خطاب علاقات عامة أم خطاب للتطبيق؟

لقي خطاب أوباما بالمجمل ترحيبا عربيا واسعا، من حيث طبيعة النبرة الجديدة المنفتحة على المسلمين والدعوة إلى تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، والآن ينتظر العالم العربي أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال. أميرة الأهل حضرت خطاب أوباما في القاهرة وسجلت هذه القراءة.

يعتبر نادي الجزيرة بحي الزمالك الراقي في القاهرة مُتَنَفس المدينة. ففي هذا النادي الراقي يلهو آلاف المصريين الأغنياء بين السباحة والرقص ولعب الجولف. لكن بالأمس حوّلت قوى الأمن المصرية اتجاه كل مَن أراد الاقتراب من هذه المنطقة إلى اتجاه آخر. لقد تم تحويل هذا النادي الرياضي إلى منطقة أمن أمريكية وأغلقت الشوارع المحيطة به، وقبيل الرابعة بعد الظهر ارتفعت أربع مروحيات عملاقة في الجو فوق ملعب الجولف المترامي الأطراف الذي لا يعرف سوى ضربات كرة الجولف، اثنتان منهم اتجهتا إلى مطار القاهرة والأخريان إلى الأهرامات، حيث كان على متن احداهما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما.

قبل ذلك بساعتين كان أوباما قد أنهى في جامعة القاهرة خطابه التاريخي المنتظر الذي وجهه إلى العالم الإسلامي وقُوبل بعاصفة من التهليل والتصفيق. وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية التي سبقت الخطاب وتشاؤم النقّاد، إلا أن فرحة المصريين تجاوزت ذلك بمجرد اختيار رئيس الولايات المتحدة مصر لإلقاء خطابه.

أوباما الرئيس..أوباما الإنسان

بلغ عدد المدعوين في قاعة الجامعة بالجيزة ثلاثة آلاف شخصا، من بينهم ثلاثمائة طالب وطالبة من مختلف الكليّات. وقبيل إلقاء الخطاب تقول آلاء، البالغة من العمر تسعة عشر عاما، والطالبة في كلية الإعلام: "إنني أحب أوباما جدا ولديّ أمل كبير فيه، وأنا متأكدة أنه لن يخيب ظننا". كما تحققت أحلام مصطفى وباكينام ورضوى، الطلاب في كلية الطب، حيث استطاعوا رؤية رئيس الولايات المتحدة مباشرة، ويعلق مصطفى قائلا: "إننا نحب باراك أوباما أولا كإنسان، وثانيا كرئيس". ويرى أن خلفية أوباما العائلية وتاريخ حياته سهّلا على المصريين تقبّل شخصيته مقارنة برؤساء الولايات المتحدة الذين سبقوه، ومن ناحية شكله فمن الممكن أن يعتبره المرء أحد أبناء هذا البلد.

وقد أدى اختياره لجمهور المستمعين زيادة محبّة المصريين له، حيث "حرص على دعوة جميع ألوان الطيف في المجتمع المصري لحضور خطابه دون استبعاد أحد، بعكس ما يفعله السياسيون عندنا"، على حد قول المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض، في تعليق له في صحيفة 'المصري اليوم'. وكان من بين المدعوين في قاعة جامعة القاهرة مشاهير من المعارضة والمفكرين وكبار ممثلي الإسلام والمسيحية في مصر. علاوة على ذلك كان من بين الجمهور صحفيون معارضون للنظام والنخبة الثقافية والسياسية في البلاد.

جدير بالذكر هنا أن الرئيس حسني مبارك لم يكن حاضرا بنفسه أثناء الخطاب، ولكنه أناب عنه مجلس وزرائه وابنه جمال مبارك. وكان مبارك قد عقد مع أوباما اجتماعا ثنائيا قبل خطابه.

خطاب تسلل إلى القلوب...

تحدث باراك أوباما ساعة كاملة – تخللها تهليل وتصفيق هزّ أرجاء قاعة الجامعة العظيمة – عن العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام، والصراع الشرق أوسطي، وخطر الأسلحة النووية، والديمقراطية، والحريات الدينية، وحقوق المرأة، والتنمية الاقتصادية. وقد قُوبل إعلانه بتجديد الحوار مع العالم الإسلامي، ومن ثَم بتحسين العلاقات بين الجانبين، بالترحيب في العالم العربي. بيد أن النقّاد كانوا قد نبّهوا قبل الخطاب على أن الكلمات وحدها لا تكفي لرأب الصدع بين أمريكا والعالم الإسلامي.

وقد بدأ باراك أوباما خطابه مدافعا بقوله "لا يمكن لخطاب واحد أن يُلغي سنوات من عدم الثقة"، وأردف مقتبسا من القرآن "اتقوا الله وقولوا قولا سديدا"، وأعقب قائلا: "هذا ما سوف أحاول بما في وُسعي أن أفعله اليوم".
بهذا الاقتباس القرآني استطاع باراك أوباما يوم الخميس أن يحتل قلوب جمهوره، ودوّى التصفيق في القاعة، كما بات واضحا من ردود الأفعال كيف أثّرت كلماته في الناس، فعلى حد قول وزيرة الأسرة والسكان، مشيرة خطّاب: "إنه اختار الآيات بحكمة، وزاد من إعجابي أنه تطرق إلى حرية الأديان وبيّن أهمية احترام الجماعات الدينية الأخرى".

وأمام قاعات جامعة القاهرة تناقش الطلاب ساعة بعد الخطاب حول أوباما، وكانت باكينام، الطالبة في كلية الطب، معجبة بشخصيته الجذّابة، وقالت بعد الخطاب مشرقة الوجه: "أنا معجبة، وخاصة باحترامه للإسلام وإعلانه أنه سيركز اهتمامه بالتعليم في العالم العربي".

الحوار هو بداية التفاهم

إن تعرّض أوباما في خطابه لذكر تاريخ العالم الإسلامي الغني وجميع انجازاته واقتباساته الحكيمة لآيات من القرآن كان له على روح المسلمين أثرَ البلسم. فعلى حد قول الدكتور محي الدين عبد الحليم، الأستاذ بجامعة الأزهر، اليوم في جريدة الأهرام الرسمية اليومية "إن تحمّله مسئولية تصحيح صورة الإسلام وتعدد اقتباساته من القرآن دليل قوي على احترامه للإسلام". كما أنه وجّه النقد للمسلمين أيضا حينما قال أن تصحيح صورة العالم الإسلامي ليست بِيد أوباما وحده.

إن ما أراده باراك أوباما من خطابه، بالضبط، يتمثل في دفع عجلة الحوار، وليس فقط توضيح مدى احترام العالم الإسلامي ولكن أيضا الدعوة إلى تفهّم أمريكا. وكما تقول داليا مجاهد، مستشارة الرئيس أوباما للشؤون الإسلامية والمدير التنفيذي لمركز جالوب للدراسات الخاصة بالمسلمين: "إن أمننا مبني على العلاقات المتينة مع العالم الإسلامي". وتعارض الخبيرة، التي شاركت في تنميق خطاب باراك أوباما، النقّاد قائلة أن هذه بداية القضية، وأن "كل فعل إنساني يبدأ بكلمة".

وبعد خطاب أوباما بيوم عادت القاهرة إلى وضعها الطبيعي، ولا يوجد شيء يُذكّر بالضيف الكبير سوى الشوارع التي رُصفت حديثا ونُظّفت من القمامة خصيصا للرئيس. وبالطبع أيضا باتت زيارة أوباما وخطابه الموضوع الرئيسي في الصحافة المصرية.

العبرة بالأفعال

وامتلأت الصفحات الرئيسية بصور لرئيس الولايات المتحدة، مرة مع حسني مبارك، ومرة أثناء خطابه بالجامعة، ومرة أخرى أثناء زيارته لمسجد السلطان حسن في القاهرة القديمة، وأخرى عند أهرامات الجيزة.

واندفعت جريدة 'الوفد' المعارضة وقامت بنشر مجموعة من الصور فيها شيء من الاستفزاز، فكان على صفحة العنوان صورا لباراك أوباما وجمال مبارك، الابن الأصغر لحسني مبارك، وصورا لكثير ممن يجري الحديث عنهم كخلف للأب مبارك، وكيف اقتربوا من قصر الرئاسة، وصور لشباب حيوي ذي طموحات، ... ولا داعي للتعليق.

كل الصحف، سواء المقربة من الحكومة أم المعارضة، تحدثت بإيجابية عن خطاب أوباما، ولكنها اتفقت جميعا في المضمون، وهو أن الخطاب قد صِيغ بأسلوب يرضي الجميع وتطرق للمواضيع المهمة، كما أن الكلمات التي انتقاها الرئيس كانت حكيمة ولطيفة. وقد كتبت صحيفة 'المصري اليوم' المعارضة: "لكن الكلمات يجب أيضا أن تتبع بالتنفيذ حتى يٍُستفاد منها". وكذلك كتبت جريدة الأهرام الرسمية افتتاحيتها بعنوان كبير "أوباما تحدث والآن ننتظر الأفعال".

أميرة الأهل
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

اختيار أوباما القاهرة لمخاطبة العالم الإسلامي:
خطاب من "قلب" العالم الإسلامي إلى "العقل" الإسلامي... الرسائل والرؤى
مع قرب زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لمصر والخطاب الذي سيوجه من جامعة القاهرة للعالم الإسلامي، رأى البعض أن هذا الخطاب تأكيد على أن مصر تمثل قلب العالم الإسلامي تاريخا وحضارة وتأثيرا، فيما رأى آخرون أنه يصبّ في مصلحة دعم نظام مستبد. نيللي يوسف من القاهرة تحدثت إلى عدد من المحللين والحزبيين حول هذا الخطاب ودلالاته.

أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الحقبة البوشية... إشارات تصالحية
جددت المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الآمال في بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. غير أن كسب ثقة العالم الإسلامي يستوجب سياسات بعيدة المدى كما يرى عدد من الخبراء. شمش العياري رصدت آراء بعض المحللين حول آفاق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.

نتائج الرئاسة الأميركية ومستقبل العالم العربي:
العالم يتغير والعرب خارج قواعد اللعبة العالمية
لن تكون مهمة الرئيس الأمريكي القادم سهلة، فقد خلفت إدارة بوش إرثا ثقيلا من الملفات والتحديات الجسيمة التي كان آخرها أزمة أسواق المال التي طرحت تساؤلات حول عودة نظام التعددية القطبية وصعود قوى عالمية جديدة. كل هذا التحولات تدور بعيدا عن إدراك العالم العربي لآثارها ونتائجها وفق تحليل الكاتب الكويتي أحمد شهاب.