مواضيع اجتماعية من صلب المجتمع الإيراني

تُعدّ رخشان بني اعتماد من أشهر المخرجات وكاتبات السيناريو في العالم. وقد انتهت أخيرا من تصوير فيلم "الخط الرئيس" الذي تدور أحداثه حول شابة مدمنة على المخدرات. روبرت ريشتر تحدث مع الفنانة

​​

ينطلق العديد من المراقبين من أنّ إنتاج الأفلام الاجتماعية-السياسية سيزداد صعوبةً في ظل الحكومة الإيرانية الجديدة المحافظة. بيد أنّ رخشان بني اعتماد تتشبث بإصرارٍ بعملها على الفيلم الجديد "الخط الرئيس" (خون بازي) وعلى تنفيذه وفقًا للخطة المرسومة.

تقول بني اعتماد: "سأواصل مسيرتي بغض النظر عن كيفية تطور الأوضاع، ذلك لأني مقتنعة بأنّ هناك طريقًا نستطيع أنْ نسلكه من أجل متابعة العمل والوصول للأهداف التي وضعناها نصب أعيننا". وتتابع بهذا الصدد: "لا يستطيع صانعو القرار تغيير القيم التي أؤمن بها. وأحاول كل ما بوسعي لأبقى إنسانة وفية لنفسي".

تتناول رخشان بني اعتماد في أفلامها مواضيع اجتماعية تستوحيها من صلب المجتمع الإيراني. وتسلط اهتمامها على المعدمين الذين يتورطون في نزاعات بسبب البيئة الاجتماعية-الثقافية، أو على خلفية الأوضاع الاقتصادية. والجدير بالذكر أنّ بعض هذه الأفلام حازت على جوائز عالمية أيضًا.

غياب الأفق المادي والمعنوي

وتناولت الكاتبة السينمائية موضوع الإدمان على المخدرات فيما تمَّ تصويره من فيلمها "الخط الرئيس" حتى الآن. حيث يتعين على شخصية الفيلم الرئيسة سارة أن تتغلب على إدمانها على الهيروين قبيل زواجها (مثلت الدور باران كوساري، وهي ابنة بني اعتماد)، لذا تأخذها والدتها إلى مستشفى لمعالجة الإدمان.

وتدفعنا المقاطع التي تم تصويرها لأنْ نتوقع فيلمًا، يبيِّن حسب تقاليد الواقعية الجديدة، كيف يدفع غياب الأفق المادي والمعنوي، بعددٍ متزايدٍ من الشبان والشابات نحو الإدمان على المخدرات.

وتقول بني اعتماد حول ذلك: أنّ "الإدمان على المخدرات مشكلة تواجهها كل الدول في العالم. ولأنّ ثلثي السكان في إيران دون سن الخامسة والعشرين، أرى في الإدمان على المخدرات مأساةً كبرى، في بلدنا على الأقل."

ولدت رخشان بني اعتماد عام 1954 في طهران، بدأت عملها في السبعينيات في مؤسسة التلفاز الوطني، بعد دراسة الإخراج السينمائي. وقدمت فيلمها الأول "خلف الحدود" (خارج از محدوده) في عام 1987، وهو عبارة عن فيلم ساخر عالج موضوع البيروقراطية في إيران.

حازت بني اعتماد بفيلمها (نرجس، 1992) على جائزة أفضل إخراج في مهرجان فجر السينمائي، وكانت بذلك أول امرأة تحصل على هذه الجائزة. ويعالج الفيلم قصة حب ثلاثية الأطراف، تدور بين "نرجس" الصبية، و"أفق" الطاعن في السن، و"عادل" العاطل عن العمل، الذي كان يكسب قوته اليومي من السرقة. وقد حقق الفيلم إعجابًا عالميًا واسعًا علاوة على الجائزة.

تبِع هذا فيلم "الخمار الأزرق" (روسري آبي، 1995) الذي تناولت فيه الحب والمحظورات، حيث يقع الأرمل الميسور الحال "رحماني" منتج الطماطم في حب "نوبار"، وهي موظفة في مصنعه. ويتواجه مع عائلته بسبب حبه الذي تجاوز به الأعراف والتقاليد. وقد حازت رخشان بني اعتماد بهذا الفيلم على جائزة الفهد البرونزي في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي.

أفلامي للرجال والنساء معا

وإلى جانب الأفلام السينمائية، صورت بني اعتماد أفلامًا وثائقيةً أيضًا. حيث يخبر فيلم "أوقاتنا" (روزجار ما) عن النساء والرجال الذين ناضلوا في إطار انتخابات الرئاسة عام 2001 من أجل مواصلة الإصلاحات، وهو تقرير وثائقي مكوَّن من جزأين.

يركز الجزء الثاني من الفيلم على "آرزو بيات"، وهي شابة مطلَّقة، تبلغ من العمر 25 عامًا، ويتعين عليها تربية ابنتها ورعاية والدتها الكفيفة لوحدها. وتتفاقم مشاكلها بعد أنْ تفقد عملها، فتضطر من ثم لإخلاء منزلها أيضًا. وبالرغم من كل هذه الظروف تسجل اسمها كمرشحة للرئاسة. بيد أنّها تُرفض بلا تردد حيث يُشطب إسمها عبر ما يسمى بـ "قائمة المحذوفين".

ترافق رخشان بني اعتماد "آرزو بيات" في كل مكان، وتلتقط بعدستها العديد من اللحظات المحزنة، التي تُظهر المشكلة الرئيسية الحقيقية التي تواجه المجتمع الإيراني: أي يأس كثيرٍ من الناس بسبب الوضع الاقتصادي، وبسبب "البحث" الأبدي عن عمل في المدينة الضخمة.

وتتجلى عناصر تشكيل الصورة النموذجية في الفيلم الوثائقي في فيلم "تحت جلد المدينة" (زير بوست شهر، 2000) وفي فيلم "الخط الرئيس". حيث يخلق الإخراج وقبل كل شيء لقطات الكاميرا اليدوية التي تلاحق الحدث والأشخاص شعورًا بالموثوقية.

ويتناول فيلم "تحت جلد المدينة"، الذي لاقى جمهورًا واسعًا في إيران، موضوعي الحياة اليومية المحبطة والبؤس الاجتماعي كذلك. وتعود شخصية اجتماعية هامشية لتقف من جديد في بؤرة الاهتمام لدى بني اعتماد. حيث تفقد "توبا" عاملة النسيج بيتها وعائلتها. وتخدع عصابة من المحتالين ابنها عباس، حيث يعدونه بمساعدته على الهجرة إلى الخارج، ليقع بعد ذلك في براثن مافيا المخدرات.

ونالت بني اعتماد تقديرًا عالميًا بفيلمها "جيلانه" الذي عرضته قبل عام. يعرض الفيلم اليوم الذي بث فيه التلفاز الخبرعن هجوم الولايات المتحدة على العراق، لتجد المرأة الريفية الفقيرة جيلانه نفسها وقد تُركت وحيدة مع ابنها، بعد أنْ الحقت الحرب العراقية-الإيرانية به في الثمانينيات إعاقةً بالغة.

تقف النساء اللواتي خذلهن المجتمع، مرارًا وتكرارًا في بؤرة الاهتمام، في الأفلام التي صورتها بني اعتماد في الأعوام الأخيرة،: بدءا بمرشحة الرئاسة آرزو بيات إلى عاملة النسيج توبا وحتى جيلانه.

ورغم ذلك لا ترغب بني اعتماد بأن يُنظر لها على أنها مخرجةٌ نسويةٌ؛ فالأمر يتعلق عندها بموقف أساسي أعم. إذ تقول بني اعتماد بهذا الصدد: "يجب أنْ لا تُقيَّم أفلامي من وجهة نظر مؤنث/مذكر وحسب. فأنا أعالج المشاكل الاجتماعية والمصاعب التي تواجه النساء والرجال في المجتمع".

بقلم روبرت ريشتر
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

ملف السينما الإيرانية
تحصد الأفلام الإيرانية منذ سنوات في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية جوائز متميزة. قنطرة تتناول في الملف التالي سر هذا النجاح وتطرح السؤال عن جودة السينما الإيرانية