل ألفريد هاينكه، الذي يعود له الفضل في حصولنا على صور فوتوغرافية رائعة من إيران في فترة مبكِّرة من القرن العشرين.
باحثون برفقة قافلة إلى حضرموت
ومن ناحية أخرى هناك أيضًا صور محفوظة من بعثات استكشافية فريدة من نوعها تم إرسالها إلى مناطق كانت ما تزال غير معروفة في تلك الحقبة، مثل اليمن وليبيا والمغرب. وبرفقة القوافل الكبيرة كان يتجوَّل الباحثون في مناطق مثل حضرموت، لكي يقوموا على سبيل المثال أولاً برسم خرائط مفصلة للمنطقة وتوثيق الحياة فيها في صور فوتوغرافية.
ولكن تظهر في بعض الصور تخيلات المسافرين الأوروبيين التي كثيرًا ما تكون خاصة بمنطقة محددة، وبعيدة كلّ البعد عن الواقع، مثلما يتَّضح ذلك في الكثير من الصور الملتقطة في "الأرض المقدَّسة" وفي مصر. ولكن على الرغم من أنَّ هذه الصور لم تنشأ من منظور محايد وأنَّها تفضح دائمًا اهتمامات المصوِّر ونظرته الخاصة، إلاَّ أنَّها تنقل ضمن هذا الإطار التاريخي معلومات تاريخية قيِّمة حول المناطق وحياة الناس في ذلك العصر - أشكال الحياة التي انقرض معظمها مع بداية عصر الحداثة والتصنيع.
حياة اليهود في صنعاء
ومن بين الرحلات الاستكشافية الموثَّقة هناك رحلتان تؤدِّيان إلى اليمن الذي كان حينها غير معروف؛ حيث كان الرحالة الجغرافي والجيولوجي، كارل راتينس Carl Rathjens يهتم في أثناء رحلاته الاستكشافية التي قام بها في عامي 1927 و1938 خاصة بحياة السكان اليهود في مدينة صنعاء. والصور التي التقطها تظهر عالمًا في غاية الروعة لم يعد موجودًا بعد ذلك بفترة قصيرة.
وتبيِّن هذه الصور أنَّ اليهود اليمنيين لا يكادون يختلفون على الأقل في مظهرهم عن السكَّان العرب. والرحالة كارل راتينس قام أيضًا بتوثيق مكانة اليهود الاجتماعية في مدوناته التي ذكر فيها أنَّهم يشكِّلون بصفتهم حرفيين وصاغة مجوهرات العمود الفقري لاقتصاد صنعاء.
صور من السهوب القاحلة
ويضم المتحف صورًا فوتوغرافية فريدة من نوعها، التقطها المصوِّر صموئيل دودين Samuil Dudin في منطقة سيميبالاتينسك التي تعتبر في يومنا هذا المنطقة الحدودية التي تقع بين كازاخستان وروسيا والصين ومنغوليا. وهذه الصور تعرض على نحو رائع حياة البدو الكازاخستانيين في نحو عام 1900، والتي لم تعد موجودة الآن في هذا الشكل. وعلى الرغم من أنَّ صور دودين تعتبر صورًا وثائقية، ولكن تتَّضح في كلِّ واحدة منها نظرته الفنية؛ إذ يوجد من بينها صور حزينة ورائعة تعطي انطباعًا عن السهوب القاحلة وامتدادها. ودودين لا يركِّز على ما هو غريب، كما أنَّه لا يستخدم أي كليشيهات ولا يحتاج استخدام أي تنسيقات شكلية مصطنعة.
ونشاهد في الكثير من هذه الصور الناس وهم يمارسون حياتهم اليومية - نساء وهن ينسجن الحصائر ويقمن ببناء الخيام الكازاخية التقليدية أو بتفكيكها، أو في أثناء ركوبهن الخيل. ويظهر الرجال في أثناء الصلاة، وكذلك في أثناء عزف الموسيقى وفي الصيد أو العمل. وهذه الصور تكشف عن معرفة كبيرة بالمنطقة وسكَّانها وكذلك عن احترام المصوِّر لهذا الشعب.
باسكال صباح - فنَّان الضوء والظل
وكذلك هناك مصوِّر آخر، عظيم ومشهور وكان يدير أستوديو معروف في إسطنبول، هو المصوِّر باسكال صباح؛ والصور التي تم التقاطها بعدسته والموجودة في هذه المجموعة تتميَّز بالوضوح الرائع والمعتاد وهي تظهر كذلك رغبة المصوِّر في الكمال الجمالي. وباسكال صباح لم يكن يلبي في صوره هذه فقط مخيلات الجمهور الأوروبي عن الشرق، بل كان ينتج أيضًا ومن دون شكّ صورًا ذات قيمة وثائقية.
وقد تم العثور في مقتنيات متحف هامبورغ أيضًا على صور للمصوِّر الإيراني الأرمني، آنتوان خان سوروگوین Sevruguin؛ وهذا المصوِّر الذي كان يتخطى الحدود بين العوالم المختلفة في إيران في أواخر القرن التاسع عشر، كانت لديه علاقات ممتازة مع جميع أبناء الطبقات الاجتماعية والمناطق والمجموعات العرقية في البلاد. وتوجد بين صوره الرائعة والمهمة تاريخيًا صور فوتوغرافية لرجال في أثناء إنتاج الأفيون وكذلك أيضًا للرجل الذي قتل الأمير ناصر الدين شاه وصور جنازة هذا الأمير. وهناك صور نساء تبدو شخصية ومفاجئة، وتظهر فيها نساء إيرانيات غير محجَّبات في بيوتهن.
ومجموعة الصور الفوتوغرافية المعروضة في متحف علم الشعوب في هامبورغ تقدِّم من خلال طيفها الواسع والغني بالصور أكثر بكثير مما تم وصفه هنا، كما أنَّها تعتبر بذلك مهمة وجذَّابة بالنسبة لكلِّ مَنْ يرغبون في الحصول على فكرة غير مزيَّفة عن ماضي الشرق.
نعمت شيكير
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
يستمر معرض "فوق الجمل وبالكاميرا - صور فوتوغرافية تاريخية من عام 1864-1970" حتى الـ31 من شهر كانون الثاني/ديسمبر 2009 في متحف علم الشعوب في هامبورغ.
قنطرة
"سوروگوین - مشاهد من المشرق في صور فوتوغرافية ولوحات":
فن يجتاز الحدود بين أرمينيا وبلاد فارس
يقام في متحف ثقافات العالم في فرانكفورت معرض فريد من نوعه، تُعرض فيه أعمال للفنانين الأرمنيين الإيرانيين، آنتوان خان سوروگوین وأندريه "درويش" سوروگوین وجوانب من تاريخ أسرتهما. نعمت شيكير تستعرض هذا المعرض وتعرِّفنا بالفنانين.
المعرض الفوتوغرافي "محور الشرق" في الشارقة:
رحلة فوتوغرافية في ربوع الماضي
افتتح في إمارة الشارقة معرض "محور الشرق" الذي يضم ما يزيد عن مائتي صورة فوتوغرافية تاريخية من العالم الإسلامي كله. هذه الصور قام بالتقاطها مصورون أوروبيون في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وهي تتنوع بين العمارة الشرقية ومناظر الحياة اليومية. غيورغ أوسنباخ يعرفنا بهذا المعرض وموجوداته.
المصور الأفغاني مسعود حسيني:
شاهد على الحرب والأمل بالسلام
تَلقى معارض الصور الفوتوغرافية عن أفغانستان رواجا كبيرا في الغرب، غير أن الفرصة لا تُتاح للمصورين الأفغان الذين يعملون هناك تحت ظروف الحياة اليومية الصعبة لعرض أعمالهم على المستوى العالمي إلا فيما ندر. مسعود حسيني مصوِّر من كابول كسر هذه القاعدة وحالفه الحظ بإقامة معرضٍ له في ألمانيا. مارتين غيرنر يعرفنا به.