"الجيش المصري ينتظر تطورات الأيام القادمة قبل أن يحسم موقفه"
رغم شعبية المؤسسة العسكرية المصرية، تنتظر قياداتها ما ستسفر عنه "ثورة الشعب" خلال الأيام القادمة لتحديد موقفها. السؤال المطروح، هل يتبنى جيش مصر النمط التونسي ويدعم الثورة، أم يساند مبارك للحفاظ على امتيازات معينة؟
مشهد لم يعتد عليه أبناء القاهرة، والإسكندرية، والسويس والمدن المصرية الأخرى طوال عقود: أرتال من الدبابات والعربات المصفحة التابعة للجيش المصري تنتشر أمام نقاط حيوية في هذه المدن، وتفرض حظراً للتجول لم يتم الالتزام به، ورغم ذلك لم تطلق قوات الجيش النار على المتظاهرين. الشرطة وقوات الأمن شبه مختفية، والأوضاع متجهة إلى فوضى، لكن المتظاهرين رحبوا بالجيش وطلبوا منه توفير الأمن وحمايتهم. هذا الموقف تجاه أفراد الجيش المصري ينظر إليه بعض الخبراء والمحللين الغربيين على أنه مفاجأة ومفارقة في نفس الوقت، خصوصاً وأنه انتشر من أجل حماية نظام مبارك الذي يتظاهر عشرات الآلاف من المصريين للمطالبة بإسقاطه، كما لم يتدخل في أوضاع داخلية كهذه من قبل.
"المفاجأة في امتناع الجيش عن إطلاق النار"
يعتبر ميشائيل لودرز، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، في حديث مع دويتشه فيله بأن "أحد أكبر مفاجآت هذه الثورة في مصر هي عدم حصول ما كان الكثيرون يخشونه، وهو أن يقوم الجيش بفتح النار على المتظاهرين وارتكاب مجازر بحقهم، بل على العكس فإننا نشهد مظاهر التآخي بين الطرفين"، ويضيف لودرز بأنه هذا "سيشكل تحولاً فعلياً، ليس فقط في مصر، بل في العالم العربي بأسره ... إذا ما قام الجيش باستغلال هذا الاحترام لتحقيق مصالحه، فإنه سيظهر كالمنتصر في الحقبة الجديدة، وسيتمكن من تعزيز نفوذه بكل تأكيد".
أما اللواء ركن المتقاعد طلعت مسلّم، الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، فيعزو موقف الجيش إلى دوره التاريخي بصفته يحمي مصر من أي اعتداء خارجي. وتوقع مسلّم، في حديث مع دويتشه فيله، أن يقتصر دور الجيش في "الحفاظ على الأمن بالتعاون مع باقي قوات الأمن ... والحياد بين الأطراف... وبالتالي لا أعتقد أن هناك دوراً مهماً للقوات المسلحة في مساندة الرئيس حسني مبارك". ويرى مسلّم بأن موقف الجيش يأتي أيضا من كون المؤسسة العسكرية المصرية، التي تصنف كعاشر أقوى جيش في العالم، عملت طوال سنوات حكم الرئيس مبارك خلف ستار من التكتم الإعلامي، دون أن تفقد شعبيتها في الأوساط المحلية المصرية، كما دللت على ذلك الصور التي تلت انتشار الجيش في شوارع القاهرة. وتشير تقارير إعلامية إلى أن مبارك قد عمل طوال فترة حكمه على الفصل بين الجيش والسياسة، عن طريق توسيع هيكلية الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي يتزعمه.
من الصعب ظهور شخصية مماثلة لشخصية رشيد بن عمار
وفي تطور جديد أعلن مبارك تعيين رئيس جهاز المخابرات المصري، اللواء عمر سليمان، نائباً لرئيس الجمهورية، وهو منصب ظل شاغراً طوال تسعة وعشرين عاماً. اللواء المتقاعد طلعت مسلّم يرى أن هذه الخطوة "جاءت متأخرة جداً، وليس هناك تأكيد أنها ستحقق تهدئة في الوقت الحالي. هناك احتمال، لكنه ليس كبيرا". وهناك شعور بأن الرئيس اختار مقربين منه، وهما اللواء عمر سليمان كنائب له والفريق أحمد شفيق لتشكيل وزارة جديدة، وهو أمر ربما يضعف من أثر هذه التعيينات في تهدئة الجمهور".
أما لودرز فيخشى من أن يحاول مبارك استخدام استراتيجيه "فرّق تسد" ضد الجيش، من أجل الالتفاف عليه واحتواء "ثورة الشعب" في نفس الوقت، متابعاً: " تعيين رجل مخابرات مثل عمر سليمان على رأس الحكومة يلمح إلى تصديق مبارك لإمكانية إخماد جهاز المخابرات أو أجهزة الأمن والداخلية لهذه الثورة. وإذا ما كان هذا الأمر صحيحاً، فإنه يدل على فقدان مبارك لصلته مع الواقع على الأرض. لا أعتقد أن هذه الشخصية ستساهم في تعزيز حكمه".
هذه الخطوات والتطورات المتسارعة تجعل التكهن بخطوات الجيش المصري في المرحلة المقبلة أمراً شبه مستحيل، خصوصاً أن مبارك قد قام في السابق بعزل أو تهميش شخصيات من الجيش حظيت بقبول واحترام شعبي واسع، وهو ما يجعل ظهور شخصية مماثلة للجنرال رشيد عمار، قائد الجيش التونسي وصاحب الدور الأهم في دعم "ثورة الياسمين"، أمراً عسيراً.
محاولات مبارك تهميش الجيش وبناء منظومة للحكم تتمحور حول شخصه، تدعمها الماكينة السياسية والإعلامية للحزب الحاكم، ومحاطة بحماية تشكيلات الأمن الداخلي، كانت بهدف تعزيز خطة مبارك للفصل بين الجيش والسياسة، خصوصاً وأن السنوات الأخيرة شهدت خلافات بين قيادات الجيش والرئيس المصري حول مسألة ترشيح نجله جمال، الذي لم يكمل خدمته العسكرية، لمنصب الرئاسة. إلى هذا يستغرب الخبير العسكري طلعت مسلّم صمت وزير الدفاع الحالي، المشير محمد حسين طنطاوي.وحول موقفه يقول: "هناك صعوبة في الحكم في هذا الموضوع ... لا أعلم العلاقة بين الرئيس والمشير (طنطاوي) في هذا الوقت، وبالتالي دور القوات المسلحة في هذه العملية ليس واضحاً ... هذا شيء غريب ولا بد من البحث عن أسبابه، لكنني لا أعتقد أن هناك أسبابا صحية وراء هذا الموضوع".
مرحلة ما بعد مبارك "ثقب أسود"
هذا ويؤكد ميشائيل لودرز أن مصر ما بعد مبارك ستكون عبارة عن "ثقب أسود"، وأن التفاعلات بين الجيش والقوى السياسية على الساحة المصرية "مفتوحة"، مضيفاً أن "الجيش سينتظر الآن ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، ومن ثم سيقرر كيف سيتصرف". ويتابع الخبير الألماني بالقول: " لا نعرف ما الذي سيجري في مصر إذا ما تنحى حسني مبارك عن منصبه. نحن لا نعلم ما إذا كان الجيش سيعيّن شخصاً من صفوفه لتولي رئاسة المرحلة الانتقالية، أو ما إذا كان سيقوم بدعم قوى المعارضة مثل محمد البرادعي لتولي مقاليد الأمور ... لا يسعنا سوى أن نأمل في أن تقوم القوى الداعمة للديمقراطية بفرض نفسها، لكن من الممكن أيضاً أن تستبدل مصر رئيساً سيئاً برئيس أسوأ منه".
مما لا شك فيه أن قيادات الجيش "تنتظر وتراقب" تطورات "ثورة الشعب" في مصر، وتوازن بين المنافع التي تتوقع أن تجنيها من بقاء حسني مبارك على قمة هرم السلطة، وما بين تنحيته واستبداله بصيغة سياسية تستطيع من خلالها تأمين نفوذها في المجتمع المصري دون المخاطرة بمكانتها لدى الشعب.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: ابراهيم محمد
حقوق النشر :الدويتشه فيله2011
قنطرة
حوار مع الخبير الدكتور توماس ديميلهوبر
بعد بن علي ـ هل بدأ نظام مبارك يتهاوى؟
ما هى خلفيات الاحتجاجات التي تجتاح مصر وتطالب بسقوط نظام الرئيس مبارك؟ هل هي عفوية، أم أن هناك قوى تقف وراءها، وما موقف الغرب منها؟ ثم هل باتت أيام الرئيس مبارك معدودة؟ عبده جميل المخلافي في حوار مع الخبير الألماني في الشؤون المصرية توماس ديميلهوبر.
الاحتجاجات في مصر
"فرصة حقيقية لقيام دولة بإرادة شعبية"
تتواصل الاحتجاجات في مصر مع وردود أنباء عن سقوط ضحايا جدد. وبالرغم من إعلان أحزاب المعارضة وقوفها مع هذه الاحتجاجات وعودة البرادعي، فإن المراقبين يتحدثون عن انتفاضة شبابية. هاني درويش استطلع آراء بعض الخبراء والناشطين.
الاحتجاجات في مصر
شباب الفيس بوك في مصر يصنعون تاريخاً جديداً
تتواصل المظاهرات والاحتجاجات في شوارع مصر على نحو لم تعرفه من قبل. قائد هذه الاحتجاجات هو الفيس بوك، أما المتظاهرون فهم شبان، معظمهم من الطبقة الوسطى وغير مُسيّسين، سئموا البطالة والفساد، ويحلمون بثورة ياسمين جديدة.التقرير لسمير جريس.