حملة ضد نظرية التطور الداروينية

تعم الأوساط الجامعية والعلمية في تركيا حاليا مخاوف متزايدة تتعلق بإسناد الحكومة الاسلامية لما يسمى باللوبي القوي المؤمن بعقيدة الخلق الإلهية والرافض لنظرية التطور. تقرير من دوريان جونز

حذر أستاذ جامعي تركي في اجتماع علمي منذ فترة ليست ببعيدة من مغبة ألا يسمع الطلاب الأتراك في المستقبل القريب عن نظرية التطور. هذا المؤتمر العلمي الذي نظمه أوزغور غنش دار حول التأثير المتزايد لمؤيدي عقيدة الخلق على مناهج التعليم.

وقال غنش إن نظرية التطور تعرضت في السنوات الأخيرة الماضية الى انتقادات جمة، كما أن عقيدة الخلق صارت تقف موازية لاستنتاجات داروين عن تطور الأنواع.

حملات في كل أوروبا

في أحد مراكز التسوق العديدة في استانبول يمكن زيارة معرض اتباع "عقيدة الخلق" الذي تنظمه "جمعية العلم والبحث"، وهي جمعية ذات رأسمال قوي وتصدر كتباً شاملة وعالية الكلفة بالاضافة الى الأفلام على الأقراص المدمجة وتوزعها على الراغبين مجانا.ً

تقوم الجمعية بحملة في جميع انحاء اوروبا. ويرى رجل الأعمال تاركان يافاش، أحد العاملين في هذه الجمعية، ان واجبه يتمثل في حماية شباب بلاده من "الأفكار الداروينية القديمة".

وحسب يافاش فإن "تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين تُظهر نقاط ضعف نظرية التطور، فعلمياً لم تعد ثابته وهذا ما نريد الإشارة اليه. فهذه النظرية ايديولوجية في اسسها وهدفها الاساس نكران وجود الله. ولهذه الأسباب يتم باسمها نشر أكاذيب يؤثرون بها على أطفالنا".

إسلاميون ومسيحيون في صف واحد

تستند الأفلام الكثيرة التي تنشرها مجموعة المؤمنين بعقيدة الخلق من "جمعية العلم والبحث" على مدونات مجموعات مسيحية اميركية متطرفة. فقد شارك مندوبون عن تلك المجموعات في اجتماعات ومؤتمرات المجموعات التركية المؤمنة بعقيدة الخلق.

وكان "معهد علوم الخلق" قد تعاون في العام 1985 مع الحكومة التركية بهدف ادراج علم الخليقة ضمن المواد التعليمية. وكان أحد معارضي نظرية داروين بشدة، وهو الكاتب والصحفي مصطفى اكيول الذي يعمل بشكل وثيق مع مجموعات أميركية قد وقف امام محكمة كانساس الاميركية بصفته خبيرا معارضاً لنظرية داروين ضمن المواد التعليمية. وبرأيه انه عندما يقف اميركيون وأتراك يداً بيد ضد الداروينية فهذا يساعد على تخطي الحواجز الدينية.

ويتابع أكيول قائلا: "ينشأ حالياً اتحاد مهم بين المؤمنين بوحدة الخالق في الغرب والشرق، اتحاد يقف في وجه العداء الجوهري بين الأديان. ان الصراع بين العالم الاسلامي والغرب له علاقة الى حد كبير بالافكار المشركة القادمة من الغرب".

وثمة جدل متزايد في الغرب أيضا عن مثل تلك الرؤية المادية. ويتابع موضحاً "هناك عدد أكبر من الناس يسلم بأن الفلسفة المادية لا تشكل قاعدة علمية صحيحة وان العلم يدعم الفكرة الدنيوية التوحيدية ويمكنه الاقرار بوجود اله واحد. عندما يعترف المسلمون بتحول العقلية في الغرب يمكنهم التخلص من فكرة التمييز بين الغرب والشرق والدخول في حوار مع الطرف الآخر".

معلمون في مأزق

ولكن بينما تتوحد مجموعات مسلمة ومسيحية في رفضها لنظرية داروين يجد الكادر التعليمي في المدارس التركية نفسه في مأزق. لا يحق للمعلمين والمعلمات الأتراك الحديث الى وسائل الاعلام بدون موافقة وزارة التعليم. لذا لم يتم ذكر أصحاب التصريحات التالية.

تقول السيدة (أ) مدرسة مادة الطبيعيات في مدرسة ثانوية في اسطنبول إن المعلمين والمعلمات يمتلكون حرية كبيرة في اعداد دروسهم، لذا فهم ذو أهمية للأطراف المتصارعة: "المعلمون الذين يشرحون لطلابهم نظرية التطور يتعرضون لمضايقات من قبل زملائهم المؤيدين لعقيدة الخلق. ثلاثة من خمسة معلمين لمادة الطبيعيات في المدرسة التي أعمل بها يدرسون التلميذات نظرية الخلق ويتعمدون مضايقتي والضغط عليّ، حتى انهم يحرضون التلاميذ ضدي".

وتتابع المعلمة قائلة ان مجموعات دينية تتبادل فيما بينها قرب المدرسة وحتى داخل مبنى المدرسة مطبوعات تؤيد نظرية الخلق: "يقدمون شكاوى لدى السلطات ضد المعلمين الذين يشرحون للطلاب نظرية التطور. في السنة الماضية تم اقصاء خمسة معلمين عن العمل بسبب تلك الشكاوي. لذا فإن الصعوبات تزداد من سنة الى أخرى للمعلمين والمعلمات في مثل وضعي".

لم يكن وزير التعليم، حسين شيليك مستعداً للتعليق على مثل هذه الاتهامات او اعطاء توضيحات لهذا الموضوع رغم تكرار السؤال. وثمة اعتقاد في الاوساط الصحفية ان الوزير يؤيد تناول نظريتي الخلق والتطور معا في المواد الدراسية. ولكنه رفض اعادة المعلمين المبعدين عن العمل.

إختلاف أولياء الأمور

يقسم الصراع المحتدم أولياء الأمور، فغالبيتهم في ثانوية شيهانغير في استانبول من الملتزمين دينياً.

يقول أحد الآباء: "لا يجوز اغفال نظرية الخلق في دروس الطبيعيات بأية حال من الأحوال. فعلى الأولاد ان يتعلموا ان الله هو خالق الكون وجميع الكائنات. أنا نفسي أؤمن بالله وأربي أولادي على هذا الايمان، لذا فلا يجب ان يتعلموا في المدرسة شيئا مختلفا، هذا يشوش تفكيرهم".

يقول أب آخر "الخلط بين الدين والعلم ليس أمراً جيداً. في المواد العلمية يجب تدريس النظريات والاكتشافات العلمية. وفي درس الدين يتعلم الأولاد دينهم. وبالنتيجة يجب ان يتعلموا ان يفكروا بطريقة عقلانية. الدين والعلم مثل الزيت والماء، لا يمتزجان."

تتنامى التناقضات في تركيا في مسألة الدين كما هو عليه الأمر في مسائل أخرى أيضاً. ويتعلق الأمر هنا بالدور الذي يمكن أن يلعبه الأولاد في التطورات المستقبلية للبلاد؟ ولكن بما ان الأولاد يقفون في صلب الصراع الحالي فسيتسلح الطرفان لمعركة ضارية وطويلة.

بقلم دوريان جونز
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006