بيت في الدور الرئيسي في شريط وثائقي

عاموس غيتاي من أشهر المخرجين السينمائيين في إسرائيل، عرف بأفلامه الروائية المثيرة للجدل، وكلها أفلام تعرض معاينات نقدية لبلاد أرض الميعاد. يعرض حاليا "أخبار من الوطن/أخبار من البيت"، آخر شريط للمخرج الإسرائيلي. مقال بقلم أمين فرزانيفر.

الأعمال الوثائقية الممتدة على فترة زمنية طويلة والتي ظلت أقل شهرة من أفلام عاموس غيتاي الروائية، فقد ظلت تقوده لعشرات السنين عبر أماكن تمثل لديه رموزا لصورة المجتمع الإسرائيلي.

هكذا راحت ثلاثيته السينمائية الوثائقية "البيت"، توثق منذ سنة 1980 لأعمال البناء وإعادة البناء التي ما انفكت تجرى على بيت في القدس. والبيت الذي يُزعم أنه بني في نهاية القرن التاسع عشر من طرف أحد أعضاء طريقة فرسان المعبد الدينية قد توالى على الإقامة داخله منذئذ عدد من الساكنين من مختلف الأطراف.

قبل خمس وعشرين سنة استغل المخرج السنمائي مناسبة إجراء ترميمات شاملة على البيت ليرسم صورة مجتمعية مدهشة ومليئة بالتناقضات من خلال استعادة قصص السكان المختلفين لذلك البيت وجيرانهم من الماضي والحاضر.

مشاعر الغضب واليوتوبيا

يصور شريط "House" الوثائقي زيارة يقوم بها إلى حضيرة الترميم أحد سكان البيت السابقين وهو الدكتور داجاني الذي تم ترحيله سنة 1948 ضمن وقائع بداية تأسيس دولة إسرائيل. كما يشاهد في الشريط نحّات الأحجار الفلسطيني المهجّر هو أيضا، والذي لم يستطع أن يعبّر حقا أمام الكاميرا وبحضور المشرفين الإسرائيليين على أعمال البناء عن مشاعر غضبه وعن رأيه الحقيقي في ذلك العمل الذي كان يقوم به.

استياء المهجّرين العرب، وكذلك يوتوبيا وأحلام جيل المؤسسين من الصهيونيين تجد نفسها متجاورة ومتعارضة داخل العرض الوثائقي الذي يقدمه هذا الشريط. وليس غريبا بالتالي أن شريط House الذي تم إنجازه لصالح التلفزيون الإسرائيلي في الأصل قد اعتبر إشكاليا في ذلك الزمن، ثم تم سحبه من البث من بعدها.

1979 : زيارة جديدة للبيت

في سنة 1979 وبمناسبة اغتيال رئيس الوزراء رابين عاد عاموس غيتاي إلى مكان التصوير مجددا:
ثم جاء شريط "ِA House in Jerusalem" ليواصل التطرق إلى استحضار تاريخ ذلك البيت وساكنيه ويربط مرة أخرى بين تاريخ البيت وتاريخ الدولة الإسرائيلية. في هذه المرة يتحدث المخرج مع ابن وحفيد الدكتور داجاني، وكلاهما من ذوي التكوين الطبي، عن منزلتهم الاجتماعية كمواطنين من الدرجة الثانية وعن مخاوفهم.

وعلى مرمى حجرمن هناك، لكن في ما يشبه منطقة تفصلها عوالم عن السكان الجدد لشارع "Dor Dor Vedorshav"، مهاجرة شابة من اليهود الأورثوذوكس قد عرفت أمها وجدتها محتشد أوشفيتز، دفع بها الفراغ الروحي إلى الهجرة من ولاية بنسيلفانيا الأميركية إلى إسرائيل:

"الناس في أميكا يشعرن بأنفسهم نهبا للخواء"، تقول تلك المرأة. وتؤكد بأن إسرائيل تمثل بالنسبة إليها "شيئا شبيها بقدح من اللبن الدافئ"، حتى وإن كان المنقذ المنتظر لم يأت بعد. وماذا عن الفلسطينيين؟ "قد تحدثت ذات مرة مع سائق تاكسي فلسطيني."

أبيض/أسود

مع ذلك فإن التفكير وإعادة النظر النقدية قد حلت محل التصورات الرومانسية الحالمة لدى الكثيرين. فالساكنة الحالية للبيت التي هاجرت إلى إسرائيل بدافع "المساندة المعنوية" لإسرائيل أثناء حرب يوم تشرين 1973 لم تعد تريد القبول بـ"الأساطير" التي كانت رائجة في ما قبل:

"إن الفكرة بالقائلة أن الحلم الإسرائيلي يختلف عن أحلام كل البلدان الأخرى، وأن إسرائيل هي الأفضل، وغيرها من الأفكار، مجرد وهم. وقد اضمحل هذا الوهم الآن وهو ما أراه أمرا جيدا..."

في الجزء الأول من الشريط، الذي تم تصويره بلا ألوان آنذاك، كان المشاهد يرى بلدا واحدا مقسما بطريقة واضحة إلى فصائل سياسية مختلفة. أما في سنة 1997 فيعرض شريط A House in Jerusalem للمشاهد صورة عن إسرائيل كمجتمع ملفّق من ملصّق جمّع داخلها ما لا يحصى من الهويات ومن تواريخ ومصائر شخصية متعددة، وداخل هذا الملصق يجد كل واحد نفسه يبحث عن حقيقته الخاصة. وهذا الاتجاه يبدو محكوما بأن يتواصل ويستمر في المستقبل.

تنقلات ما بعد حداثية: News from Home

في إطار تعاهده مع تييري غاريل منتج قناة Arte كان عاموس غيتاي يرى أنه مع سنة 2005 قد حان الوقت للقيام بمراجعة جديدة لموضوع شريطه الوثائقي: وقد جاء شريط News from Home زيارة استكشاف ثالثة لذلك الشارع الذي يبدو أنه يستقطب الكثير من الخصائص الغريبة. حركة البناء لا تتوقف، أو بالأحرى مرة أخرى ومجددا هناك على الدوام بناء وإعادة بناء. وبتغيّر وجه المدينة تتغير أنماط عيش سكانها أيضا. في هذه المرة يلتقي غيتاي بدياسبورا شتات متفاقم:

"جيل من شباب إسرائيليين قد هاجروا إلى كندا ولندن؛ ذريّة فلسطينيين يقيمون في الأردن أو مونريال. هذا العالم المصغر المكثف الذي تظهر داخله طبائع متنوعة ثم تتفرق نحو اتجاهات مختلفة، ذلك هو الخيط الرابط لموضوع عملي."

الحركية المضطربة لزمن العولمة تنعكس كذلك على المخرج المتقدم في السن؛ وليست الكاميرا وحدها هي التي راحت تتخلى عن ثبات اللقطة لصالح حركة تنقل باحثة ومستكشفة، بل إن غيتاي نفسه يسافر كثيرا.

في الأردن يلتقي ببعض ممن ما يزالون على قيد الحياة من عائلة آل داجاني التي ظلت لسبع مائة سنة مستقرة في مدينة القدس. وفي فلسطين يقوم بزيارة لنحّات الحجارة الذي لم يفسح المجال في ما مضى لسخطه وآلامه إلا لماما وبصفة متحفظة. وفي هذه المرة فإن زوج ابنته هو الذي يجد عبارات أكثر وضوحا للتعبير عن ذلك- ومع ذلك يظل الجميع يتمنون السلام.

عندما لا يسافر غيتاي يعود إلى اكتشاف آثار حركة تنقلات جديدة داخل ذلك البيت نفسه. فساكنة البيت الجديدة مثلا مهاجرة قدمت عبر رحلة قادتها من تركيا إلى السويد فسويسرا باتجاه أرض الميعاد. وقد كانت أمها تعيش في سوريا، وجدتها في جزيرة كريتة بينما أب تلك الجدة قد قدم إلى هناك من تيسالونيكي.

بقلم أمين فرزنيفر
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

المخرجة الإسرائيلية سيمون بيتّون
قامت المخرجة سيمون بيتّون بإخراج فيلم وثائقي عنوانه الـ"جدار" عن منشآت الحدود الإسرائيلية مع الفلسطينيين. أمين فارزانيفار يعرّفنا بهذه المخرجة الحاصلة على جوائز عالمية وبشريطها السينمائي الأول

مساءلة الماضي والحاضر
مخرجان الفلسطيني ميشال خليفة والإسرائيلي إيال سيفان صورا فيلما وثائقيا "الطريق 181" على الحدود التي رسمها قرار 181 للأمم المتحدة عام 1947. على هامش النقاش الذي دار بعد عرض الفيلم في أكاديمية الفنون في برلين برعاية غوتة فوروم كان هذا الحوار مع المخرج ميشال خليفة

www

موقع عاموس غيتاي