نهاية عصر الكولونيالية الثقافية
عند تصفح أسماء المشروعات فإنها تبدو وكأنها قائمة أمنيات كتبها أحد المهتمين الغربيين بالثقافة: دار أوبرا من تصميم المهندسة المعمارية النجمة زها حديد، قاعة للفن المعاصر ومسرح من تصميم رِم كولهاس الحائر على جائزة برتسكر، عشرة متاحف متخصصة، تسع مكتبات عامة، أربعة عشر مسرحاً، احدى عشرة قاعة فنية، سبعة معاهد ثقافية وفنية، وكذلك متحف أطلق عليه المتحف الشامل كان من المقرر أن يضم معروضات من المتاحف الحكومية في برلين ومتاحف الفنون الحكومية في دريسدن وكذلك من المتحف البافاري للوحات الفنية.
المدينة الثقافية العالمية: سراب يتلاشى
كل هذه المشروعات كان من المقرر إقامتها في دبي بسرعة جنونية حتى عام 2015. والآن ها قد ظهرت في الإمارة الصحراوية علامات الإفلاس. رافعات البناء أصبحت جثة هامدة على طول "خور دبي"، ذلك الساحل الخليجي الذي يمتد على طول سبعة وعشرين كيلومتراً والذي من المقرر أن تُشيد عليه المعاهد الثقافية. لقد تم تجميد المشروعات حسبما أعلن ميشائيل شندهلم الذي كان حتى صيف هذا العام المدير الثقافي لهيئة دبي للثقافة والفنون. وبذلك أصبحت دبي كمدينة ثقافية عالمية سراباً اضمحل في الهواء.
غير أن توقف أعمال البناء في تلك المباني لم ينتج عن الأزمة المالية التي تم الإعلان عنها مؤخراً، وما أسفرت عنه من عجز الإمارة الخليجية عن السداد، إذ إن عديداً من المشروعات الثقافية كانت قد تجمدت في الخريف الماضي عندما تم افتتاح فندق "أطلنطس" الفاخر على جزيرة النخلة الاصطناعية بألعاب نارية بتكلفة عشرين مليون دولار، كما كان يُنظر في ذلك الوقت إلى عدد آخر منها باعتباره لاغياً.
كان الهدف هو تحويل الثقافة في دبي إلى تجارة ناجحة، أكثر مما هو الحال في أبو ظبي والدوحة. خلال الطفرة العملاقة في قطاع العقارات – في عام 2008 بلغت قيمة مشروعات البناء التي ما زالت تحت التشييد نحو مئة مليار يورو في دبي – كان على البنايات الثقافية في الدولة الصحراوية المتوسعة أن تلعب دور الملصقات الإعلانية الكبيرة والملونة.
دولة لا تجبي الضرائب من مواطنيها، دولة ستنفد آبار البترول منها في غضون سنوات قليلة لم تكن تستطيع أن تقدم الدعم المالي للقطاع الثقافي على غرار ما يحدث في أوروبا، لذلك كان ينبغي على كل متحف وكل مسرح أن يمول نفسه ذاتياً. كانت تلك محض أمنية حتى وإن قام المرء بتغليف الثقافة بغلاف براق للغاية يقوم بتصميمه رواد فن العمارة في العالم. ولذلك فإن مشروعات المسارح والمتاحف قد أوقف بناؤها قبل غيرها.
طرق استعمارية ثقافية
ولكن بدلاً من أن نوجه الاتهامات إلى الدولة الخليجية الآن بسبب تعاملها التجاري مع الثقافة، يجب علينا بالأحرى التمعن في تلك الطريقة الاستعمارية التي اتبعها المعماريون والعاملون في الحقل الثقافي من الغرب الذين اجتاحوا دبي خلال السنوات الماضية وكأنهم هم الوحيدون الذين سيجعلون الثقافة هناك تزدهر.
لا بد أن الأجواء التي سادت هناك كانت شبيه بحمى البحث عن الذهب: لقد صمم المهندسون المعماريون بنايات للمتاحف تطاول عنان السماء رغم عدم وجود معروضات. أهم المتاحف في أوروبا دخلت في صراع حامي الوطيس لكي يُسمح لها ببناء فروع لها في دبي، رغم أنه لم يكن من الواضح إطلاقاً كيف ستوازن دبي بين المجموعات المحلية والمعروضات المُستعارة من المتاحف الكبرى على نحو دائم. "إن الشعب هناك لم يكن بحاجة مطلقاً إلى تلك الرموز الشرفية للثقافة الغربية والتي كان الجميع يريدها دوماً"، يقول شندهلم الذي حاول بدون نجاح أن يؤسس دار أوبرا في دبي.
ليس معنى ذلك أن اهتمام السكان بالثقافة معدوم. ولكن خلال السنوات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة على وجه التحديد تكوّن، لدى جيل الشباب خصوصاً، نوع من الوعي بالمعنى الحقيقي للثقافة. هذا ما تبينه أيضاً قاعات العرض لتي تعرض اليوم دون رقابة أعمالاً فنية متباينة الاختلاف من المنطقة العربية كلها.
غير أن المشروعات الثقافية الكبرى كان ينبغي أن تُقام وفق النموذج الغربي فحسب. "لقد قدمت دبي مسرحية صادقة جدا حول معنى العولمة: النظر إلى الثقافة المحلية باعتبارها شذوذا"، يقول شندهلم.
من أجل كل ذلك فإن الأزمة المالية تتيح لدبي، وبالرغم من كل الانعكاسات السلبية، الفرصة في أن تسلط الضوء أخيراً على ثقافتها المحلية بشكل أقوى، وأن تعطيها نفس القيمة التي منحتها في خفة للمستعمرين الثقافيين من الغرب. وهي ربما لن تكون بحاجة إلى ذلك الغلاف البراق الصارخ الذي يصممه مهندس معماري نجم.
لاورا فايسمولر
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: صحيفة زود دويتشه/ قنطرة 2009
قنطرة
الحوار الإعلامي العربي-الألماني في دبي:
دبي ....عالم المتناقضات.....مصنع المفاجآت
يناقش الحوار الإعلامي العربي الألماني تأثيرات إشكالية التعددية الثقافية ومرحلة ما بعد الحداثة لإمارة دبي على المنطقة والهوية العربية. وهل تشير المشاريع العمرانية، التي تجاوزت كل الحدود، إلى مستقبل واعد، أم أن الإمارة ستفشل بسبب التناقضات التي تنطوي عليها؟ روديغر هايمليش في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.
حوار مع الشاعر الألماني الكبير هانز ماغنوس إنتسنسبرغر:
"أوروبا لا تمتلك حقوق الملكية الفكرية للتنوير"
بدعوة من حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اجتمع عدد من أبرز الكتاب والمثقفين العرب والألمان في "ملتقى الحوار العربي الألماني". كلمة افتتاح الملتقى ألقاها الكاتب والشاعر هانز ماغنوس إنتسنسبرغر، وفيها تعرض إلى احتياج العالم العربي إلى حركة تنوير جديدة. على هامش هذا الملتقى تحدث لؤي المدهون إلى الشاعر إنتسنسبرغر.
التعليم في دول الخليج العربي:
المعرفة بدلاً من البترول
بدأت بلدان الخليج العربي تكتشف التعليم باعتباره ثروة المستقبل. ولأن المسؤولين هناك يريدون الوصول إلى نتائج سريعة، فقد استوردوا جامعات من الغرب. كما أن الدراسة على النمط الغربي والحياة على النمط العربي أصبحت حافزا للطلاب الخليجيين للإقبال على هذه الجامعات. أرنفريد شينك يعرفنا بالجامعات الغربية في منطقة الخليج.