نتائج خصخصة مؤسسات التزويد بالمياه
روي عن النبي محمد قوله: "من حفر بئرا، آجره الله يوم القيامة ثوابا عن كل جرعة شربها منه جن أو إنس أو طير". يتزود غالبية سكان المدن الكبرى في العالم الإسلامي اليوم بالماء عن طريق أنابيب المياه. هذا إذا لم تكن المياه مقطوعة وفي حال كانت نقية وصالحة للاستهلاك إن هي وصلت. وإذا تعذر الأمر لا يبقى أمام المستهلكين سوى شراء المياه المعدنية في قوارير مقابل ثمن باهض، حيث تبيعها شركة نستله السويسرية والشركة الفرنسية العملاقة دانوني أو الشركات الامريكية كوكا كولا أو بيبسي.
وتقوم طالبة الحقوق فيرونيكا من جاكارتا بشراء مياه الشرب المعدنية المعبأة بالقوارير بشكل منتظم من شركة دانوني، بالرغم من أنها باهظة الثمن. وتقول بأن مياه الأنابيب غير صالحة للشرب على الإطلاق:
"كل مرة أشرب بها مياه الأنابيب، تعتريني الهموم مما قد يترتب على ذلك، هذا بالرغم من أني أغلي المياه قبل تناولها وأتساءل بدوري لماذا لا يمكن أن يتزود المرء في بلادنا بمياه الشرب دون صعوبات؟"
وتقوم سويس وتايمس ووتر، وهي شركة تابعة لشركة RWE الألمانية، في جاكارتا اليوم بتنظيم عملية التزود بمياه الشرب في الكثير من الاحياء. وتعتبر سويس أكبر شركة في العالم في هذا المجال، حيث تزود 125 مليون فرد بالمياه.
أما شركة RWE فتحتل الموقع الثالث ضمن قائمة الشركات العالمية. ولقد قام سوهارتو في عام 1995 بخصخصة شركة المياه العامة بام جايا. وقد تم يومها دعم العقد الموقع مع تايمس ووتر من قبل البنك الدولي ووزارة التعاون الدولي البريطانية.
ولم يرى العقد حينها ضرورة إطلاع السلطات المحلية المختصة بتنظيم الأمر على صفقات المياه والملفات والتقارير المالية للمستثمرين الأجانب.
وحصلت شركة تايمس ووتر التابعة لشركة RWE الألمانية والشركة الفرنسية العملاقة سويس، التي كانت يومها تدعى ليون دي أوكس، في عام 1997 وذلك في ظل نظام سوهارتو، على ترخيص لتزويد القسم الشرقي والقسم الغربي من جاكاراتا:
وكذلك كان ينبغي عليهما ضمن التعاقد القيام بتحديث وصيانة أنظمة خطوط الأنابيب التي مدتها سلطات الاستعمار الهولندي في مدينة الملايين. وعملت كلا الشركتان مع رجال أعمال إندونيسيين يعدون من ضمن دائرة الأصدقاء المقربين جدا من الرئيس السابق سوهارتو.
قيمت الحكومة الإندونيسية، التي جاءت إلى الحكم اثر انهيار نظام سوهارتو، التعامل مع الشركتين العملاقتين على أنه يعج بالفساد وأعادت موضوعة المياه إلى اليد العامة. لكن لم يدم هذا الوضع طويلا.
فقد طالبت الشركتان بإعادة مراجعة العقود القائمة. ومن الجدير بالذكر أنه كانت هناك مقاومة لذلك وإضرابات ضد الشركتين وما تبغيان تنفيذه من فصل للعمال ورفع للاسعار. لكن الحكومة عادت ووقعت من جديد على عقود مع الشركتين العملاقتين في عام 2001.
ضمنت شركة تايمس ووتر من خلال العقود الجديدة لنفسها الحق وحدها في تزويد القسم الشرقي من المدينة لمدة 25 عاما بالمياه. وليس لأي شركة الحق خلال هذه الفترة الزمنية بممارسة أي تجارة بمياه الأنابيب لما يزيد عن مليونين نسمة من سكان المنطقة.
ويستغل عقد الترخيص الجديد المدينة بشكل بشع. حيث يرى العقد بأن على المدينة دفع كافة الأرباح المتوقعة للشركة خلال مدة 25 عاما في حال قامت المدينة بفسخ العقد قبل موعد انتهائه. ويرى بند آخر في العقد أهداف تتعلق في التكنولوجيا والتزود بالمياه إلا أنها على مستوى متدن جدا، كما يرى العقد أيضا إمكانية رفع الأسعار كل ستة أشهر – وبغض النظر عن تحقيق أو عدم تحقيق الأهداف المنشودة المتفق عليها.
وعود فارغة
لا تقوم الشركتان بالإيفاء بواجباتهما التي ينص عليها العقد. فلم تمدد شبكات خطوط التزويد بالمياه التي كان على كل من شركة تايمس ووتر والشركة العملاقة سويس مدها، سوى لعدد محدود أقل مما ينص عليه العقد ودون وعودهن. وما زال الناس في جاكارتا يشكون يوميا من انقطاع المياه وسوء نوعيتها.
واكتشف الخبراء كميات كبيرة من المعادن الثقيلة في المياه وبقايا مواد التنظيف. وبرر أحد ممثلي شركة سويس رداءة نوعية المياه بأنها عائدة إلى "سوء أداء العاملين واهمالهم"، حيث أنهم ليسوا على استعداد "للتعاون مع أرباب عمل أجانب". وتطالب الشركتان بنفس الوقت برفع الأسعار بين الفينة والأخرى ولقد وافقت سلطات التنظيم على ذلك عدة مرات.
ولقد ازدادت في المرحلة الأخيرة المشكلات بين الشركة المحلية بام جايا، التي كان ينبغي عليها القيام بمراقبة الشركتان العملاقتان، والشركاء غير الحكوميين. ويعود ذلك إلى أنه لا ينبغي على شركة بام جايا القيام بمراقبة الشركتين العملاقتين وحسب، بل يتوجب عليها أيضا – وذلك في اطار "التعاون بين القطاع العام والخاص " – الدفع، في حال لم تحقق الشركتان العملاقتان الدخل الكافي من الرسوم المترتبة على التزويد بالمياه لمصلحة المستثمرين من القطاع الخاص.
ويدعي هؤلاء بأن العمل لم يعد مربح في هذا القطاع، حتى بالرغم من ارتفاع أسعار المياه بنسبة حوالي 100% منذ عام 1998 وحتى اليوم. وتذكر شركة تايمس ووتر وسويس بأن المبالغ المستحقة في ذمة شركة بام جايا تبلغ حاليا 116 مليون دولار. ومن أجل تسديد هذه الديون تقوم شركة بام جايا باستمرار وبشكل دوري بالعمل على رفع أسعار مياه الانابيب.
سياسة الحكومة تدعم الخصخصة
وقد ارتفع في شهر نيسان / أبريل من عام 2003 سعر المتر المكعب الواحد بنسبة 40 بالمائة، ليصبح سعره يعادل 49 سنت. وفي الأول من كانون الثاني/يناير من هذا العام قامت إدارة المدينة برفع أسعار المياه بمعدل 30 بالمئة، بما في ذلك وبصراحة أيضا للعائلات الأكثر فقرا والأحياء المدنية مما سبب حملة احتجاج واسعة لدى السكان. وليس هذا من المستغرب بمكان، حيث تضطر غالبية السكان في جاكارتا للعيش بأقل من دولارين في اليوم. وحسب قول السلطة المسئولة عن التنظيم فإن اكثر من نصف الرسوم عائدة لتسديد الديون المترتبة على بام جايا.
بالرغم من الخبرة السيئة في جاكارتا والكثير من الاحتجاجات ضد عملية الخصخصة، فإن الحكومة الإندونيسية عازمة على سن قوانين تسمح بعملية خصخصة التزود بالمياه في كافة أنحاء البلاد ومنحها للقطاع الخاص. ولقد فرض البنك الدولي القانون الجديد على الحكومة الإندونيسية في عام 1999 كشرط لمنحها قرضا بقيمة 300000 دولار لموضوع التزويد بالمياه في حال واكبت الحكومة عملية الخصخصة تلك.
وتقوم كبرى المنظمات الإسلامية في إندونيسيا والتي تدعى Nahdlatul Ulma (NU) بمقاومة توجهات الحكومة مطالبة بـ"الحق في الحصول على ماء نظيف صالح للشرب وبسعر مناسب".
هذا بينما يدعم الحزبان الإندونيسيان الكبيران وهما الحزب الديمقراطي، حزب الرئيسة ميجاواتي سوكارنوبوتري، وحزب جولكار التابع لأكبر تانجونج، سياسة الخصخصة في كافة أنحاء البلاد، التي ترفع من الأسعار ولا تجلب المياه الصالحة للشرب.
ولا تشكل قوارير المياه بالنسبة للسكان في مدينة جاكارتا حلا بديلا، وهي التي تقوم الشركة الفرنسية العملاقة دانوني وغيرها من الشركات بتعبئتها، وحسب جريدة جاكارتا بوست، من مياه الينابيع الكثيرة في البلاد التي تسيطر عليها حيث وصلت في عام 2003 إلى أكثر من أربعة مليارات متر مكعب من الماء المعبأ في القوارير، من أجل بيعها بأسعار عالية في المدن. ويزداد عدد السكان الذي يحفرون آبارا في جاكارتا باستمرار. ومن أجل الحصول على مياه نقية صالحة للشرب يجب الحفر بما لا يقل عن 15 مترا في عمق الارض.
غرهارد غلاس، قنطرة 2004
ترجمة مصطفى السليمان