مبيعات الأسلحة الهندية لإسرائيل هي بيان سياسي

Supporters of India's Bharatiya Janata Party (BJP) at a rally in solidarity with Israel in New Delhi on 15 October 2023
مؤيدو حزب بهاراتيا جاناتا الهندي في مسيرة تضامنية مع إسرائيل في نيودلهي في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الصورة: تحالف الصور picture alliance / ZUMAPRESS.com | Pradeep Gaur

قد تجلب إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل المزيد من الدعم للهند في العواصم الغربية. غير أنّ تطورات علاقات القوى في الشرق الأوسط في المستقبل لن تكون في صالح الدول الغربية وحلفائها في الخليج مثلما يرى عُمير أنَس، الخبير الهندي في شؤون الشرق الأوسط.

الكاتبة ، الكاتب: Omair Anas

تتعرض الدبلوماسية الهندية في الشرق الأوسط مرة أخرى لضغوط من الأطراف المتصارعة في الأزمة العربية الإسرائيلية. إن سياسة الهند التقليدية لم تتغير، وهي تتمثل في تفضيل حل الدولتين، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة. لكن ما تغير بشدة هو الكيفية التي تعيد بها الهند تفسير معنى وسياق سياستها تجاه فلسطين.

"إن الإشارات المؤيّدة لإسرائيل من جانب حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ليست خافية على الدبلوماسيين العرب الذين كانوا يعلمون أنّ حكومة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا في نيودلهي ستبدأ فصلاً جديداً من العلاقات مع إسرائيل يتجاوز "التوازن التقليدي"."

بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أيدت وسائل الإعلام الهندية والرأي العام اليميني بأغلبية ساحقة الرد العسكري الإسرائيلي في غزة. وأعرب دبلوماسيون عرب مقيمون في نيودلهي عن قلقهم إزاء العداء المتزايد من الرأي العام تجاه فلسطين.

ما بعد التوازن

إن الإشارات المؤيّدة لإسرائيل من جانب حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ليست خافية على الدبلوماسيين العرب الذين كانوا يعلمون أنّ حكومة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا في نيودلهي ستبدأ فصلاً جديداً من العلاقات مع إسرائيل يتجاوز "التوازن التقليدي".

"ويفهم أولئك الذين يعرفون جهود إسرائيل لتطبيع العلاقات مع باكستان أنّ الدولتين الإسلاميتين، باكستان وإندونيسيا، تظلان على رأس الأولويات بالنسبة لإسرائيل وداعميها الغربيين ألذين سهّلوا التوصل إلى اتفاقيات إبراهيم."

ويرى حزب بهاراتيا جاناتا ومنظومة الدعم التابعة له أنّ إسرائيل دولة وقفت دائما إلى جانب الهند في أوقات الأزمات مع باكستان. وتدرك إسرائيل عمق الخلافات الهندية الباكستانية، وهي استغلتها لإبقاء جهود التطبيع الإسرائيلية مع باكستان سرية، لتجنب إثارة القلق لدى الرأي العام الحساس في الهند. ويفهم أولئك الذين يعرفون جهود إسرائيل لتطبيع العلاقات مع باكستان أنّ الدولتين الإسلاميتين، باكستان وإندونيسيا، تظلان على رأس الأولويات بالنسبة لإسرائيل وداعميها الغربيين ألذين سهّلوا التوصل إلى اتفاقيات إبراهيم. وتدعم المملكة العربية السعودية أيضا العلاقات الباكستانية الإسرائيلية، إذ تظل باكستان حليفها التقليدي الرئيسي.

وفي هذا السياق، قد لا تظل العلاقات الهندية الإسرائيلية حصرية على المدى البعيد، وقد لا تتمحور حول باكستان على وجه التحديد. وكانت إسرائيل، إلى جانب باكستان وتركيا، داعما رئيسيا لاستعادة أذربيجان لمنطقة كاراباخ في عام 2020، بينما اعتمدت أرمينيا على الإمدادات العسكرية الهندية.

ومنذ تفجر الصراع بين غزة وإسرائيل تواجه الهند تحديا آخر. 

فهناك، أولاً، رأي عام قوي مؤيد لإسرائيل متأصل في أيديولوجية الحزب الحاكم ومؤيديه في الهند. وثانيا، في ظل حكم ناريندرا مودي الذي دام عقدا من الزمن، قررت الهند إنهاء التحفظ والعزلة السابقة فيما يتعلق بالشؤون الإقليمية، ومنح أولوية جديدة لعلاقاتها مع دول الخليج.

"وفي المنافسة المستمرة على النفوذ في منطقة الخليج بين الولايات المتحدة والصين، انضمت الهند إلى الجهود التي يقودها الغرب لدعم أمن واستقرار دول الخليج. وهذه محاولة للحد من النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة."

كيف تخضع الصين

وفي إطار المنافسة المستمرة على النفوذ في منطقة الخليج بين الولايات المتحدة والصين، انضمت الهند إلى الجهود التي يقودها الغرب لدعم أمن واستقرار دول الخليج. وهذه محاولة للحد من النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. والهند مستعدة لتقديم الدعم الاستراتيجي والأمني للمنطقة من خلال العلاقات التي تعززت حديثا. وقد ساعد التطبيع الإيراني السعودي، الذي توسطت فيه الصين، الهند أيضاً.

Cargo ship in the harbour of Chabahar, Iran
سفينة شحن في ميناء تشابهار، إيران، فبراير/شباط 2019، الصورة: picture alliance / AA | Fatemeh Bahrami

وفي إطار المنافسة المستمرة على النفوذ في منطقة الخليج بين الولايات المتحدة والصين، انضمت الهند إلى الجهود التي يقودها الغرب لدعم أمن واستقرار دول الخليج. وهذه محاولة للحد من النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. والهند مستعدة لتقديم الدعم الاستراتيجي والأمني للمنطقة من خلال العلاقات التي تعززت حديثا. وقد ساعد التطبيع الإيراني السعودي، الذي توسطت فيه الصين، الهند أيضاً.

وبالنسبة للهند فإن إيران تتمتع بقيمة استراتيجية حقيقية، ليس في منطقة الخليج، بل في وسط آسيا وجنوبها، حيث تدعم إيران جهود الهند في المشاريع العديدة للبنية التحتية والاتصالات. ومن هذا المنطلق لم تواجه العلاقات الهندية المتكثفة مع إسرائيل اعتراضات تُذكر من جانب إيران.

"لقد رحّبت الهند قبل ذلك باتفاقيات إبراهيم، وهي مبادرة من عهد دونالد ترامب لإعادة هندسة حل الصراع العربي الإسرائيلي بعيدا عن قرارات الأمم المتحدة، في حين رفضت مصر والأردن وتركيا وقطر وإيران الانضمام إلى ما يسمى بعملية السلام الجديدة."

وعندما انتشرت أنباء أفادت بأن الهند تزوّد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة أثناء صراع عسكري، لم يصدر أي رد فعل من الدول العربية أو من إيران. إن توريد الأسلحة والذخيرة، الذي لم يتم تأكيده رسميا بعد، هو بيان سياسي مهم حول إعادة نظر الهند في علاقاتها في الشرق الأوسط.

لقد أكدت جميع البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الخارجية الهندية أن أفعال حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كانت "أعمالا إرهابية"، وهو الموقف الذي اتخذته معظم الحكومات الغربية، ودعمه في صمت حلفاؤها في الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

لقد رحّبت الهند قبل ذلك باتفاقيات إبراهيم، وهي مبادرة من عهد دونالد ترامب لإعادة هندسة حل الصراع العربي الإسرائيلي بعيدا عن قرارات الأمم المتحدة، في حين رفضت مصر والأردن وتركيا وقطر وإيران الانضمام إلى ما يسمى بعملية السلام الجديدة.

Indian Prime Minister Narendra Modi (left) and Palestinian President Mahmoud Abbas after signing a cooperation agreement in February 2018
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (إلى اليسار) والرئيس الفلسطيني محمود عباس (إلى اليمين) يضحكان بعد توقيع اتفاقية تعاون في فبراير/شباط 2018، الصورة: picture alliance / newscom | DEBBIE HILL

الأزمة تشكّل المستقبل

قد تجلب إمدادات الذخيرة لإسرائيل المزيد من الدعم للهند من العواصم الغربية. رغم ذلك فإن الأزمة العربية الإسرائيلية ستظل أساسية في تشكيل توازن القوى المستقبلي في الشرق الأوسط، لا سيما في غير صالح الدول الغربية وحلفائها في الخليج.

"لقد أثارت المواجهة العسكرية القصيرة بين إيران وإسرائيل قلق القوى الأوروبية بشأن فقدان مكانتها في المنطقة إذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل المطالب الفلسطينية."

كانت المملكة العربية السعودية أكثر حذرا وحساسية تجاه الأزمة لأن سياستها الداخلية أكثر عرضة للغضب والاضطرابات واسعة النطاق، إذا تولد الانطباع بأنها تدعم إسرائيل على حساب الدولة الفلسطينية.

إن طموحات إيران الإقليمية تتمتع بدعم شعبي في لبنان واليمن وأجزاء من المجتمعات الخليجية. وسواء قبلت الدول العربية دور إيران في الأزمة العربية الإسرائيلية أم لا، فإنها تظل لاعبا مؤثرا يشكل دعمه أهمية حاسمة للحفاظ على أي آليات للسلام.

لقد أثارت المواجهة العسكرية القصيرة بين إيران وإسرائيل قلق القوى الأوروبية بشأن فقدان مكانتها في المنطقة إذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل المطالب الفلسطينية.

من ناحية أخرى، تعد مصر الخاسر الأكبر في الأزمة، على الرغم من دعمها لإسرائيل لعقود من الزمن. وتتشكك مصر أيضا في الطرق البديلة التي ينشئها الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط. أما الخطط الإسرائيلية لحفر قناة جديدة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط عبر غزة المحتلة فتنظر إليها مصر بتوجس. وهذا هو السبب الذي يجعل مصر مضطرة إلى حماية حماس، على الرغم من كراهيتها للراعي الأيديولوجي لحماس، أي جماعة الإخوان المسلمين.

وتسعى الهند إلى اقتناص فرص لتصدير السلاح لأن حكومة مودي تركّز على تطوير صناعة تسليح قوية. ومع ذلك، فإن بيع الذخيرة لإسرائيل أثناء الحرب يُظهر صادرات الأسلحة وكأنها بيان سياسي.

إن سعي الهند نحو استراتيجية إقليمية يجب أن يكون متوافقا مع واقع المنطقة التي تقع فيها الهند، فالجغرافيا السياسية الهندية لن يتم اختبارها في المحيط الأطلسي، بل بالأحرى في المحيط الهندي والخليج.

Omair Anas

Originally published under Creative Commons by 360info™.

ولا تُظهِر الجهات الفاعلة الإقليمية إلا القليل من الثقة في القيادة الأميركية، وهي تبحث عن بنية أمنية جديدة، أقل اعتمادا على الولايات المتحدة وأوروبا، ويكون في وسعها حل الأزمات الإقليمية. وبعد انتهاء حرب غزة قد تسعى القوى الإقليمية مثل مصر وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية إلى إيجاد دور لروسيا والصين في المنطقة. لذا، على الهند أن تكون مستعدة للعب دور إقليمي أوسع نطاقا؛ دور يتجاوز العلاقات الثنائية المباشرة.