المدرسة الألمانية في القاهرة
في هذه الأيام تحتفل المدرسة بمرور 100 عام على تأسيسها. فقد تأسست عام 1904 في حي باب اللوق في القاهرة أي في منتصف هذه الحاضرة الكبيرة الضخمة. المشرف على المدرسة هو الاتحاد الكاثوليكي للراهبات الرحيمات التابع لمركز القديس كارل بوروميوس في دير غرافشافت الكائن في منطقة زاورلاند الألمانية. على الرغم من ذلك فإن 70 بالمائة من التلميذات ينحدرن من عائلات مسلمة. هذا ويبلغ عدد التلميذات 800 كلهن تقريبا مصريات. يبدو إذن أنه لا توجد تحفظات أو مخاوف في هذا الصدد، وتنتسب سنويا حوالي 60 طالبة إلى المدرسة يتم اختيارهن بعد اجتيازهن لاختبار القبول. مدرسة الراهبات البورميات وكذلك الثانوية الإنجيلية الألمانية في القاهرة تعتبران معا أفضل المدارس القائمة في البلاد.
يقوم بتدريس الشابات المصريات مدرسون منهم عدد كبير من الألمان، ويتم التدريس وفقا للمناهج التعليمية الألمانية. والمعروف أن كل ما هو ألماني يتمتع في مصر بسمعة رفيعة للغاية. ويمكن للتلميذات بناء على رغبتهن إجراء امتحانات التوجيهي وفقا للنظام المصري بدلا من امتحانات الثانوية العامة الألمانية. وهذه ميزة لا توفرها المدارس الأمريكية والبريطانية.
كما أن المدرستين الألمانيتين أقل تكلفة من المدارس الأجنبية الأخرى، نظرا لأنها تتلقى دعما ماليا من السلطات الاتحادية الألمانية المختصة. اللغة الرئيسية للتدريس هي الألمانية ما عدا في حالات مواد التربية الوطنية العربية والتاريخ العربي والدين الإسلامي حيث يكون التدريس باللغة العربية.
عند اختتام الدراسة تكون التلميذات قد أتقّن اللغة الألمانية اتقانا كاملا كما لو كانت لغة الأم وأجدن اللغتين الإنكليزية والفرنسية وتعلمن التفكير على نمط تحليلي نقدي وإبداعي، وهذا على عكس الحال لدى معظم المدارس المصرية حيث التلقين والحفظ غيبا. يقول مدير مدرسة الراهبات بيتر فورتسار: "من أهدافنا الرئيسية الأخرى النهوض بهوية المرأة وشخصيتها وتقوية مركزها داخل المجتمع".
المدرسة جزء من المجتمع
ليست مدرسة الراهبات البورميات بمثابة الحصن المنغلق على نفسه على الرغم من أن طرازها المعماري قد يوحي بذلك. فثلث مدرسيها مصريون. ويترتب عليها أن تلتزم بتعليمات وزارة التربية والتعليم المصرية .
وبعد الظهر تعود التلميذات إلى بيوت أهاليهن المصرية في أغلبها وإلى الأصدقاء المصريين وكافة مظاهر الحضارة والحياة في مصر.
وشعار المدرسة يظهر بالإضافة إلى القوس المدبب كرمز للطراز المعماري المسيحي القبة الإسلامية وهرما يرمز إلى الحضارة المصرية القديمة. يشير بيتر فورتسار إلى أن الانتماء الديني لا يلعب دورا إلا في إطار تدريس مادة الدين. ولا توجد في المدرسة لا محاولات لإبعاد شخص ما عن هويته الحضارية ولا أية عمليات تبشيرية. يدرك الآباء ذلك خير الإدراك، وهذا يزيد من ثقتهم بالمدرسة. يضيف المدير فورتسار بقوله " قرابة 100 بالمائة من التلميذات بنات لسيدات التحقن سابقا بهذه المدرسة".
المدرسة الثانوية الإنجيلية
لكن الأمر لا يخلو دائما من المشاكل. بعض الآباء يرفضون مثلا السماح لبناتهم بالمشاركة بالرحلات المدرسية رغم أنهم وقعّوا عند التحاق بناتهم بالمدرسة على ورقة تلزم التلميذات بالمشاركة في كافة النشاطات والبرامج المدرسية. نادرا ما ترتدي التلميذات غطاء الرأس، وعندما تفعل إحدى التلميذات ذلك على نحو فجائي فإن إدارة المدرسة تسعى بكل حساسية وحذر لمعرفة ما إذا كانت هذه الخطوة قد جاءت بطوع إرادتها أم لا. يقول المدير فورتسار " في نهاية المطاف نوافق على ذلك بطريقة ضمنية".
يوجد نظام شبيه بذلك لدى المدرسة الثانوية الإنجيلية في القاهرة، وهي بعدد تلاميذها البالغ 1200 تلميذ أكبر المدارس الألمانية في مصر. ثلاثة بالمائة فقط من التلاميذ والتلميذات مسيحيون مصريون و80 بالمائة مسلمون، أما بقية التلاميذ فهم أجانب.
يقول مدير المدرسة فولفغانغ زيلبيرت "نحن لا نمنع ارتداء غطاء الرأس، كما أن بعض المعلمات يستخدمنه. لكننا لا نشجع التلميذات على استعمال غطاء للرأس". بالإضافة إلى مادتي الدين المسيحي والدين الإسلامي الاختياريتين يتم في إطار تجريبي منذ سنتين تدريس مادة "الدين الجماعي" لتلاميذ المرحلة الدراسية العليا. يكون تلاميذ هذه المرحلة قد تلقوا أسسا قوية ثابتة حول دينهم، ومن هنا يوفر لهم هذا الدرس "مخاطرة" التعرف على الدين السماوي الآخر على نحو أفضل.
سياسة تقشف
كحال مدرسة الراهبات البورميات لا يمكن إغفال المدرسة الثانوية الإنجيلية التي تأسست عام 1873 في مجال التطرق إلى المؤسسات التعليمية في مصر.وللأسف الشديد يتحتم على هاتين المدرستين التزام سياسة تقشف صارمة منذ عدة سنوات بسبب انخفاض الموارد المالية من ألمانيا. هذا على الرغم من الأهمية الفائقة التي يحتلها قطاع التعليم كمصدر من مصادر الاستثمار.
يقول المدير زيلبيرت "لا يوجد استثمار أفضل من ذلك". فخريجو المدرسة الثانوية الإنجيلية كثيرا ما تبوءوا بعد تخرجهم مناصب عالية في قطاعات الاقتصاد والسياسة والثقافة لهذا البلد. لاخوة الثلاثة من عائلة الصويري مثلا يترأسون مجموعة أوراسكوم وهي أكبر مؤسسة مصرية، وقد تخرجوا من هذه المدرسة.
كما تخرجت منها البروفيسورة سميرة الملاح عميدة كلية الطب التابعة لجامعة الأزهر، وهذا يسري أيضا على خالد نصير نائب رئيس مجموعة الكان. مما لا شك فيه أن روابط التلاميذ بألمانيا النابعة من انتمائهم إلى هاتين المدرستين اللتين يتم تمويلهما في المقام الأول من قبل ألمانيا ستنعكس مستقبلا إيجابيا على العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين.
بقلم يورغن شتروياك، صحفي ألماني مقيم في القاهرة
ترجمة عارف حجاج