ليست صراعًا أهليًا بل جيوسياسية مُقنّعة

A Toyota truck carrying a group of armed and masked fighters.
عناصر من إحدى الميليشيات في مدينة السويداء، 17 يوليو/تموز 2025. (Photo: picture alliance/dpa | M. Atrash)

لم تكن اشتباكات السويداء الأخيرة أحداثًا محلية عشوائية، بل تجسيدًا لمشروع سياسي قديم يُعيد توظيف الطائفية كسلاح لقمع المعارضة وترسيخ السلطة. وبين مطرقة نظام الشرع وسندان الأطماع الإسرائيلية، يجد الدروز أنفسهم ضحية للصراع.

الكاتبة ، الكاتب: ماريا كاسترينو, سلام سعيد

 شهدت محافظة السويداء في يوليو/تموز عام 2025، واحدة من أكثر المجازر وحشية في تاريخ سوريا المعاصر، ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل 1448 شخصًا، من بينهم 258 شخصًا أعدمهم مسلحون تابعون لوزارتي الدفاع والداخلية. معظم الضحايا من المدنيين والدروز، وأُبيدت عائلات بأكملها، ودُمّرت رموز وطنية مثل صور البطل الدرزي السوري سلطان باشا الأطرش، وأُطلق الرصاص على الأطفال أثناء محاولتهم الفرار، فيما قُصفت قرى، و وأُحرقت أحياء ونُهبت.

اندلعت هذه الموجة الأخيرة من العنف في 12 يوليو/تموز، عندما تعرض تاجر درزي للهجوم والسرقة عند نقطة تفتيش، تديرها جماعة مسلحة غير حكومية تابعة لعشائر بدوية جنوبية، بين دمشق والسويداء. ردًا على ذلك، اختطف فصيل درزي محلي أحد أفراد القبيلة، مما أشعل فتيل موجة من عمليات الاختطاف والاشتباكات بين الفصيلين. انتهزت الحكومة السورية الفرصة وتدخلت - لا لتهدئة التوترات، كما زعمت، بل لإعادة فرض سيطرتها على المحافظة، وبدلًا من أن تكون قوة محايدة، تحالفت القوات الحكومية مع الفصيل البدوي وشنّت حملة وحشية ضد المجتمعات الدرزية.

قُتل مدنيون، ونُهبت منازلهم، وأُضرمت النيران عمدًا في المنازل وبساتين الزيتون. روى بشار، وهو أحد الناجين والصحفيين من المدينة: "أحرق الجيش منزل والديّ في القرية أمام أعينهما، واستُخدمت قاذفات الصواريخ لتسوية قرى بأكملها بالأرض لإفساح الطريق أمام القوات المتقدمة".

قال نديم، وهو مصور وناجٍ من قرية الدور: "هذا ليس صراعًا محليًا. لقد بدأ باشتباكات مُدبّرة، ضخّمتها وسائل إعلام تابعة للنظام، وبينما كان وجهاء من كلا الجانبين يتفاوضون على السلام، أرسلت وزارة الدفاع قواتها، التي لم تُخفّف من حدة التصعيد، بل أشعلت العنف من جديد".

وعندما دخلت قوات وزارة الدفاع، قرية الدور من درعا في 15 يوليو/تموز، أطلق القناصة النار على المدنيين، وامتلأت الطرق الزراعية بقذائف الهاون، يقول نديم: "من لم يستطع الفرار قُتل، وكثيرون منهم قُطعت رؤوسهم". وأضاف: "فقدتُ منزلي ومعظم أقاربي، وأرشيفي المصور الكامل للثورة السورية الذي جمعته على مدى 14 عامًا".

الطائفية كمشروع سياسي

مجزرة السويداء ليست حدثًا معزولًا، بل هي جزء من سياسة حكومية واسعة النطاق؛ لتعزيز سلطتها وقمع المعارضة. في مارس/آذار 2025، خلّفت مجازر طائفية في المناطق الساحلية السورية  أكثر من 1500 قتيل.وبعد شهر، اندلعت أعمال عنف في ضواحي دمشق ذات الأغلبية الدرزية، بما في ذلك جرمانا وصحنايا، بعد تداول فيديو (تسجيل) مُفبرك يُظهر شيخًا درزيًا يُسيء إلى النبي. استخدمت السلطة الجديدة، الاضطرابات كذريعةً لإعادة فرض سيطرتها، مما أسفر عن مقتل العشرات ونزوح المئات.

وقد جرى تأجيج الصراعات الطائفية في مناسبات عديدة، تقول مناهل السحوي بعد حادث تفجير الكنيسة في دمشق في يونيو/حزيران، إن الحكومة "رفضت حتى اعتبار الضحايا شهداء... وعاملت غير المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية".

في هذه الأثناء، عزّز الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، سلطته إلى درجة غير مسبوقة؛ فهو رئيس، وشبه رئيس وزراء، ورئيس "الصندوق السيادي" وصندوق التنمية. فيما لا يوجد برلمان فاعل، ولا خارطة طريق للعدالة؛ فقط قوة عسكرية، وانهيار اقتصادي، وسحق ممنهج للمعارضة. في الوقت نفسه، لا تزال هيئة تحرير الشام تعمل كميليشيات لا كقوة وطنية موحدة، بينما تعكس السيطرة على الجيش بشكل متزايد ديناميكيات عهد الأسد، حيث يشغل موالون للشرع مناصب رئيسية.

إن الطائفية في سوريا ليست هوية قديمة راسخة، بل هي مشروع سياسي، ولقد تجذّرت هذه الانقسامات خلال الحكم الاستعماري، واستُخدمت كسلاحٍ خلال الحرب التي أعقبت انتفاضة سوريا عام 2011. مصطلحاتٌ مثل "ميليشيا درزية" أو "قبيلة بدوية"، التي تُستخدم على نطاقٍ واسعٍ في وسائل الإعلام الحكومية، هي نتاج لصراعاتٍ أوسع نطاقًا على السلطة في المنطقة، وللعنف، ولإعادة ترتيب الأوضاع في زمن الحرب.

علاوة على ذلك، لطالما تلاعب الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بالهويات الطائفية، وخاصةً بين الدروز، الذين غالبًا ما يُصوَّرون كمجتمع متجانس. تلعب إسرائيل لعبة مزدوجة مألوفة؛ إذ تُقدّم نفسها كحامية للدروز، بينما تسعى لإعادة صياغة مرتفعات الجولان المحتلة كأرض إسرائيلية رسمية، ويُتيح التوتر بين الدروز وحكومة الشرع لإسرائيل فرصةً للدفع نحو حدود "أكثر راحة" على الأراضي السورية.

داخل سوريا، يعيش الدروز الآن في خوف، مستهدفين بموجة متصاعدة من خطاب الكراهية والعنف الطائفي، وفي مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، يشعر الدروز السوريون عديمو الجنسية بأنهم يُمحون من وطنهم الوحيد الذي انتموا إليه، فيما يشعر العديد من الدروز، داخل البلاد وخارجها، بأنهم عالقون في مرمى نيران خطرة - يُستخدمون كبيادق في مخططات إسرائيل الجيوسياسية من جهة، وفي طموحات هيئة تحرير الشام الإسلامية من جهة أخرى. 

وما يزيد من وحشية المجازر المميتة في السويداء هو مأساة شعور الدروز بالخيانة من قبل الأنظمة السورية الحاكمة، إذ لطالما قاوم الدروز السوريون التقسيم، من سلطان الأطرش إلى كمال كنج، مؤكدين أن "الدين لله والوطن للجميع".

هل أُسيء فهم الإشارات؟

منذ توليه السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2024، واجه الشرع تحدياتٍ جسيمة في فرض سيطرته على أجزاء مختلفة من سوريا، بما في ذلك جنوبها. أبرز هذه التحديات هو انعدام الثقة المتجذر تجاه القيادة في دمشق، حيث تتناقض الخطابات الرسمية التي تعد بالشمولية والمشاركة الوطنية تناقضًا صارخًا مع السلوك الاستبدادي الملحوظ على أرض الواقع.  

في الوقت نفسه، انتهج الشرع سياسة تهدئة مع إسرائيل، ووافق على بدء محادثات السلام، رغم الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية، واستمرار الإبادة الجماعية في غزة. لم تكتفِ إسرائيل بتدمير معظم ما تبقى من الجيش السوري، بل أقامت أيضًا عشر نقاط تفتيش عسكرية على الأراضي السورية، ونشرت قوات بريّة، منتهكة بذلك القانون الدولي دون أي اعتراض من الحكومة السورية.  

وقعت هذه الأحداث وسط صمت دولي، وتسامح ضمني من الدول الغربية، مما أدى إلى استمرار القصف الإسرائيلية الذي طال مواقع عسكرية سورية، مما أسفر في مرات عديدة إلى سقوط ضحايا مدنيين - كما حدث في الهجمات الأخيرة على وزارة الدفاع والقصر الرئاسي.

تشير تقارير إلى أن سيطرة الحكومة السورية على جنوب سوريا كانت قد نوقشت قبل أسبوع واحد فقط خلال مفاوضات سورية-إسرائيلية في الإمارات وباكو؛ حتى أن مسؤولين في دمشق أقروا بأنهم ربما أساءوا فهم الإشارات الأمريكية والإسرائيلية، واعتبروها دعمًا ضمنيًا للسيطرة على البلاد بأكملها. إن دعوة إسرائيل لحماية الدروز، وإقامة منطقة جنوبية منزوعة السلاح في ديسمبر/كانون الأول 2024، جعلت الشرع مترددًا في التحرك هناك دون تنسيق إسرائيلي. والآن، يعتمد النظام في دمشق على تحالفات خارجية لتبرير قمعه الداخلي.

ربما يُمكن فهم استخدام الطائفية كتكتيك جيوسياسي في السويداء - وهو تكتيك مشترك بين حكومتي إسرائيل وسوريا - كنتاج لتقارب مصالح مكّن كلا الطرفين من ترسيخ نفوذهما بالعنف، على حساب أرواح المدنيين وتدمير المجتمع السوري. إذا استمر هذا النهج، يبقى السؤال: من التالي؟

ترجمه من الإنجليزية: م. تايلور

قنطرة ©