هل ستخلق واشنطن طالبان جديدة في إيران؟
يبدو أنَّ الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يسعى في الأشهر الأخيرة من فترة رئاسته إلى تصفية بعض الأمور وحتى أنَّه يبدو في ذلك مستعدًا إلى إلغاء "محور الشر"، الذي استخدمه طيلة هذه الفترة كتجسيد لصورة العدو. وقد أخرجت واشنطن رسميًا كوريا الشمالية من "محور الشر"، وذلك بعدما أثبتت كوريا في قضية الأسلحة النووية أنَّها دولة متساهلة ومطيعة. وكذلك قبل البيت الأبيض بالمفاوضات التي تجريها إسرائيل بشكل غير مباشر - وقريبًا بشكل مباشر - مع سوريا للتوصّل إلى تسوية سلمية. وفي حال سارت هذه المفاوضات بشكل إيجابي فمن الجائز أن تكون دمشق لهذا السبب العاصمة التالية التي سيتم استبعادها من "محور الشر".
وبهذا لن يكون هناك محور شر، وذلك لأنَّه لن يتبقى سوى إيران. ولكن يبدو أنَّ إيران لا تكاد تعقد أية آمال أيضًا على تخليصها من عيوب "الشر". بل على العكس من ذلك، إذ إنَّ البيت الأبيض يبدو عازمًا الآن على اتِّخاذ إجراء أكثر حزمًا وشدةً ضد إيران - مثلما أكَّد الرئيس بوش في أكثر من مناسبة أثناء جولته الوداعية عبر أوروبا أنَّ كلَّ الخيارات مفتوحة.
مرسوم رئاسي سري
ربما يُخطئ من يعتقد في هذا الصدد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية سوف تشن هجومًا مباشرًا على إيران. إذ إنَّ جورج دبليو بوش فكَّر أكثر باستخدام منظَّمات سرية في إيران بالذات. وبوش بالذات نجح في نهاية العام الماضي في جعل الكونغرس يوافق على تمويل نشاطات سرية في إيران ودعمها بمساعدات مالية، يفترض أنَّ حجمها يبلغ أربعمائة مليون دولار أمريكي وأنَّ تفاصيلها محفوظة في مرسوم رئاسي سري "Presidential Finding" تتحدَّث عنه الآن مجلة النيويوركر الأمريكية. يصف الكاتب والصحفي سيمور هيرش، المسؤول البارز عن هذه المجلة، بإسهاب كيف يخطِّط جورج دبليو بوش لزعزعة النظام الحاكم في طهران بواسطة نشاطات مخابراتية وبمساعدة معاونين محليين في إيران.
وهذه الخطة معروفة جزئيًا منذ فترة، غير أنَّ الأمر الجديد يكمن في زيادة التمويل من قبل الكونغرس الذي يسيطر عليه - على كلِّ حال - الديموقراطيون الذين يؤيِّد مرشَّحهم الرئاسي، باراك أوباما بكلِّ صراحة الحلول الدبلوماسية وإجراء مفاوضات مع إيران. ولا يُعرف بالضبط ما هو الغرض الذي سوف يتم من أجله استخدام هذه الأموال، الأمر الذي يدعو إلى الخوف من سوء استخدامها. ولكن من الطبيعي أنَّ جورج بوش ليس الشخص الذي سيتعرَّض للمساءلة العلنية عن استخدام هذه الأموال.
الطالبان الجدد
لكن من المؤكَّد أنَّ واشنطن زادت دعمها للأقليَّات العرقية في إيران - ومن بين هذه الأقليَّات قبل كلِّ شيء البلوش في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، كما أنَّ هناك عددًا من الانفجارات والحوادث المسلحة، التي وقعت في جنوب إيران ويحتمل أنَّها تعود لهذا التعاون.
يحذِّر في الواقع خبراء أمريكيون من أنَّ التعاون مع البلوش المسلَّحين - وخاصة مع جماعة "جند الله" - يذكِّر بخطورة دعم واشنطن في الماضي عبر المملكة العربية السعودية وباكستان للطالبان في أفغانستان. وتعتبر جماعة "جند الله" جماعة صغيرة ولكنَّها مسلحة وسنِّية، كما أنَّها قريبة إيديولوجيًا من الطالبان والقاعدة وتمتاز بتطرّفها وقابليَّتها الكبيرة على استخدام العنف.
دعم للأكراد وتعاون مع مجاهدي خلق
كذلك تقوم الولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة طويلة بدعم جماعات مسلحة في شمال إيران؛ جماعات من المفترض أن تُصنِّفها واشنطن في ظروف أخرى حتى كجماعات "إرهابية"؛ فهكذا يفترض أنَّ الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني (الذي ينشط عادة في تركيا) قد حصل من واشنطن قبل بضعة أعوام على تدريبات وإمدادات عسكرية؛ أي حزب الحياة الحرة الكردستاني PJAK، الذي زاد في الفترة الأخيرة من وتيرة هجماته على مخافر الحدود الإيرانية ومنشآت تابعة للدولة في شمال غرب إيران.
وكذلك يتم دعم منظمة مجاهدي خلق من قبل واشنطن. صحيح أنَّ الإدارة الأمريكية تدرج منظمة مجاهدي خلق على قائمة المنظَّمات الإرهابية، لكنها هي التي أوصلت قبل بعضة أعوام معلومات مهمة إلى واشنطن حول البرنامج النووي الإيراني. كان يوجد لدى منظمة مجاهدي خلق في عهد صدام حسين وحدات عسكرية في العراق، لكن حتى الآن لم يتم اتِّخاذ قرار نهائي حول مستقبل هذه المنظمة التي تم في هذه الأثناء نزع سلاح مقاتليها ووضعهم تحت رقابة القوات الأمريكية في العراق.
العراق قاعدة محتملة لمهاجمة إيران
وفي حين تريد الولايات المتحدة الأمريكية من دون شكّ استخدام هؤلاء الأشخاص كعملاء ضدّ طهران، أكَّد قبل فترة غير بعيدة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لطهران أنَّه يريد إيقاف كلِّ اتِّصال بين مجاهدي خلق والأجانب؛ وأضاف أنَّه غير معني بأن يدع بلده يتحوّل إلى قاعدة لانطلاق عمليات معادية لإيران.
وفي المقابل لا يمكن أيضًا أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية معنية بأن تصبح قوَّاتها العاملة في العراق هدفًا لهجمات إيرانية مباشرة أو غير مباشرة. ولذلك تحذِّر بعض الأوساط العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية من توسيع النشاطات السرية الأمريكية في إيران. ومن المفترض أن يكون وزير الدفاع الأمريكي، روبرت غيتس واحدًا من أبرز معادي هذه النشاطات.
نشاطات من دون أثر عسكري
كما يحذِّر بعض الخبراء الآخرون من أنَّ هذه النشاطات المُموَّلة بسخاء لن تحقِّق على كلِّ حال هدفها المرجو؛ فالجماعات التي يتم دعمها من قبل واشنطن لا تعتبر مريبة جدًا فقط من الناحية السياسية والإيديولوجية، بل هي كذلك مجرَّد أقليَّات صغيرة موجودة في إيران ولن تتمكَّن من إحداث تغيير في النظام.
بل على العكس من ذلك فالاعتداءات الإرهابية وأعمال العنف الأخرى، التي تقوم بها هذه الجماعات لن تؤدِّي إلاَّ إلى توحيد صفوف الشعب الإيراني - ضدّ هذه الجماعات وستوحِّد الإيرانيين أكثر ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية - والنظام الإيراني سوف يستفيد كثيرًا من ذلك.
بيتر فيليب
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2008
بيتر فيليب خبير في شؤون الشرق الأوسط، يعمل رئيسًا لمراسلي مؤسسة دويتشه فيله وقد عمل ثلاثة وعشرين عامًا مراسلاً للدويتشه فيله في القدس.
قنطرة
الله بوروجردي وأتباعه يواجهون حكم الإعدام في إيران:
رجال دين يتحدون سلطة "ولاية الفقيه"
تبين حالة آية الله بوروجردي المنتقد لنظام الحكم وذي الاتجاه التقليدي أن التحالف الذي كان قائما بين رجال الدين في الماضي يزداد تفككا وأن الأصوات التي تنادي بفصل الدين عن السياسة في إيران تزداد ارتفاعا يوما بعد يوم. تقرير كتبه قاسم طولاني.
العالم العربي القديم في مهب العاصفة:
"طوق أزمات" شيعي في الشرق الأوسط؟
بعد النجاح الذي حققته ايران في الحصول على موقع قدم لها في العالم العربي عن طريق سيطرة الأحزاب الشيعية التابعة لها على الحكم في العراق يتحدث المراقبون الآن عن طوق شيعي يهدد العالم العربي ببنيته القديمة. الصحفي السويسري ارنولد هوتنغير يحلل هذا التطور الجديد.
أخطاء الولايات المتحدة القاتلة بعد 11 سبتمبر:
اخفاق استراتيجية القوة الأميركية
بدأت الولايات المتحدة الأميركية حملتها القائمة على أوهام السيطرة على الشرق الأوسط بعد اعتداءات 11 أيلول الإرهابية، فأغرقت نفسها في مستنقع سوف يصعب عليها حتى الخروج منه. البروفيسور باول روجرز يكشف في هذه المقالة الفجوة القائمة بين أحلام بوش في العام 2001 وواقع الفشل المزري الذي انتهت اليه.