الوضع المتأزم في صالح الرئيس أحمدي نجاد

تهديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض الحظر على إيران لإرغامها على التخلي عن حقها المشروع دوليا في تخصيب اليورانيوم، قد أوجد لدى السلطة فرصة مواتية لتعبئة الجماهير ولممارسة الضغط على نقادها في الداخل. مقال بقلم بهمان نيروماند

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الصورة: أ ب
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وأنصاره المتشددون هم الذين يستفيدون من الوضع المتأزم حاليا.

​​

يسعى النظام من خلال هذه الممارسات الوحشية ضد الأفراد إلى إشاعة الخوف في نفوس الناس ولدى النقاد والعاملين في قطاع الثقافة ودفعهم إلى لزم الصمت.

"تدل الأنباء والمعلومات الراهنة بشأن الخطط الحكومية على ممارسة سياسة تلحق عواقب وخيمة بكل مجالات الفن والثقافة كما أنها تثير المخاوف باحتمال توجه الثقافة الإيرانية نحو طريق صعب وعر". هذا ما جاء في بيان عام صدر عن اتحاد الكتّاب الإيرانيين في 16 أغسطس/آب. وجاء في البيان أيضا "إن الرقابة المفروضة على الأدب والصحافة واللجوء إلى فلترة صفحات الإنترنت وسحب صحون بث محطات الفضائيات من المنازل والرقابة الموضوعة على الأفلام والمسرح قد باتت كلها مظاهر تزداد حدة يوما بعد يوم".

عبر الاتحاد عن قلقه العميق حيال هذا الوضع وأنذر أصحاب المبادرة المسؤولين عن ممارسة تلك السياسة بأنهم سيحملون في طيات أنفسهم دوما "العار في وقف التطور الفكري والثقافي أمام الأجيال الحية وإلحاق الأذى في التراث الفكري الإيراني بل حتى تدميره عن بكرة أبيه".

سياسة أحمدي نجاد

في حقيقة الأمر أصبح وضع المثقفين والفنانين والأدباء والصحافيين صعبا إلى درجة تثير القلق منذ أن احتكر الإسلامويون الراديكاليون الحكم تحت قيادة أحمدي نجاد. كانت قيادة الدولة في عهد خاتمي قد تقبلت بشكل من الأشكال ومن خلال كفاح المجتمع المدني الإيراني ممارسة المواطنين لبعض الحريات وإن كانت طفيفة كتخفيف حدة القيود الموضوعة على الملابس أو طرق التعامل بين الشابات والشبان في الحياة العامة، علما بأنها تقبلت ذلك تفاديا لوقوع انتفاضات كبيرة .

أما القيادة الحالية فقد ركزت هجومها على المثقفين والفنانين. المستهدف في هذا السياق ليس فقط الطرح السياسي النقدي بل كل ما يمت بصلة للتجديد ووضوح الرؤية والتعددية والتنوير والتحديث.

عاد المثقفون وغيرهم من الناشطين في مجالات الثقافة يتعرضون علنا لتوجيه تهم باطلة لهم ويرغمون تحت ضغط التعذيب إلى الاعتراف بأمور لم يقوموا بها. فقد اعتقل على سبيل المثال الفيلسوف والباحث المشهور عالميا، رامين جيهانبيغلو، في مايو/أيار في المطار قبل إقلاع طائرته.

ولم تفصح الأجهزة القضائية عن أسباب ذلك إلا بعد مرور بضعة أيام حيث ورد عنها بأنه اعتقل بسبب قيامه باتصالات مع "عناصر أجنبية" وبسبب تهمة ممارسة التجسس الموجهة إليه. بعد ذلك بشهرين صرح رئيس المخابرات محسني إيجاهي بأن استجواب الفيلسوف جيهانبيغلو دل على أنه تلقى من الولايات المتحدة تكليفا بتنظيم "ثورة ناعمة" في إيران.

وفي 17 أغسطس/آب صرح كبير المدعين العامين، دوري نجفعبادي، بأن جيهانبيغلو قد اعترف بكل التهم الموجهة له ووافق على أن يبث التلفزيون محاضر الاعتراف.

تهم باطلة

إن توجيه مثل هذه التهم الباطلة أمام الملأ ليس بالأمر الجديد. فقبل بضعة أعوام أعدت مسلسلات تليفزيونية أظهرت فنانين وكتابا ومثقفين مشهورين بأنهم خونة وعملاء للغرب ومشوهين يهدفون إلى التغلغل في دين الإسلام والثقافة الوطنية لإيران. وعلى ما يبدو فقد تقرر العودة إلى استخدام هذه الطرق مجددا.

كما أن استخدام أبشع أساليب التعذيب أصبح أمرا عاديا اليوم. أكبر محمدي هو الضحية الأخيرة من هذا النوع ، حيث أنه لقي حتفه في 13 أغسطس/آب بعد تعرضه لأقسى أشكال التعذيب. كان أحمدي من ضمن ذلك العدد الكبير من المتظاهرين الذين اعتقلوا في صيف عام 1999 أثناء الانتفاضات الطلابية التي وقعت في طهران.

وكان محاميه ووالداه على علم بكونه قد تعرض للتعذيب. قبل وفاته بيومين قال والده في لقاء مع محطة إذاعة فاردو التي تبث من خارج إيران باللغة الفارسية بأنه يخشى كل الخشية أن يلقى ابنه حتفه نتيجة للتعذيب.

يسعى النظام من خلال هذه الممارسات الوحشية ضد الأفراد إلى إشاعة الخوف في نفوس الناس ولدى النقاد والعاملين في قطاع الثقافة ودفعهم إلى لزم الصمت. هذا وقد قدم صحافي لا يريد الإفصاح عن هويته لمجلة الإنترنت (روز) الإحصائية التالية:

يوجد لدى محكمة الثورة سجل عن ثلث الصحافيين. تم اعتقال خمس الصحافيين حتى الآن. متوسط عمل الصحافي في جريدة ما لا يزيد عن سبعة شهور، إما بسبب توقيف إصدار الجريدة وإما بسبب إنهاء خدمة الصحافي نتيجة لتوصية صادرة عن القضاء أو أجهزة المخابرات.

وقد أدى عدم توفر الأمن المهني والخوف من تدمير القاعدة الحياتية لدى الصحافيين إلى جعل معظمهم يفرضون على أنفسهم نمطا من أنماط الرقابة الذاتية. ولم يعد أحد تقريبا يجرؤ على تخطي الخطوط الحمراء غير المرئية التي وضعها النظام.

استهداف المجتمع المدني

الهجوم الموجه من النظام لا يستهدف فقط الأفراد بل أيضا وبصورة متزايدة المنظمات المستقلة عن الحكومة التي تشكل قاعدة هامة للمجتمع المدني الإيراني. ففي بداية أغسطس/آب وصف اتحاد الدفاع عن حقوق الإنسان الذي تترأسه الحائزة على جائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، بأنه مخالف للتشريعات وأغلق بناء على ذلك.

بعد ذلك بأيام قليلة أعلنت الحكومة بكل بساطة بأن نتائج انتخابات مجلس إدارة اتحاد الصحافيين لاغية المفعول وذلك بسبب فشل الأعضاء الموالين للدولة في إنجاح مرشحيهم. هذا وقد تعرض أيضا اتحاد المحامين لبراثن الإسلامويين الراديكاليين، حيث نشرت جريدة "رسالة" اليومية وهي جهاز يعبر عن رؤى غلاة اليمين مقالا في هذا الصدد تحت عنوان "ما الذي يجري داخل اتحاد المحامين؟".

كلما نجح النظام في تعبئة الجماهير لأهدافه في مجال السياسة الخارجية كلما سهلت عليه مهمة تقوية الضغط في الداخل.

فالنزاع النووي وإجراءات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الخاصة باستخدام التهديد بفرض الحظر على إيران لإرغامها على التخلي عن حقها المشروع دوليا في تخصيب اليورانيوم (علما بأن النظام تمادى في التركيز على هذا الحق إلى حد اعتباره بمقام الكرامة الوطنية) وإكساب إيران من قبل الغرب صفة شيطانية إلى ما غير ذلك قد أوجد لدى الإسلامويين الراديكاليين فرصا مواتية لتعبئة الجماهير لصالحهم في المجالات الأيديولوجية والدينية والقومية ودفعها إلى الوقوف صامدة بجانب النظام.

في هذا المنظور ينبغي رؤية الهجوم الذي وجهه أحمدي نجاد ضد إسرائيل وفي سياق الهولوكاوست (المحرقة اليهودية). كذلك نجح الإسلامويون في توظيف الحرب في لبنان لصالحهم، تلك الحرب التي احتفل بها في إيران طيلة أيام اندلاعها على أنها نصر عظيم لحزب الله وانتكاسة فادحة لإسرائيل.

هذا الجو الحافل بالتحمس والبهجة الذي نشرته محطات الإذاعة والتلفزيون هدف إلى إعطاء الجماهير الإحساس بأن الحكومة تتوجه في الطريق السليم وبأنها قادرة على فرض إرادتها سواء على "الشيطان الكبير" أمريكا أو "الشيطان الصغير" إسرائيل. وقد وجه مرشد الثورة خامنئي رسالة إلى مقاتلي حزب الله جاء فيها "أحييكم أيها الاخوة الشجعان المقاتلون باسم الله وأقبل أياديكم وأذرعتكم".

استراتيجية الإسلامويين تهدف إلى زرع بذور الخوف والكراهية في النفوس وشحذ مشاعر الشعب بصورة متواصلة ضد الأعداء في الخارج والداخل. لكن هذه الاستراتيجية لا تحقق أهدافها إلا إذا ظلت الدولة تجتاز حالات الأزمة الدائمة. وإلا فكيف يمكننا أن نفسر عدم امتناع طهران عن القيام باستفزازات دائمة كتنظيم معرض مؤخرا حول رسوم الكاريكاتور بشأن هولوكاوست على الرغم من كل الأخطار التي تهدد أوصال الدولة؟

بقلم بهمان نيروماند
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

واشنطن والاتحاد الأوروبي والنزاع النووي الإيراني
يزداد تصعيد النزاع المتعلق ببرنامج إيران النووي أسبوعا بعد الآخر. وفي حالة تطبيق عقوبات صارمة على إيران أو حتى عند شن حرب عليها فإن الدول الأوربية ستكون الخاسر الأول في صفوف كافة الأطراف المعنية. تحليل بهمان نيروماند

خوف من أطماع إيران الإقليمية
قامت القيادة الإيرانية في طهران باستئناف برنامجها النووي المتنازع عليه على الرغم من تواصل الانتقاد الموجه لها في هذا الشأن. القلق حيال القنبلة الإيرانية لا يساور الغرب وحده بل الدول العربية أيضا. تقرير فريدريك ريشتر من القاهرة

عصا الرقابة فوق رؤوس الجميع
تعيش ايران منذ وصول الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد ردة ثقافية جعلت العديد من المثقفين والفنانين يغادرون ايران، هربا من عصا الرقابة المرفوعة فوق رؤوسهم. هذه المحرمات التي طالت الموسيقى والأفلام الغربية سوف تترك الكثير من الأثر على الحياة الثقافية في ايران

في مهبّ الاحتمالات المختلفة
في دورة السنة الحالية لمهرجان فجر بطهران بدا النشاط الثقافي الإيراني مراوحا كالمعتاد بين الانغلاق والتمتّن والهاجس التجاري. عملية تشديد الرقابة التي كانت متوقعة لم تحدث، لكن الجميع رأوا أنه من الأفضل تلافي الاستفزاز. أمين فرزانفار كتب هذا التقرير عن المهرجان