في مصيدة الإصلاحات والوفاء بالالتزامات
يصف أحد دبلوماسيّ الاتحاد الأوروبي المخضرمين الوضع الحالي لمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بقوله: "نتعامل مع الوضع كما إن كنّا سنسمح لكم بالانضمام يوما ما، في حين أنكم تتصرفون كما إن كنتم تؤدون إصلاحات....". وثمة ركود أكثر من تقدم وتردد من الجانبين. أيضا لا يُعد التقرير الحديث الذي أصدره البرلمان الأوروبي حول تركيا مفاجأة، فقائمة "العيوب" التي تراها أوروبا معروفة، وبروكسل تحث من جديد على الإسراع في الإصلاحات السياسية.
توقعات طفيفة في تركيا
من الناحية الرسمية لا تزال تركيا تجهد نفسها من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي، بيد أن الحماس الحقيقي لا يزال غير مرئي. في أثناء احدى لقاءات قيادات الاتحاد الأوروبي حذّر حديثا وزير الخارجية التركي على باباجان من تلاشي حماس أوروبا الأوليّ وتلاشي إرادة بني قومه بسبب تعثر مفاوضات الانضمام.
وإذا وضعنا تردد الاتحاد الأوروبي في الاعتبار فلا غرابة في ذلك، بحسب أيهان كايا، مدير المعهد الأوروبي بجامعة بلغي في اسطنبول، حيث يعبر عن ذلك قائلا: "إن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه رؤية مستقبلية، ولهذا فإن تركيا ترى أنه فقد جاذبيته تماما".
على الرغم من الأزمة الحالية لا يزال أولي رين Olli Rehn، المفوّض المسؤول عن توسيع الاتحاد الأوروبي، مصرا على المضي في قضية التوسع. ويقول إن الاتحاد الأوروبي عليه أن يفيَ بوعوده، وهذا ينطبق أيضا على تركيا. إن بروكسل تتفاوض مع أنقرة حول الانضمام منذ أكتوبر / تشرين الأول 2005. ويتكهن رين باحتمالية حدوث ذلك في غضون عشر إلى خمسة عشر سنوات إذا أخذت تركيا منهج الإصلاح بجدية.
يسود داخل البرلمان الأوروبي شك في نجاح تركيا في إحداث عمليات الإصلاح. وقد اتهم رئيس مفوضية الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، المار بروك Elmar Brok حكومة رجب طيب اردوغان "بأنها لا تفكر أبدا في التكيف مع القيم الأوروبية"، وأنها لا قدرة لها على الإصلاح.
يقول كلاوس هينش Klaus Hänsch، عضو البرلمان الألماني من الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي عليه بعدُ تقديم تسهيلات بشأن معايير الانضمام، كما حدث مع بلغاريا ورومانيا، ومثلما يحدث حاليا مع كرواتيا المرشحة للانضمام.
"اتحاد دول حوض البحر المتوسط" مقابل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي
حظي الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، بأصوات لها ثقلها في انتخابات العام الماضي بعدما وعد بإبعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي. كما أن مبادرته لتأسيس "اتحاد دول حوض البحر المتوسط" كبديل لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قللت حديثا من حماس المفوضية الأوروبية، على الرغم من أن غالبية دول الاتحاد يؤيدون انضمام تركيا له.
بيد أن انطونيو ميسيرولي Antonio Missiroli مدير مركز السياسة الأوروبية في بروكسل يرى أن الموازين قد تختلف، ويقول : "إذا لم تعد ألمانيا محكومة من قِبل الائتلاف بين الحزبين الكبيرين ويحكمها المحافظون بعد انتخابات عام 2009 فسوف يكون هناك تحالف ألماني فرنسي ضد انضمام تركيا للاتحاد، ومن الممكن أن يزداد هذا التحالف قوة إذا بقي البريطانيون الموالون لتركيا متحفظين في تعاملهم مع الإتحاد الأوروبي.
وقد حظي استئناف محادثات الانضمام مع أنقرة بإجماع حكومات دول الاتحاد الأوروبي، حيث كان هدفها جميعا هو عضوية تركيا في الاتحاد. بيد أن تركيا لن تصبح عضوا بطريقة تلقائية حتى وإن استوفت جميع الشروط. وحسب التقرير الحديث الذي أصدره البرلمان الأوروبي حول تركيا فلا تزال "النتيجة معلقة".
والعقبات التي تقف أمام هذا البلد الواقع على مضيق البسفور كبيرة لدرجة لم يصادفها أي بلد كان مرشحا للانضمام من ذي قبل. ذلك لأن الاتحاد الأوروبي يريد أن يستوضح في نهاية المفاوضات ما إذا كان الاتحاد سيتحمل تبعات انضمام تركيا من الناحية الاقتصادية والسياسية. وإذا أراد الاتحاد انضمام تركيا يوما ما فـ"لن تتقلص القضايا داخل الاتحاد، وسوف يظل موضوع انضمام تركيا في المستقبل حديث الساعة"، بحسب تنبؤات سارة زيغر Sarah Seeger، خبيرة الاتحاد الأوروبي بمركز ميونخ لأبحاث السياسة التطبيقية.
تحالفات مناوئة لأنقرة داخل الاتحاد الأوروبي
يرى التحالف المناوئ لأنقرة داخل الاتحاد الأوروبي - الذي يتصدره فرنسا والنمسا ومعسكر المحافظين في ألمانيا - أن تركيا لا تتناسب البته مع أوروبا. وحجتهم في ذلك أن تركيا، البلد الواقع على الحدود بين أوروبا وآسيا، بلد كبير وفقير ومختلف لدرجة كبيرة.
كما أن الأجواء السياسية القومية القوية تعتبر بالنسبة للمناوئين دليلا على أن تركيا لن تصبح يوما ما بلدا أوروبيا. وأحدث مثال لعدم استقرار السياسة التركية محاولة حظر الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية، ذلك ما يحذر منه برلمانيون محافظون داخل الاتحاد الأوروبي.
تعتبر زيغر أن تقارير المفوضية والبرلمان في بروكسل، التي تصدر بصفة دورية، "أحادية النظرة". وتقول بأن الإصلاحات تتطلب من المجتمع أموالا وتغيير عادات، كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقابل الجهود المبذولة من أجل ذلك بالمكافأة.
ترى نجاتي ليكان، Necati Lyikan، خبير الاتحاد الأوروبي بجامعة اكدينز بأنطاليا، أن الشكاوي المستمرة ضد انتهاك حقوق الإنسان والعجز الديمقراطي يؤثران سلبا، خاصة وأن أعضاء الاتحاد من دول شرق أوروبا لا يحرزون أي تقدم في هذه المجالات. وتقول ليكان: "أن الأتراك لديهم انطباع بأن الاتحاد الأوروبي يكيل بمكيالين". ولتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الاتحاد الأوروبي فقد أحرز القادة السياسيون تقدما ملحوظا في انتخابات عام 2007.
وحسبما يقول رئيس الوزراء اردوغان فإن عام 2008 سوف يكون "عام الإصلاحات"، بيد أن تلك الإصلاحات تسير ببطء شديد وأن تغيير المادة 301 المتنازع حولها بشأن "إهانة القومية التركية" لا يراه الاتحاد الأوروبي كافيا. إن أول ما ينتقده تقرير أعضاء البرلمان الأوروبي ما هو معروف بالفعل. أما ما يخص حرية الرأي المطلقة فلم يحرز هذا البلد "أي تقدم البته" في هذا الصدد.
يقول جيم أوزدمير Cem Özdemir، العضو الألماني في البرلمان الأوروبي، "إنه على تركيا أن تشق طريق الإصلاح مرة أخرى". ويرى أن عام 2007 يعتبر "عاما ضائعا" بسبب انتخابات الرئاسة. ويطالب أنقرة بأن "تلحق بركب الاتحاد الأوروبي"، ويقول: "إن الوسيلة لا تقل أهمية عن الغاية".
دانيلا شرودر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
قنطرة 2008
دانيلا شرودر تعمل مراسلة حرة للإتحاد الأوروبي في بروكسل وألمانيا.
قنطرة
الاتحاد الأوربي
فرصة لتركيا وفرصة لأوروبا
حصل المستشار الاتحادي غيرهارد شرودر على تعاطف الرأي العام التركي خلال زيارته إلى تركيا بسبب دعمه الواضح لانضمام البلد الإسلامي إلى الاتحاد الأوروبي، تعليق بهاء غونغور.
تعديل المادة 301 من قانون العقوبات التركي:
تعديل جذري أم ذر للرماد في العيون؟
في وقت تصبو فيه أنقرة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ينظر إلى التعديلات على القانون العقابي المتعلق بــ"إهانة القومية التركية" على أنها مؤشر على ديناميكية عملية الإصلاح الديموقراطي. ولكن هل هذه التعديلات حقيقية وبالتالي من شأنها أن تكفل حرية الرأي والتعبير والتعددية؟. غونتر زويفرت من اسطنبول في قراءة لهذه الإصلاحات وجديتها
الإصلاح الدستوري في تركيا
صراع جنرالات أم أيدلوجيات؟
يناقش البرلمان التركي مجموعة من التعديلات الدستورية والقانونية، وتشكل مسألة رفع حظر الحجاب محور هذه المناقشات والتغييرات وذلك وفق طروحات تقدمت بها حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة اردوغان. غونتر زويفرت يلقي الضوء على هذه القضية من اسطنبول