في قبضة الذعر الأخلاقي

سبعة أشخاص يجلسون في قاعة المؤتمرات الصحفية
فيليكس كلاين (يسار) يتحدث في مؤتمر صحفي في سبتمبر/أيلول 2024. وبحسب دوناتيلا ديلا بورتا، فإن كلاين، الذي تم تعيينه مفوضًا اتحاديًا لألمانيا لمكافحة معاداة السامية في عام 2018، هو لاعب رئيسي في حالة الذعر الأخلاقي المؤسسي في البلاد. (Photo: Picture Alliance/dpa | S. Stache)

أقر البرلمان الألماني (البوندستاغ)، الشهر الماضي، مشروع قرار آخر لمكافحة معاداة السامية. وفي سياق ذلك، تُحلل عالمة الاجتماع دوناتيلا ديلا بورتا، في مقالها، النقاشات الأخيرة حول معاداة السامية في ألمانيا وتجادل بأن الذعر الأخلاقي أدى إلى بناء جهاز إداري يقمع الأصوات التقدمية.

الكاتب، الكاتبة : دوناتيلا ديلا بورتا

منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصدرت ألمانيا العناوين في نشرات الأنباء نظرا لقمعها الفنانين والمثقفين التقدميين الذين ينتقدون إسرائيل. ينحدر العديد من المستهدفين بهذه الحملات السياسية والإعلامية العدوانية من الجنوب العالمي، إلى جانب العديد من الأصوات اليهودية الناقدة.

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، أقر المشرعون الألمان، مشروع قرار مثير للجدل لمكافحة معاداة السامية حمل عنوان: "لن يحدث هذا مرة أخرى: حماية الحياة اليهودية في ألمانيا والحفاظ عليها وتعزيزها". حظي القرار بدعم من تحالف واسع النطاق عابر للأحزاب، بما في ذلك حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف. وصنّف القرار السكان العرب في ألمانيا كمصدر أساسي لمعاداة السامية، وندد بأشكال الاحتجاج والتعبير القانونية تمامًا، وخلط بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل.

كان المثقفون اليهود من أشد منتقدي مشروع القرار، وقالوا في رسالة مفتوحة إن من شأنه أن "يعرض يهود ألمانيا للخطر" بدلا من "حمايتهم" من خلال "ربط جميع اليهود بأفعال الحكومة الإسرائيلية، وهي عبارة معادية للسامية سيئة السمعة". ومن المقرر مناقشة مشروع قرار آخر يستهدف معاداة السامية في المدارس والجامعات في البرلمان في ديسمبر/كانون الأول.

ترسم هذه المقالة المسارات الاجتماعية والبيروقراطية والقانونية التي أوصلت ألمانيا إلى هذه النقطة؛ حيث يمثل الصراع حول تعريف معاداة السامية وتدوين الذاكرة الجماعية للماضي النازي الأسس المركزية لتلك المسارات. في عام 2023، شخصّت ماشا غيسن هذه الديناميكية في مقالها حول ثقافة التذكر الألمانية بمجلة نيويوركر الأمريكية، وذكرت فيها: "في مرحلة ما، بدأت الجهود تبدو ثابتة ومغلقة، وكأنها لا تتعلق فقط بإحياء ذكرى التاريخ، بل وأيضًا بضمان تذكر هذا التاريخ المحدد فقط - وبهذه الطريقة فقط".

هل تعيش ألمانيا حالة من الذعر الأخلاقي؟

إن المفهوم الاجتماعي للذعر الأخلاقي مفيد في تحديد الآليات التي يتم من خلالها تطبيق مفهوم محدد لمعاداة السامية في ألمانيا، وكيف يؤدي ذلك إلى قمع وتجريم الآراء المعارضة. يشير الذعر الأخلاقي إلى الخوف واسع الانتشار ومبالغ فيه أحيانًا من أن بعض القوى الشريرة تهاجم ثقافة أو رفاهة المجتمع. وقد روج عالم الاجتماع وعالم الجريمة ستانلي كوهين لذلك المصطلح في كتابه الصادر عام 1973 بعنوان "الشياطين الشعبية والذعر الأخلاقي"، والذي حلّل فيه الثقافة الفرعية للشباب البريطاني.

يقول كوهين: "يبدو أن المجتمعات تخضع بين الحين والآخر لفترات من الذعر الأخلاقي؛ فتظهر حالة، أو حادثة، أو شخص، أو مجموعة من الأشخاص لتصبح بمثابة تهديد للقيم والمصالح المجتمعية، ويتم تقديم طبيعتها بطريقة نمطية ومبتذلة من قِبَل وسائل الإعلام، ويتولى تلك الحواجز الأخلاقية رؤساء التحرير والأساقفة والسياسيون وغيرهم من أصحاب الفكر السليم؛ ويعلن الخبراء المعتمدون اجتماعياً عن تشخيصاتهم وحلولهم؛ وتتطور سبل التعامل أو (في أغلب الأحيان) اللجوء إليها".

وكجزء من هذه العملية، يتم وصم "الشياطين الشعبية" بأنهم منحرفون، ويُنظر إليهم باعتبارهم غرباء إذا اتصل الأمر بالقيم المجتمعية السائدة. ويتم تصويرهم على أنهم يشكلون تهديدًا لهذه القيم، ويُنظر إليهم باعتبارهم مسؤولين عما يُعرَّف بأنه مشكلة اجتماعية. ويؤدي رواد الأعمال الأخلاقيون ــ من الصحفيين إلى الساسة ــ إلى إثارة الذعر وتوجيهه، مع العواقب المحتملة المتمثلة في وضع قوانين جديدة تزيد في نهاية المطاف من سيطرتهم على المجتمع.

وفي ألمانيا، يمكن تمييز ديناميكية الذعر الأخلاقي هذه في العديد من الحالات مؤخرًا، والتي استُخدِمَت فيها اتهامات معاداة السامية لمهاجمة المثقفين. ومن الأمثلة على ذلك:

- استقالة بيتر شيفر من منصبه كمدير للمتحف اليهودي في برلين في يونيو 2019؛

- سحب دعوة المنظر السياسي الكاميروني أكيلي مبيمبي إلى مهرجان الرو ترينالي في مارس 2020؛

- استقالة الفنان رانجيت هوسكوتي من لجنة اختيار مهرجان دوكومنتا 16 للفنون في نوفمبر 2023؛

- تأجيل حفل توزيع جائزة حنا أرندت للصحافية ماشا غيسن في ديسمبر 2023؛

- فصل عالم الأنثروبولوجيا غسان حاج من منصبه في معهد ماكس بلانك في هاله في فبراير 2024؛

- رد الفعل العنيف ضد المخرج السينمائي باسل عدرا والصحفي يوفال أبراهام بعد خطابيهما في حفل توزيع جوائز مهرجان برلين السينمائي في فبراير 2024؛

- فصل الفيلسوفة نانسي فريزر من زمالة أستاذية ألبرتوس ماغنوس في أبريل 2024؛

- سحب جائزة شيلينغ للهندسة المعمارية التي منحت للفنان البريطاني جيمس بريدل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، استشهادا بقرار البرلمان الألماني الجديد بشأن معاداة السامية.

الخطوات الرئيسية التي أسلط الضوء عليها في هذه العملية المتمثلة في إضفاء الطابع المؤسسي على الذعر الأخلاقي في ألمانيا هي: اعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست المثير للجدل لمعاداة السامية، وإنشاء هيئة بيروقراطية مكرسة لمكافحة معاداة السامية منفصلة عن مكافحة العنصرية والتمييز بشكل عام، وتعريف المقاطعة اللاعنفية لإسرائيل من قبل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) بأنها معادية للسامية.

رجلان يقفان على المسرح بعد حصولهما على الجائزة.
فاز المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام وزميله المخرج الفلسطيني باسل عدرا بجائزة برلين للأفلام الوثائقية عن فيلمهما "لا أرض أخرى" في فبراير/شباط 2024. وبعد دعوتهما إلى إنهاء "الفصل العنصري، وعدم المساواة" خلال خطاب فوزهما، اتُهما بمعاداة السامية من قبل سياسيين ألمان من مختلف ألوان الطيف السياسي. (Photo: Picture Alliance/AP | M. Schreiber)

وقد أدت هذه التطورات إلى إنشاء جهاز إداري جديد وبنية سلطة حولت مكافحة معاداة السامية إلى أداة للعنصرية والقمع.

إعادة تعريف معاداة السامية

أحد الركائز الأساسية في النهج الألماني لمكافحة معاداة السامية هو اعتماد تعريف معاداة السامية الذي اقترحه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست في عام 2016. وفي قطيعة مع التعريف العلمي والقانوني الرئيسي الذي عرف معاداة السامية فيما يتعلق بالشعب اليهودي فقط، قدم التعريف إشارات محددة إلى إسرائيل. ووفقًا لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، فإن "مظاهر [معاداة السامية] قد تشمل استهداف دولة إسرائيل، التي يُنظر إليها على أنها جماعة يهودية. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار انتقاد إسرائيل المماثل للنقد الموجه لأي دولة أخرى معاداة للسامية".

كان هذا التعريف الأساسي مصحوبًا بأمثلة على معاداة السامية، منها "إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، على سبيل المثال، من خلال الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري"، "مقارنات بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة وسياسة النازيين"، أو "تحميل اليهود المسؤولية الجماعية عن أفعال دولة إسرائيل".

لقد تعرض تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لانتقادات شديدة في شكله ومضمونه. كما تعرض التعريف العام لانتقادات كونه غير دقيق وانتقائي. وتفتقر الأمثلة إلى الوضوح بشأن الشروط التي بموجبها يكون انتقاد إسرائيل معادٍ للسامية ومتى لا يكون كذلك. وكان التطور المرتبط بذلك هو الميل العام إلى اعتبار إنكار الهولوكوست ليس فقط معادٍ للسامية، بل وأيضًا أي استحضار لمفاهيم مرتبطة بالهولوكوست عند مناقشة السياسات الإسرائيلية. ويشمل هذا الإشارة إلى الأحياء اليهودية (الغيتو)، أو نظام الفصل العنصري، أو الإبادة الجماعية.

يتضمن التعريف المعتمد لمعاداة السامية في ألمانيا البند الذي وضعه تحالف إحياء ذكرى الهولوكوست، بأن معاداة السامية يمكن أن تشمل أيضا ما هو موجه ضد دولة إسرائيل. ومع ذلك، فإن البند الثاني المحدد - المتعلق بالمقارنات مع انتقادات للدول الأخرى - مفقود، وهو أمر بالغ الأهمية لفهم الموقف الحالي للمؤسسات الألمانية. تم تأسيس التعريف، المعدل في معناه، في المدارس ومراكز التدريب القانوني والشرطي. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، بعد وقت قصير من الهجوم على كنيس يهودي في هاله، جعل مؤتمر عمداء الجامعات الألمانية تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست دليلاً إرشاديًا في الجامعات.

في عام 2020، طورت مجموعة من 220 باحثًا في معاداة السامية والهولوكوست اقتراحًا مضادًا لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. وعرّف إعلان القدس هذا معاداة السامية على أنها "التمييز، أو التحيز، أو العداء، أو العنف ضد اليهود باعتبارهم يهودًا (أو المؤسسات اليهودية باعتبارها يهودية)"، وهو ما يميز معاداة السامية عن انتقاد إسرائيل: "نظرًا لأن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست غير واضح في نقاط مهمة ويسمح بتفسيرات مختلفة، إذ أنه خلق ارتباكًا وأثار الجدل، مما أضعف مكافحة معاداة السامية". ولم يتم النظر في تعريف إعلان القدس بجدية على المستوى المؤسسي في ألمانيا، على الرغم من مشاركة أكاديميين من مؤسسات مرموقة عديدة.

مفوضون لمكافحة معاداة السامية

ومن الجوانب الأخرى لهذه العملية في ألمانيا، استثمار الموارد العامة في إنشاء بيروقراطية مكرسة لمكافحة معاداة السامية، بطريقة فصلتها عن مكافحة العنصرية والتمييز بشكل عام.

في عام 2018، دعا أحد القرارات الحكومية إلى تعيين مفوض لمعاداة السامية، فضلاً عن تعزيز سلطات الدولة قانونياً لطرد الأجانب بناءً على اتهامات بمعاداة السامية. ثم قرر مجلس النواب (البوندستاغ) إنشاء مكتب مفوض الحكومة الفيدرالية للحياة اليهودية ومكافحة معاداة السامية، وهو جزء من وزارة الداخلية الفيدرالية. ومنذ ذلك الحين، يتولى فيليكس كلاين هذا المنصب.

ونشرت وزارة الداخلية الاتحادية الوصف التالي لمهمة المفوض الجديد: "تنسيق التدابير ذات الصلة التي تتخذها جميع الوزارات الاتحادية. كما سيعمل كجهة اتصال للجماعات والمنظمات اليهودية، وكوسيط للتدابير الفيدرالية والولائية والمجتمع المدني لمكافحة معاداة السامية. كما سيعمل المفوض على تنسيق لجنة مشتركة دائمة على المستوى الفيدرالي والولائي تتألف من ممثلين عن الهيئات المسؤولة، وسيقدم معلومات عامة فضلاً عن التعليم المدني والثقافي لزيادة الوعي العام بالأشكال الحالية والماضية لمعاداة السامية".

صورة ماشا غيسن
قبل أيام من حصول ماشا غيسن على جائزة هانا أرندت للفكر السياسي في ديسمبر/كانون الأول 2023، جرى إلغاء حفل توزيع الجوائز في بريمن بسبب ردود الفعل العنيفة على مقال الكاتبة الروسية- الأمريكية عن غزة وثقافة الذكرى الألمانية.(Photo: Picture Alliance/NurPhoto | E. Contini)

إن وضع هذا المنصب الجديد كان جزءً من بناء ما تسميه ماشا غيسن: "البيروقراطية الضخمة التي تضم مفوضين على مستوى الولايات والمحليات، بعضهم يعمل من مكاتب المدعين العموم أو أقسام الشرطة... ليس لديهم وصف وظيفي واحد أو إطار قانوني لعملهم، ولكن يبدو أن الكثير من عملهم يتضمن التشهير العلني بأولئك الذين يعتبرونهم معادين للسامية، وغالبا الذين يقومون بـ"إزالة الطابع الفردي عن الهولوكوست" أو انتقاد إسرائيل. ونادراً ما يكون أي من هؤلاء المفوضين يهوديا. والواقع أن نسبة اليهود بين أهدافهم أعلى بالتأكيد".

إن الغموض الذي يكتنف أدوار المفوضين المحددة، ومعايير اختيارهم غير الواضحة، والميل إلى توسيع نطاق عملهم المستقل، قد أدى إلى إفراز عدد كبير من اللوائح شبه القانونية. على سبيل المثال، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، زعم المسؤولون الألمان، بما في ذلك المفوض كلاين وكذلك وزيرة الداخلية نانسي فايزر، مراراً وتكراراً أن شعار "من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة" معادٍ للسامية لأنه ينكر حق إسرائيل في الوجود. في حين، قامت الشرطة بشكل منهجي باضطهاد الناشطين الذين يستخدمون الشعار، معتبرة إياه دليلاً على دعم الإرهاب، كانت المحاكم مترددة، فأصدرت أحكاماً في بعض الحالات، وقضت باستخدامه في حالات أخرى باعتباره يخضع للحماية بموجب حرية التعبير.

لقد أدى نفوذ هؤلاء المفوضين، الذين لديهم عمومًا القليل من المعرفة الفعلية باليهودية، إلى زيادة نفوذ الجماعات المؤيدة لإسرائيل في ألمانيا. وكما لاحظت سوزان نايمان، المديرة اليهودية لمركز أينشتاين في بوتسدام: "لم ينشأ أي من المفوضين كيهودي، على الرغم من أن أحدهم اعتنق اليهودية بعد وقت قصير من تعيينه؛ ومعظمهم لا يفهمون التعقيد أو التقاليد اليهودية ... ولتعويض عدم إلمامهم بها، يعتمد المفوضون على مصدرين للمعلومات حول اليهود والإسرائيليين والفلسطينيين: السفارة الإسرائيلية، والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، أحد المنظمات اليهودية الأكثر ميلاً إلى اليمين في العالم".

"شبه" تجريم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات

لقد جرى استهداف العديد من ضحايا القمع بعد التوقيع على عرائض أو المشاركة في مبادرات مرتبطة بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات اللاعنفية "BDS". في مايو/أيار 2019، تم تمرير مشروع قرار مشترك في البرلمان يوصي بحجب التمويل الحكومي عن الأحداث والمؤسسات المرتبطة بالحركة، إذ تم وصم "أنماط الحجج والأساليب" التي تنتهجها الحركة بأنها معادية للسامية.

وجادل الاقتراح، الذي دعمته أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، والحزب الديمقراطي الحر، فضلاً عن قطاعات كبيرة من تحالف 90/الخضر، بأن الدعوة إلى المقاطعة "تؤدي إلى وصم المواطنين الإسرائيليين بخلفيتهم اليهودية ككل"، وبالتالي فهي "غير مقبولة ويجب إدانتها بشدة".

وجاء في البيان الصحفي أن "البوندستاغ يعارض بشدة أي شكل من أشكال معاداة السامية بمجرد ظهوره ويدين حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "BDS" والدعوة إلى المقاطعة. وعلاوة على ذلك، لا ينبغي لأي منظمة تشكك في حق إسرائيل في الوجود أن تتلقى دعما ماليا. ولا يجب أن تتلقى المشاريع، التي تدعو إلى المقاطعة أو تدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، دعما ماليا".

وبما أن القرار لم يكن ملزما قانونا، لم يمر إعلان حركة المقاطعة "BDS" كمعادية للسامية عبر المحكمة الدستورية. وفي حين أيدت المحاكم الإدارية في بعض الحالات شكاوى ضد سحب الموارد العامة للأحداث التي تشمل مؤيدي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، فقد استُخدم القرار لنزع الشرعية عن العديد من الأفراد والجماعات وتأديبهم، بما في ذلك بعض اليهود الذين هم جزء من شبكة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. كما أسفر القرار عن معاقبة الأفراد والجماعات التي هي جزء من شبكات أوسع نطاقا أخرى تنتمي إليها الحركة.

وفي تقرير حماية الدستور لعام 2023، تم إدراج حركة "BDS" على أنها حركة متطرفة، وهي الخطوة التي تعني أن الحركة قد تكون الآن تحت المراقبة من قبل جهاز الاستخبارات الألماني.

وكما حدث مع مشروع قرار حركة المقاطعة "BDS" في 2019، فقد نصت الاستراتيجية الوطنية ضد معاداة السامية ودعم الحياة اليهودية NASAS والتي وافقت عليها الحكومة الألمانية في عام 2022، على أن "معاداة السامية يجب إدانتها، حتى لو تم التعبير عنها بأفعال لا يعاقب عليها باعتبارها جرائم". 

وبدون مزيد من التفاصيل، أكدت الوثيقة أن "الدعم المالي للمنظمات التي تشكك في حق إسرائيل في الوجود محظور، وكذلك تمويل المشاريع التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل أو تدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بنشاط".

وتستشهد وثيقة بمفهوم الديمقراطية القوية، وهي الديمقراطية القادرة على الدفاع عن نفسها. وتعلن أن "جميع أشكال التمييز المعادي للسامية وانتشار الكراهية تجاه اليهود يجب التعامل معها بشكل متسق. ولا ينبغي للديمقراطية الدفاعية أن توفر أي وسيلة أو مساحة لذلك".

رواد أعمال الذعر الأخلاقي

يعتبر تطبيق تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، وتعيين مفوض معاداة السامية، وتجريم حركة المقاطعة "BDS"، جزءا من اتجاه أوسع نحو إضفاء الشرعية القانونية ــ بمعنى توسيع اللوائح القانونية لتشمل المزيد من مجالات الحياة. ومع انفصال مكافحة معاداة السامية عن مكافحة التمييز والعنصرية، فإن التدابير المرتبطة بها غالبا ما تكون غير مؤكدة من الناحية القانونية. والواقع أن العملية برمتها الموضحة في هذه المقالة جرت على أسسّ شبه قانونية. ونظرا لأن العديد من التدابير غير منصوص عليها في القانون، فلا يمكن إصدار أحكام بشأن دستوريتها. وهذا يضعف من قدرة المتضررين على الاستئناف.

واليوم، يعمل رواد أعمال الذعر الأخلاقي في ألمانيا في سياق مؤسسي ساعدوا هم أنفسهم في بنائه. والآن، يقود فرع محدد من الإدارة عملية مأسسة وبيروقراطية مكافحة معاداة السامية، ذلك الفرع الذي يتمتع بموارد مادية ونطاق عمل غير واضح، بما يعزز من توسيع سلطته.

لقد مهد الذعر الأخلاقي في ألمانيا الطريق لممارسات إدارية لم تؤد فقط إلى تجريم الرموز الفلسطينية والمطالبات بالحرية وحتى التعبير عن التضامن مع الضحايا المدنيين في غزة، بل أدت أيضًا إلى سحب التمويل عن الجمعيات والأفراد الذين تم تعريفهم - دون حكم قضائي - على أنهم تابعون لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو حتى كارهين لإسرائيل.

وبالتالي فإن حرية التعبير والرأي والتجمع في ألمانيا تخضع لعملية تصنيف يتم بموجبها وصم السلوكيات القانونية تمامًا على أساس ربطها تعسفيا بدوافع معادية للسامية من قبل رواد الأعمال الأخلاقيين. وهذا يؤدي إلى خطاب "صراع الحضارات" ويحول الذعر الأخلاقي إلى آلية للقمع، إذ يتم وصم وجهات النظر المؤيدة للفلسطينيين أو المنتقدة لإسرائيل وإسكاتها.

© قنطرة