هل الإسلام معاد للساميّة؟
فرايتاغ: هل توجد في نظركم ظاهرة معاداة للسامية في الإسلام؟
شتيفان فيلد: سأتكلم بالأحرى عن معاداة للسامية لدى العرب لأن معاداة السامية لم تكن أبدا ظاهرة مرافقة للإسلام منذ نشأته. فالكليشيات المعادية للسامية من نوع تلك التي عبرت عن نفسها في وثيقة حكماء صهيون قد انتقلت إلى هناك من أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر فقط وذلك في إطار المواجهة مع الحركة الصهيونية. وإنني أعتبر أنه على درجة فائقة من الأهمية أن لا نغفل عن هذا الأمر. إن حركة مناهضة الصهيونية لم يكن لها في البدء أي طابع معاد للسامية. كان هناك أناس قد حاولوا أن يواصلوا العيش في مكان كانوا يعيشون فيه دائما والتصدي لحركة الاستيطان التي كانت ترتكز على خلفيات استعمارية، حسب نظر هؤلاء على الأقلّ.
وبالمناسبة فإنّ مفهوم معاداة السامية قد غدا ممططا في أوضاعنا الحالية بشكل أصبح معه من الصعب على أيّ كان أن يعبر عن أي نقد لسياسة الدولة الإسرائيلية، وما بالك إذن بأي نقد للفكرة الصهيونية عموما دون أن يكون الواحد عرضة للاتهام بمعاداة السامية – وإنني أعتبر هذا الأمر خطأ.
لكن ألم تكن هناك دوما مشاعر ضغينة ضد اليهود في الإسلام؟
فيلد: هناك مواضع في القرآن وكذلك وقائع من سيرة النبي ليست مناسبة لليهود. هذا صحيح. لكنني أربط هذا الأمر مع ما كان يوجد في الكنائس المسيحية أيضًا: أفكار مسبقة ثابتة ضد اليهود. وقد تم الحد من هذه الأفكار المسبقة عادة بكون اليهود كانوا يحظون بمنزلة المحمي تحت نظام الحكم الإسلامي، مثل المسيحيين أيضا. في حين لم تكن الأقليات لتحظى بمثل هذه الحماية داخل العالم المسيحي. هذا لا يعني بطبيعة الحال أنه كانت هناك مساواة في ظل الدولة الإسلامية بالمعنى الذي توجد عليه داخل الدول المدنية اللائكية.
عندما قتل صدام حسين الآلاف من البشر كانت ردود الفعل في العالم العربي ضئيلة. وعندما تقوم إسرائيل بعمل يقتل خلاله عدد أقل بكثير من الناس يعلن عن ذلك في وسائل الإعلام العربية باستياء شديد. ما هو مردّ هذا الاختلال؟
فيلد: معكم حق؛ إن الفوارق واضحة للعيان. إنّ جزء من الإجابة عن هذا يمكن أن تكون: ليس هناك مثقف عربي واحد يمكنه أن يقول أن هناك ديموقراطية في البلدان العربية. لكن "إسرائيل النموذج" الذي يلوح به في وجوههم "الغرب" على الدوام يعتبر هو أيضا بالنسبة للكثيرين محلّ طعون، ذلك أنه لا يعرض ديمقراطية حقيقية إلاّ لليهود دون غيرهم. أما بالنسبة للفسطينيين فهي دولة تمارس التمييز وذلك ليس جزئيا وفي مواضع محدودة، بل بصفة أساسية.
هناك دوما في وسائل الإعلام العربية والكتب المدرسية صور كاريكاتورية وأنماط مستهلكة مما يمكن أن يأتي في صحيفة "Der Stürmer" النازية. ما الذي يجعل مثل هذه الصور ذات رواج في العالم العربي؟
فيلد: قد تكون محاولة لتبني نوع من الحداثة؛ ضرب من المحاولة المشوشة والعبثية لتبني صنف من الحداثة الأوروبية قد تم تهميشها في أوروبا ذاتها ولا يسع المرء إلاّ مكافحتها بكلّ الوسائل. إنه سلاح ذو حدين كان من الأفضل للعرب أن لا يلجؤوا إلى استعماله.
من ناحية ثانية فإننا نحن الألمان عادة ما نربط كلّ صورة كاريكاتورية عن اليهودي بما كانت تبثه صحيفة "Der Stürmer" وبإبادة ستة ملايين يهودي. إنه لا يمكننا أن نقرأ ونتأول الأمر إلاّ بهذه الطريقة، ومن المحتمل أن يكون الأمر أيضا كذلك بالنسبة لأغلب اليهود. لكننا نقحم بالعرب معنا في أمر لا علاقة لهم به. وإنه من الممكن أن نعرّف حقيقة المسألة كالآتي : إن ما اقترفه الأوروبيون والألمان بصفة أخص تجاه اليهود لم يعمد إلى تسويته فوق الأرض الأوروبية، بل على حساب الفلسطينيين.
هناك بعض الفلسطينيين ممن يقترحون إقامة دولة ديمقراطية مشتركة تمتد بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، لأنهم يعرفون أنهم سيشكلون مع مر الزمان أغلبية السكان هناك. هل ما يزال هذا المقترح يعتبر مشروعا، أم أنه على الفلسطينيين بكل بساطة أن يقبلوا بوجود دولة إسرائيلية؟
فيلد: إن مسألة دولة مزدوجة القومية أمر لا سبيل إليه في الوقت الحالي. كما أنه من الصعب تصور إمكانية تحقيق المطلب الداعي إلى عودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. صحيح أن ذلك حقا من حقوقهم، لكنه من وجهة نظر السياسة الواقعية لا يمكن تصوره. ما يمكن تصوره بالمقابل هو أن تقول حكومة إسرائيلية: " لقد كنا أمام خطر إبادة عرقية لذلك أتينا إلى هذه البلاد وهجّرنا منها الفلسطينيين، وذلك في جزء كبير جدا. لقد كان ذلك الأمر خطأ، والآن دعونا نناقش الأمر ونرى كيف يمكننا أن نصلح ما حصل." إن هذا لن يعني أنّه سيكون بإمكان كل الفلسطينيين العودة إلى بلادهم، لكنه سيمكن من بتسوية مسألة تعد مشكلا مركزيا بالنسبة للعديد من الفلسطينيين. وأعتقد إنه سيمكّن من تحييد جزء كبير من تلك الضغينة الحادة تجاه اليهود.
ألستم بصدد التقليل من شأن معاداة السامية لدى العرب؟ ألا توجد لدى العرب نوايا تصفوية تجاه اليهود؟
فيلد: لم أر أبدا شيئا من هذا الأمر في القومية العربية. لقد كان هناك عدد لا بأس به من المتعصبين، لكن طالما يظل الكلام دائرا حول مسائل الأرض وفي إطار نظريات الدولة الوطنية فإنني لم أشعر بأية نوايا تصفوية، حتى وإن كانت هناك بعض التعبيرات التي يمكن للمرء أن يأولها في هذا الاتجاه. يجب عليّ مع ذلك أن أعترف بأنني تجاه الخطاب الإسلاموي لست واثقا تماما إن لم يكن هناك بالفعل نوع من إرادة التصفية العدميّة. و هناك على أية حال تصريحات تلامس هذه التخوم. لكن، من جهة ثانية فإن إسرائيل في وضعها الحالي ليست مهددة. فإسرائيل قوة نووية ولها أقوى جيش في المنطقة.
لكن على العرب مع ذلك أن يقروا بوضوح بأن هناك حدودا أخلاقية لا يجب تجاوزها داخل النزاعات!
فيلد: إنّ تلك القنابل البشرية التي تنفجر داخل الباصات بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الناس مفزعة بالفعل. وأنا لا أستطيع أن أبدي أي تفهم إزاء الفلسطينيين في هذا الأمر. لكن لا ينبغي علينا أن ننسى أيضا أن العديد من الإسرائيليين يعللون تصرفهم هكذا: إننا نقتل أناسا عن قصد، أما الأطفال الفلسطينيون الذي يموتون أثناء ذلك فهم لا يمثلون سوى أضرار جانبية. لا يجب علينا أن نظلّ نردد فقط :"نحن ضد الإرهاب!" ؛ وتحت تهمة الإرهاب لا نضع غير الفلسطيني الذي يفجر حافلة. علينا أن ننظر بعين النقد أيضا إلى ما يقترفه جيش حكومي، لا أن نقول بكل بساطة:"هكذا هي الأمور في الحرب : لا نجارة دون وقوع نشارة."
أجرى الحوار ماتياس بيرتش، صدر المقال في صحيفة فرايتاغ بتاريخ 7. مايو 2004
ترجمة علي مصباح
شتيفان فيلد (من مواليد سنة 1937) لم يكن فقط أستاذًا قد درّس لمدة 25 سنة بمعهد الدراسات الشرقية بجامعة بون، بل إنه عمل أيضا لمدة ست سنوات بالمعهد المشرقي الألماني ببيروت. وهو مهتمّ بالأدب الفلسطيني الحديث وتاريخ الفكر. وفي سبتمبر 2001 كان من ضمن مجموعة الـ 75 مختصا في العلوم الإسلامية التي وقفت لمناهضة التقرير الإعلامي السائد آنذاك حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وقد جاء من بين ما جاء في بلاغهم ذلك : " إنّ الإيحاء التي تنسرب من بعض وسائل الإعلام والقائمة على وضع معادلة مسلم = سلفي= إرهابي لا معنى لها، وهي تسيء إلى تعايش القوميات والأديان المختلفة."