المبادئ الخمس لمستقبل الإسلام
إنهم ينادون بأن "الإسلام يعني السلام"، مركزين في ذلك على أن "الإسلام يرفض الإرهاب"، ويصيحون منددين بأن "الغالبية العظمى من المسلمين ترفض العنف". ولقد عانى زعماء مسلمين في بريطانيا العظمى وفي أماكن أخرى من صعوبات في الفصل بين الإسلام وبين التأويلات التي تنادي بالعنف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 على وجه الخصوص وحتى قبلها.
ولا عجب، أنه غالبا ما يتم ربط الاسلام بالإرهاب – روتينيا - في الأذهان بطريقة ساذجة ومفتعلة. ولكن طقوس الإنكار الواهنة قد ساعدت على تفادي سؤال يطرحه المسلمون بصيغة حادة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ألا وهو لماذا يتأثر أغلب المسلمين ببلاغة دعاة الجهاد من العلماء - المؤولين الإسلام تأويلا حرفيا - وبمبرراتهم الدينية.
أسباب هذا التطور تعتبر واضحة جدا للعيان، فالبلاد "الإسلامية" مثل أفغانستان والعراق وفلسطين ما زالت محتلة، وتحكم بعضها أنظمة مستبدة يساندها الغرب. فعلى ما يبدو أن المسلمين لم يواكبوا العصر الحديث.
وقد انتقل "الحرب ضد الإرهاب" في المقام الأول إلى قلوب وعقول المسلمين في جميع أنحاء العالم، ولم يعد على ساحات القتال التقليدية. ولا ينبغي أن تكون إجابتنا على هذا التطور التشبث بعقائد معينة ولا حتى التقرب من العنف، بل علينا أن نثبت حضورنا في تلك الميادين الخطرة الجديدة من خلال إعادة صياغة الرسالة الحقيقية لعقيدتنا.
الرجوع إلى الوراء
ويعد دياب أبو جحجاح من أولئك المفكرين الذين يقتربون من "الحرب ضد الإرهاب" وذلك بابراز ظواهر القمع المنتشرة في العالم العربي (وفي الغالب العالم الإسلامي) حتى اليوم. وهذه الرؤية تجبر القارئ على إدراك المسألة من وجهة نظر الضحية.
ويرى أبو جحجاح أن الأشكال المختلفة للقمع من اقتصادية وسياسية واجتماعية تقوي كل يوم لهيب الغضب الذي يظهر بازدياد على الشباب العرب و(المسلمين). وهذا الغضب يصيب البلاد التي تعيش فيها الأقلية المسلمة التي تعبر عن مشاعرها مثلما يصيب البلاد التي يشكل المسلمون فيها الغالبية العظمى للسكان.
والمشكلة تكمن هنا في أن أبي جحجاح (وبعض أمثاله من المفسرين الآخرين) يتبنون مبدأ النسبية المنتمي إلى ما بعد الحداثة. يرفض أبو جحجاج العمليات الإرهابية الموجهة ضد المدنيين، ولكنه لا يرى حرجا في استعمال هذه الوسيلة من قبل ضحايا الاستبداد. وهو يرى أن "الحفاظ على الأسس الأخلاقية لا تشغلهم على الأقل في حرب قذرة"، وعليه فيجب مكافحة النار بالنار، ولتحمل الرياح اللهب حيثما أرادت.
هذا من الخطأ
وعلى الصعيد العاطفي نجد لبراهين أبو جحجاح مغزى دون أدنى شك، كما نجد التعاطف مع المسلمين الآخرين – الأمة الإسلامية - في نفس الموقف له أهمية قصوى لدى الشباب المسلم المتأثر بالعولمة. وهنا يجب علينا أن نتفهم سبب الاهتمام الشديد من جانب الشباب المسلم في مدينة برادفورد بالأوضاع في غزة، ذلك لأن الهويات الفردية تكتسب أشكالها وصورها من خلال الواقع العالمي.
ومع ذلك فهناك خطورة في هذه اللغة المنمقة، لأننا كلما ابتعدنا عن القيم الأدبية والأخلاقية كلما أصبحنا عرضة لاستعمال العنف والإرهاب. إن تعاملنا مع الإرهاب والاضطهاد لا بد أن يكون مبنيا على قراءة صحيحة للشارع وأيضا على الأسس والمبادئ الدينية والأخلاقية في الإسلام كما نعرفها منذ عصر النبوة.
وماذا يمكننا أن نقدم للشباب المسلم في البلاد المحتلة، الذين يزدادون غضبا ويصابون بالإحباط جراء ما يرونه على أنه حرب عالمية تشن ضد الإسلام؟ وهنا نقدم خمس مبادئ عملية:
الصراحة في الحوار
إنه لا بد من إحياء العلوم الإسلامية الكلاسيكية وأيضا الحوارات الأخلاقية مرة أخرى، لأن تطور التشريع الإسلامي وعلوم الدين والشريعة والروحانيات كان مصبوغا بصبغة معتدلة ومتأثر بحتمية التوصل إلى "حل وسط".
فبدون الرجوع إلى القيم الدينية - التي تفضل الحوار على العنف والفضائل الاجتماعية على الحماس الديني المتعصب – لن يصبح في مقدورنا أن نهدئ من ثورة الغضب في الشارع العربي.
وكما يذكر فؤاد نهدي فإن الإسلام السياسي المعاصر يقدم الإسلام السياسي المعاصر ديانة لتموت من أجلها ويقدم الإسلام الكلاسيكي ديانة لتعيش من أجلها. ولولا الإسلام الكلاسيكي لما كانت تلك الإنجازات العظيمة التي حققتها الحضارة الإسلامية (والتي يفخر الإسلاميون بها ويعتزون بها).
وتظهر في الصور القديمة للمسجد الحرام بمكة أربعة محاريب تتجه جميعها نحو القبلة، وهي تمثل المذاهب السنية الأربعة التي تقبلها الناس وتعلموها في جوار الكعبة المقدسة. وكانت مكة مركزا للحوارات، وكان مبدأ التعددية السلمي منتشرا بين طلاب العلم والمشاركين في الحوار. أما الآن فقد اختفت روح التعددية في الحوارات الاسلامية.
واليوم فنحن بصدد إسلام "بروتستانتي"، يكاد يبعد كل البعد عن ماضينا الزاخر بامكانيات التأويل. والإسلام التقليدي – الذي طوقته القوى المستعمرة وفيما بعد أولئك الذين يدعون بالمصلحين – قد حل محله اليوم الإسلام الوهابي، الذي يقوم على تفسير النصوص القرآنية تفسيرا حرفيا.
وهذه الحركة (الوهابية) هي التي هدمت المحاريب الأربع في مكة، وفي خلال العقود الأربعة الماضية – مدعومة بدولارات بترولية وكم هائل من المنشورات – سيطرت على جزء كبير من الحوارات الدينية في الاسلام وأحكمت قبضتها، خاصة في بلاد الغرب والعالم العربي.
الدعاية للروحانيات
إنه لمن الأهمية بمكان إحياء السلوك الأخلاقي، فقضية التعاطف مع سلوكيات بن لادن وكل من يحذو حذوه تكمن في أنهم يستخدمون هنا لغة الإسلام ويوجهون النداء إلى الأمة في حين أنهم يغضون الطرف في الوقت نفسه عن الأسس الأخلاقية والأدبية لهذا الدين. ولكن الثورة العاطفية والغضب لن تساعد على معالجة هذا الموقف الراهن.
وعلينا أن نعود إلى الطريق الذي يوصل إلى النبي محمد باعتباره نواة العقيدة الإسلامية، فالاسلام السياسي يرى النبي كقائد محارب، مع أنه كان كذلك ولكنه لم يكن محاربا فقط. فكانت دعوته تكمن في تقويم البشرية من خلال عبادة الله وتقديس ذاته العلية.
وطبقا لتعاليم النبي محمد يجب علينا أن نتمسك بالأسس الأخلاقية حتى ولو أمام معتدٍ سيء السلوك. وكما ورد في القرآن الكريم أنه "رحمة للعالمين"، فالرحمة هي الصفة المميزة للنبي، وكان حبه العميق تجاه الخالق سبحانه وتجاه إخوانه في الدين باعثا له في كل تصرفاته، فكان رسول السلام وسياسي، وكريم وفي غاية الحماسة.
ومع أن النبي لم يأخذ البتة بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، إلا أن الإسلاميين اليوم لا يعرفون الرحمة مطلقا. وعلى الرغم من ذلك فإن نداءاتهم تقرع في الآذان وكأنها إسلامية، إلا أنها في الحقيقة غاية في الدنيوية وتخدم المصلحة الشخصية.
وإذا لم نضع حدا لهذه الاتجاهات، نكون بذلك قد جعلنا من الدين مسخة وأصبح الإسلام شيئا مؤقتا. وسيفقد الإسلام دوره باعتباره الطريق الأصلي القويم لحياة البشر، إذا فقد المضمون الدنيوي وإذا اقتصر على لغة ثورية تقوم على نظام غير أخلاقي وغير أدبي.
إن الروحانية الإسلامية، أي الصوفية، تعتبر الجزء المكمل لحياة المسلم الدينية. وقدم أولياء وشيوخ الصوفية نظرة منهجية لمعرفة الله تستند على تلاوة الابتهالات، التدرب على تطوير شخصية ورعة قويمة، بغية إذلال الأنا وتكريس النفس لخدمة المجتمع. ومن الممكن ان تصبح الصوفية اليوم – بتركيزها على القيم الاسلامية المشتركة ووضع الأهداف السامية نصب عينيها - بمثابة قوة كبيرة مضادة للإسلام السياسي المجاهد.
والأمر لا يتعلق هنا بفهم الإسلام على أنه يقف مكتوف الأيدي تجاه الأمور، فعلى العكس نجد الصوفيين - على سبيل المثال - قد شاركوا في كثير من الحروب ضد الاستعمار في مقدمة الجبهة، أمثال عبد القادر الجزائري في الجزائر وعمر المختار في ليبيا وشامل الداغستاني في القوقاز. وكان الإخلاص في المبادئ عندهم أهم من النصر السياسي أو العسكري.
وجوب فصل الدين عن الدولة
لا بد من إبعاد علماء الدين عن سلطة الدولة، فالدول التي يمثل المسلمون فيها أغلبية السكان عليها أن تتوقف عن تدخلها في الشؤون الدينية. فالتقاليد الإسلامية تتطلب علاقة قويمة بين علماء الدين وبين الدولة حتى يتمكن كل منهما مراقبة الآخر. والمجتمعات الإسلامية تحتاج إلى العلماء كقوة محركة داخل المجتمع، والدولة عليها أن تنسلخ عن الدين وتنشغل بشؤونها الخاصة.
وقد حذرت التعاليم الإسلامية الكلاسيكية علماء الدين من التقرب الكبير من السلطة السياسية، وكثير من مشاهير العلماء قد هربوا قديما من بلاط السلطان حتى يحافظوا على نزاهتهم ولا يعرضوا حريتهم للخطر.
وهذا لا يعنى أن على العلماء الذين يشغلون اليوم مناصب سياسية أن يمسكوا عليهم ألسنتهم، فكثير من العلماء يشغلون مناصب رفيعة في الدولة، مثل مفتي الجمهورية الشيخ علي جمعة بمصر.
و"الدولة الإسلامية" تتطلب بكل المفاهيم موقفا إسلاميا روحيا على أسس من الرحمة والعدالة والعفة، بدلا من اليوتوبيا.
عليكم أن تفخروا بالحضارة
عليكم بوضع أجندة ثقافية للمسلمين الشباب، فقد قلل العلماء الحرفيون - على مدى سنين طويلة – من أهمية الموسيقى والفن والأدب (خاصة في بلاد الغرب، حيث أصبح الجدال حول حل سماع الموسيقى أو حرمتها موضوعا محببا)، في حين أن المجتمعات الإسلامية أتت بالعديد من القدرات الفنية والثقافية المتعددة المعاني على مدى التاريخ.
وقد مر مالكولم إيكس بمرحلة تطور كبيرة، حيث كان محام للدفاع عن حقوق الزنوج وأصبح مسلما سنيا جمع بين الكفاح العالمي ضد سياسة الاحتلال في افريقيا وجنوب شرق أسيا مع رغبة الزنوج الأمريكيين في النضال من أجل حقهم في تقرير المصير.
وبعد أن رفض التعاون مع الأمريكان البيض على مدى عدة أعوام من حياته تحالف مع مجموعات كثيرة وشتى، مثل اليهود والهندوس والبوذيين والبيض والآسيويين والزنوج والإشتراكيين والشيوعيين والرأسماليين. وكان على اقتناع بأن الإسلام يأمر البشر بالحركة الجماعية لحل مشاكلهم، ولكي يضع نهاية للعنصرية تعاون مع كل من كان على استعداد لذلك. ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى مثل هذا التحالف عن ذي قبل.
فالإرهاب يجب أن ينهزم، ولن يكون ذلك إذا ما استخدم المرء نفس الوسائل مثل القنابل ورصاص البنادق وانكار حقوق الإنسان. وعلينا ألا نتوجس خيفة من أن نسير في الطريق الوسط وأن نتجنب الإسلام الحرفي، مثلما فعل مالكولم إيكس مع الشعور بالأفضلية على الآخرين كما حدث مع الزنوج وأطلق عليها منتدى الزنوج "House negroism". فالمسلمون – وجميع البشر على وجه الأرض – يحظون بما هو أفضل من ذلك.
بقلم فارينا علم
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
صدر المقال على موقع opendemocracy
فارينا علم صحفية من أصل بنغلاديشي، مقيمة في لندن وترأس تحرير مجلة q-news
قنطرة
الإصلاح والإسلام
ما هو الدور الذي يمكن يلعبه الإسلام في إصلاح ودمقرطة المجتمعات الإسلامية؟ نقدم بعض النماذج التي يطرحها مفكرون مسلمون بارزون.
www
q-news
opendemocracy