"صراع جنرالات الجشع والأنانية"
بينما ما تزال الاشتباكات العنيفة مستمرة في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، تتحدث الناشطة السودانية في مجال حقوق المرأة والديمقراطية، هالة الكارب، وتصف من الخرطوم كيف يعاني المدنيون في المدن من ذلك؛ وتعبِّر عن استيائها من ازدواجية معايير المجتمع الدولي، الذي أشاد بالنساء السودانيات خلال الثورة - ثم ترك السودان للجنرالات. هالة الكارب هي المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (SIHA).
*********
السيِّدة هالة الكارب، كيف يبدو الوضع في الخرطوم؟
هالة الكارب: الوضع قاتم جدًا. حيث يتم في جميع أنحاء المدينة استخدام المدفعية الثقيلة، ونسمع حول بيوتنا طلقات وطائرات مقاتلة تقصف مختلف أحياء المدينة. ومقاتلو قوات الدعم السريع ينهبون المتاجر والمحلات ويقتحمون البيوت ويرعبون الأهالي. نحن نسمع أيضًا عن وجود حالات عنف جنسي. ولا نعرف ماذا سيحدث، ويسود لدينا قدر كبير من الغموض والقلق.
وأنتِ، كيف حالك؟
هالة الكارب: بالرغم من عدم شعوري بالأمان ولكنني بخير بالمقارنة مع الكثير من أبناء بلدي. إذ يوجد لديّ سكن وما يكفي من الطعام. يعيش في الخرطوم نحو ثمانية ملايين نسمة. ومعظمهم يعتمدون على الاقتصاد غير الرسمي، لأنَّهم عمال مياومة -باليومية- يعملون في مجال النقل أو يبيعون منتجاتهم الخاصة في الأسواق. وهذا يعني أنَّهم يجب عليهم مغادرة منازلهم من أجل كسب قوتهم وتأمين الطعام لهم ولذويهم.
الناس عالقون الآن في داخل منازلهم لأنَّ الوضع في الخارج خطير جدًا، وبهذا فهم يفقدون مصدر دخلهم. وحتى أهالي إقليم دارفور عانوا من الإرهاب خلال الأيَّام القليلة الماضية. فقد تم نهب عدد من المحلات والكثير من الناس اختبؤوا في المساجد. هذه المرحلة حاليًا صعبة للغاية بالنسبة للسودانيين.
كيف يبدو وضع التموين وتوفير المواد الغذائية؟
هالة الكارب: سيِّئ. فقد أغلق جميع أصحاب المحلات تقريبًا محلاتهم بسبب خوفهم من النهب. وجميع المخابز تقريبًا مغلقة بسبب أعمال النهب، ولكن أيضًا بسبب انقطاع التيار الكهربائي مرارًا وتكرارًا. وهذه مشكلة كبيرة لأنَّ الناس يعتمدون على الخبز. ولم تعد توجد مياه جارية في أحياء كثيرة من الخرطوم. ولا توجد طرق آمنة عبر المدينة. وكثيرًا ما يقال إنَّ طرفي النزاع يعملون من أجل وقف إطلاق النار، ولكننا لا نرى أي شيء من ذلك. الكثير من الناس يائسون ويفكِّرون إن كان يجب عليهم الهرب.
هل توقَّعتِ اندلاع مثل هذا العنف بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية؟
هالة الكارب: لقد كان من غير الممكن في الآونة الأخيرة التغاضي عن التوتُّر المتزايد بين المجموعتين. أنا كنتُ أنتقد بشدة في السنين الأخيرة ما يتعلق بالعملية السياسية، والكثير من نشطاء الديمقراطية السودانيين كانوا يشعرون مثلي. نحن نعتقد أنَّ المجتمع الدولي كان ساذجًا جدًا في اعتقاده بأنَّه يمكن مع هذين الجنرالين أن يوجد في السودان شيء مثل الديمقراطية.
ما مدى سذاجة هذا الافتراض؟
هالة الكارب: لقد اتَّضحت باستمرار في الأشهر الماضية الخلافات بين الجيش والقوات شبه العسكرية. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ دولة مهمة للغاية مثل مصر تشعر بأنَّها مستبعدة من العملية السياسية في السودان. لا بد من فهم ما هي المصالح التي يسعى إليها طرفا النزاع وأنصارهما في البلد. ومنذ استقلال جنوب السودان في عام 2011، لم يتم استثمار الكثير في إعمار السودان وقد ظلّ العمل سطحيًا، على الرغم من الفظائع الكثيرة التي تم ارتكابها في السودان. لقد ترك العالم السودان لجنرالات لا يوجد لديهم أي اهتمام في الحكم، بل هم مشغولون فقط بإثراء أنفسهم من موارد السودان.
"لقد أقاما نظامًا يحميهما في كلِّ شيء"
كيف قاد هذان الرجلان البلد حتى الآن؟
هالة الكارب: لقد سيطرا على الناس وأرهباهم. البرهان ودقلو قاما بتوجيه مؤسَّسات الدولة بحيث تخدم مصالح كلّ منهما. لقد أقاما نظامًا يحميهما في كلِّ ما يفعلانه. أمَّا المجتمع الدولي فقد قبل بذلك وكان يعتقد أنَّ بإمكانه مع الوقت أن يؤثِّر بشكل ما تأثيرًا إيجابيًا على الجنرالين. ولكن الحقيقة هي أنَّ المجتمع الدولي قد أغمض عينيه عن جرائم الطرفين. وقد شجَّع ذلك الرجلين على تصعيد العنف وإثارة مثل هذا الصراع الأناني وغير المسؤول.
من المعروف أنَّ إسقاط الديكتاتور عمر البشير في عام 2019 لم يؤدِّ إلى الديمقراطية المأمولة. وبدلًا من ذلك فقد سيطر على السودان قائدُ الجيش البرهان وقائدُ قوات الدعم السريع دقلو. ومنذ ذلك الحين، يرفض الرجلان نقل السلطة إلى حكومة مدنية. لماذا؟
هالة الكارب: لأنَّهما جشعان ولديهما أنانية كبيرة. لقد نظم الجنرالات انقلابًا عسكريًا في عام 2021 على الحكومة المؤقتة التي كان من المفترض أن تُمهِّد الطريق لانتخابات ديمقراطية بعد عام 2019. وأراد الرجلان بهذا الانقلاب تقويض الانتقال إلى الديمقراطية. والمجتمع الدولي لم يحاسب هذين الرجلين على ذلك وأيضًا على أعمال القتل خارج نطاق القضاء وعمليات الإخلاء القسري وترويع المدنيين، التي حدثت كلها تحت قيادتهما. ولم يتم إجراء أي تحقيق مستقل في هذه الحوادث من جانب المنظمات الدولية.
البرهان ودقلو يسيطران على مجالات كبيرة من الاقتصاد وهذا يتعلق أيضًا بأموال كثيرة.
هالة الكارب: نعم. فقد قاما بتنظيم النظام الاقتصادي بحيث يخدم في المقام الأوَّل أهدافهما الخاصة. وهما ينهبان الموارد ويشتركان في أعمال غير قانونية مثل غسيل الأموال وأعمال التعدين غير القانوني. هما يستغلان خيرات السودان.
لقد كان يبدو وكأنَّ أطرف النزاع كانوا قد توصَّلوا إلى اتفاق. ففي شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2022 فقط وافقت القيادة العسكرية والأحزاب السياسية على الانتقال إلى حكومة مدنية. فلماذا لم ينجح ذلك؟
هالة الكارب: البرهان كان يتعرَّض مؤخرًا لضغوطات كبيرة من أجل إصلاح الجيش ودمج قوات الدعم السريع فيه. وهذا الصراع بين الرجلين تصاعد قبل كلِّ شيء لأنَّ دقلو يرفض دمج مقاتليه في الجيش بسبب خشيته من أنَّه سيفقد بذلك قوته.
مع اندلاع العنف الحالي هل تشعرين بالقلق على النساء في السودان؟
هالة الكارب: بالتأكيد. لأنَّ كلًا من مقاتلي قوات الدعم السريع وكذلك جنود الجيش معروفون بأنَّهم يتعاملون بعنف مع النساء والفتيات. هم يرهبون النساء وهذا يجعل من الصعب على النساء الحديث بشكل علني والمشاركة بنشاط في العمل السياسي. وفي ظلِّ الفوضى الحالية، تخشى النساء من تأثيرات الصراع. وتوجد عشرات الطالبات العالقات منذ أيَّام في داخل مباني السكن الجامعي في الخرطوم. وقد أغلقن الأبواب من الداخل بإحكام لأنَّهن يخفن من أنَّ المقاتلين يمكن أن يدخلوا ويفعلوا لهن شيئًا ما. وخوفهن هذا مُبرَّر. وذلك لأنَّ كلًا من أفراد الميليشيات وكذلك جنود الجيش قد ارتكبوا في الماضي جرائم جنسية خطيرة جدًا ضدَّ نساء وفتيات. ومن الممكن الآن أن يتكرَّر حدوث ذلك.
"النساء تحدين حزب عمر البشير الإسلامي"
ما هو الدور الذي لعبته النساء في الاضطرابات السياسية منذ عام 2019؟
هالة الكارب: النساء السودانيات كن دائمًا مهمات في التغييرات السياسية. فقد قدن الثورة التي أدَّت إلى سقوط عمر البشير ونهاية ديكتاتوريته التي استمرت ثلاثين عامًا. ولم يكُن مشاركات فقط، بل إنهن نظمن الاحتجاجات بنشاط. وتحدين حزب عمر البشير، حزب المؤتمر الوطني، وأوضحن لأعضائه أنَّهن لن يعدن يلتزمن بالقواعد الإسلامية القمعية. ولكن حتى وإن كانت النساء السودانيات قد تولين قيادة المقاومة ضدَّ القمع القاسي، فقد تم استبعادهن إلى حدّ كبير من العملية الانتقالية.
لماذا؟
هالة الكارب: النظام السياسي في السودان لا تزال طبيعته ذكورية جدًا ويتبع أيديولوجية إسلامية متشدِّدة لا يُعترف فيها بالنساء كأطراف فاعلة مؤثرة داخل المؤسَّسات السياسية. بينما تعتبر النساء في المجتمع المدني ناجحات ومنظمات بشكل جيِّد. ولذلك فنحن الناشطات نُصِرُّ منذ فترة طويلة على إشراك النساء بشكل أقوى في مبادرات المجتمع المدني. على سبيل المثال هؤلاء الشابات اللواتي قمن بالثورة ويعملن بجد حتى يكون في السودان سلام واستقرار.
ما هي المجالات التي يتم فيها ظلم النساء السودانيات؟
هالة الكارب: النساء السودانيات يعانين من تمييز هيكلي ولا يحصلن على نفس الخدمات والتعليم مثل الرجل. والنخبة السياسية تتجاهل نداءاتهن من أجل إنهاء العنف الجنسي وتأسيس نظام يمكِّنهن من الحصول على التعليم والعمل.
هل يمكن أن يكون هناك تحوُّل ديمقراطي في السودان من دون مشاركة النساء؟
هالة الكارب: لا. لا يمكن أن يكون هناك أي استقرار من دون قيام القادة العسكريين والسياسيين بتعزيز حقوق النساء وفهم مدى أهمية الحلول الوسط. لا تزال توجد في السودان قوانين أصدرها الدكتاتور عمر البشير وهي تجرِّد المرأة من إنسانيتها. والسودان دولة من بين أربع دول في العالم لم توقِّع على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة. ومن الممكن في السودان تزويج طفلة في سنّ العاشرة. لا تزال توجد لدينا قوانين وصاية صارمة للغاية تسمح بالزواج القسري وبزواج الأطفال، بالإضافة إلى قوانين تنص على معاقبة النساء جسديًا، مثل الرجم بسبب الزنا. ومن أجل تحوُّل ديمقراطي حقيقي لا بدّ من التغلب على هذا التمييز الهيكلي بحقّ النساء.
وهل هذا واقعي؟
هالة الكارب: في ظلّ الوضع الحالي هذا ليس سهلًا. فالنخب السياسية تريد تأمين امتيازاتها الخاصة. ولكن الديمقراطية تعني تقاسم السلطة والسماح بالتنوُّع. أنا تزعجني ازدواجية معايير المجتمع الدولي الذي على الرغم من أنَّه قد أشاد بروح الكفاح لدى النساء السودانيات خلال الثورة، ولكنه لم يبذل بعد ذلك سوى القليل من أجل تمكُّن النساء من المشاركة السياسية.
ماذا يجب أن يحدث لكي تبدأ عملية الانتقال السياسي من جديد؟
هالة الكارب: هذا سيكون تحديًا. فلا توجد حاليًا أية بوادر تشير إلى وقف إطلاق النار وكذلك إلى إجراء مفاوضات سياسية. فقوات الدعم السريع هي ميليشيا راسخة لا يمكن تحريكها بسهولة إلى طاولة المفاوضات والجيش يقاتل من أجل دوره المستقبلي في الدولة. يجب الآن في البداية توضيح كيف يمكن حماية المدنيين. ثم يجب إخبار طرفي النزاع بأنَّ جرائمهما ضدَّ السكَّان المدنيين محظورة دوليًا وستتم ملاحقتها جنائيًا. لا يمكن أن يكون هناك سلام من دون معالجة جرائم كلا المجموعتين.
حاورتها: أندريا باكهاوس
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: تسايت أونلاين / موقع قنطرة 2023